في الوقت الذي كان عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، يتحدث فيه مزهوا، عن التزام حكومته ببرنامج “أوراش” من المشاريع الاجتماعية والتنموية التي تترجم العناية بالعنصر البشري، بجعله في صلب المبادرات التنموية وغايتها الأساسية، كان هناك شباب في عمر الزهور، من مدينة تازة، يجدفون بقوة وسرعة في قوارب الهجرة السرية، يدفعهم الإحباط واليأس أملا في واقع بديل خارج المغرب، لكن الأقدار شاءت أن تنكسر مجاديفهم، فيتعرض قاربهم للغرق، فيغرقوا معه، ليصبحوا طعاما للأسماك، كالذين سبقوهم لنفس المصير.
لا أريد أن أتحدث عن هول الفاجعة، وتأثيرها على أسر الضحايا وأهلهم، ولا عن الأسباب التي تجعل هؤلاء الشباب وأمثالهم يغامرون بحياتهم، ليلقوا بأنفسهم في عرض البحر مع علمهم أن رحلتهم محفوفة بالمخاطر، وأن نسبة عبورهم لمعانقة حلمهم بالعبور إلى الضفة ضئيلة جدا.
ولكن أريد أن أثير الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية، والتي تتعلق بتجاهل الحكومة، وصمتها بل ولامبالاتها بهذا الحادث المأساوي بعد غرقهم في البحر، وكأن هؤلاء الشباب ليسوا مغاربة، وكأنهم لا ينتمون إلى البشر، فعلى الأقل، كان على هذه الحكومة ان تصدر بيانا، ولو من ثلاثة أسطر، تتقدم فيه بتعازيها الحارة ومواساتها لعائلات الضحايا، ولكنها آثرت إغلاق آذانها، وإغماض أعينها، كما فعلت من قبلُ مع مآسي شبيهة، وكأن الأمر لا يعنيها، نعم الأمر لا يعنيها، فهي مصابة بتبلّد الإحساس.
إن حديث السيد اخنوش عن الإنجازات التي حققتها حكومته وإحصائها خلال 100 يوم الأولى من عمرها، ليس له أي معنى، ما دام هناك شباب في عمر الزهور، يلقون بأنفسهم في البحر، هروبا من جحيم البطالة، وبحثا عن واقع بديل، في الضفة الشمالية.
ولقد تعوّد السيد عزيز أخنوش، منذ أن كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بيع الأوهام للمغاربة، ولا زلنا نتذكر الوعود التي بشّر بها على أن المغربَ سيقفز قفزةً نوعيةً بفضل المخططِ الأخضرِ الذي كان يشرف عليه، وأنه سيكون أهم البرامج التنموية في مغرب القرن الواحد والعشرين، وأحدَ أكبرِ المشاريع الشاهدة على التطورات والإصلاحاتِ التي سيعرفها المغرب مستقبلا. لكن ما هو مصير ذلك المخطط الأخضر وماذا تحقق من عشرات البرامج والأهداف التي سطرتها وزارة الفلاحة منذ سنوات؟ وبلغة الأرقام هل تمكّن المخطط من خلق دينامية في القطاع الفلاحي؟ وما حصيلة هذه المدة بالنسبة للفلاحة التضامنية التي أريد لها أن تتطور لمحاربة الفقر والهشاشة وضمان الأمن الغذائي لآلاف الأسر المغربية؟
نفس الأسئلة يمكن أن نطرحها اليوم، عن مصير الالتزامات العشرة الواردة في برنامج حكومة عزيز أخنوش. مع فارق بسيط، وهو ترقي السيد عزيز أخنوش، من وزير للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إلى رئيس للحكومة، بالأمس كان الجواب هو أن المخطط الأخضر فشل فشلا ذريعا، بسبب وجود نواقصَ في تطبيقه. وقد كان البرلمانيون آنذاك أول من انتقده، وشددوا على أنه يهمُّ فقط الفلاحين الكبارَ، أما صغار الفلاحين فلم يستفيدوا منه شيئا. وبعد مرور خمس على حكومة أخنوش، فماذا سيكون الجواب؟ لا أريد أن أستبق الأحداث، ولكن أفول عندما تستطيع هذه الحكومة أن تقنع الشباب بعدم مغادرة وطنهم والمجازفة بأرواحهم، وإلقاء أنفسهم إلى التهلكة بركوب قوارب الهجرة السرية، عند ذلك سنضع ثقتنا فيكم، وإلى ذلكم الحين، نتمنى أن توفّي حكومة عزيز أخنوش بالتزاماتها، فقد أضاع المغرب سنوات كثيرة، وهو يبحث عن نموذج للتنمية ينقذ المغاربة من الضياع.
فلاش: كشفت وكالة “رويترز” للأنباء عن قائمة أحسن صورها لسنة 2021، والتي ضمت صورتين عن المغرب تعود إحداهما للطفل المغربي أشرف، الذي اشتهر خلال الهجرة الجماعية التي شارك فيها الآلاف نحو سبتة المحتلة أوائل الصيف الماضي. أشرف، المتحدر من مدينة الدار البيضاء، والذي لا يتجاوز عمره 16 ربيعا، كان قد صار حديث مواقع التواصل الاجتماعي، والصحف العالمية بعدما تم تداول شريط فيديو يوثق محاولته دخول مدينة سبتة بحرا، مستعملا قنينات بلاستيك ثبتها على ذراعيه. إحدى الصحف الإسبانية تطرقت لقصة أشرف واختيار صورته من ضمن صور العام لرويترز، حيث أوردت أن مصور اللقطة، سبق وصرح بأنه قد صُدم حين رأى منظر العشرات من المهاجرين غير الشرعيين الراغبين في التسلل لسبتة، وأن المشهد كان أشبه بمشاهدة ضحايا من فيلم حربي. لقد جذب الصبي المغربي انتباه وسائط الإعلام الدولية وهو يطفو على الماء بواسطة قارورات مربوطة بذراعيه، يبكي حين رأى الجنود الإسبان في انتظاره، لأنه لم يكن يريد العودة إلى بلده، ولم يكن يهتم إذا مات بسبب البرد، لقد فضل الموت غرقا على العودة إلى المغرب فشكرا لحكومتنا الموقرة أن جعلت من الشاب أشرف حديث أكبر الصحف العالمية، بفوز صورته بلقب أحسن صورة لسنة 2021.