محمد المعزوز: النظرية العربية في علم الجمال متأصلة تاريخيا، وهذه فتوحات أقطابها

محمد المعزوز: النظرية العربية في علم الجمال متأصلة تاريخيا، وهذه فتوحات أقطابها محمد المعزوز

استضاف الزميل عبدالإله التهاني في الحلقة الاخيرة من  برنامجه الإذاعي "مدارات" بالإذاعة الوطنية من الرباط ، الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي الدكتور محمد المعزوز، في جلسة أدبية وفكرية، بنفحة فلسفية  تمتح من ينابيع العلوم الإنسانية. وفي ورقته التقديمية، أشار الزميل  التهاني إلى أن سيرة ضيف الدكتور المعزوز، تختزل مسارا ثقافيا حافلا بالعطاء، مبرزا أنه زاوج بين الإسهام الفكري والإبداع الأدبي، من خلال إنتاجه الروائي، وكتاباته في مجال العلوم الإنسانية والدراسات السياسية، وخاصة مؤلفاته في حقل الانثروبولوجيا والفلسفة والفكر السياسي، وهي الأعمال التي تضعه عن جدارة، في صف المفكرين المغاربة والعرب المعاصرين، ممن اشتغلوا على قضايا المجتمع العربي، وأسهموا بجهد نظري في تحليل التحديات التي تطرحها الاشكاليات، المرتبطة بمشروع النهضة والتحديث والعقلانية، وبأسئلة التجديد في البنية الفكرية، والنسيج المجتمعي العربي.

 

وأضاف الزميل عبدالاله التهاني أن الدكتور محمد المعزوز، أنتج  تحاليل واجتهادات ونظرات، لا تخلو من عمق ورصانة وكثافة فكرية، لفتت الانتباه إلى شخصيته وإلى إسهاماته النوعية، كما جسدتها إصداراته باللغتين العربية والفرنسية، في مجالات الفلسفة، والانثروبولوجيا، والفكر السياسي، والإبداع الروائي والمسرحي، علاوة على كتاباته ومقالاته البحثية، المنشورة في مجلات وصحف مغربية وعربية، وعلى محاضراته ومشاركاته في ندوات وملتقيات علمية، ذات الصلة بانشغالاته واهتماماته الفكرية، سواء في المغرب أو خارجه.

 

في هذه الحلقة التي خيم عليها ظلال العلوم الانسانية، تحدث الدكتور المعزوز عن بدايات مساره الثقافي، مبرزا أنها بدايات متعددة ومتداخلة، يتقاطع فيها ما هو مسرحي وسياسي وفني.

واستحضر ذكرياته في هذا السياق، مشيرا إلى أنه كان شغوفا ومتأثرا بفلسفة أرسطو، وخاصة نظراته في المنطق والجوانب الفلسفية، وكل ما يتعلق بالوجود والعالم.

واستعرض عن قراءاته في أمهات كتب الفلسفة، وكذا اطلاعه المبكر على ما كتبه كارل ماركس ولينين وجورج بوليتزر.

 

واستعاد  الدكتور المعزوز ذكرياته عن نشاطه المسرحي في جمعية المسرح العمالي بوجدة، معتبرا أن تلك الجمعية كانت ورشا للتكوين السياسي والفكري والفني والإبداعي، بإشراف المسرحي المرحوم محمد مسكين.

 

وعن الخيط الناظم  بين علم الجمال وعلم الأنثروبولوجيا، أكد الدكتور المعزوز أنهما علمان متداخلان ومتكاملان، مستعرضا بعض مضامين دراسته الميدانية من الزاوية الأنثروبولوجية، الميدانية حول قبيلتي بني يزناسن بالمنطقة الشرقية وقبيلة أيت عطا .

وفصل الباحث محمد المعزوز الحديث في أحد أجوبته، عن فروع علم الأنثروبولوجيا وما يحصل بينها من تداخل، مشيرا إلى الأنثروبولوجيا السياسية، والثقافية والأنثروبولوجيا الاقتصادية، بل وحتى الانثروبولوجيا الطبية، مبرزا في نفس السياق أن الأنثروبولوجيا السياسية، هي عمل يقوم على دراسة منظومة السلطة البدائية، وكيف كانت القبائل الأولى على مستوى هيكلة السلطة، إضافة إلى دراسة مكانيزمات السلطة، في علاقتها  بمجموعة بشرية معينة ".

 

وسجل الدكتور المعزوز أنه لم يكتب الشيء الكثير في  الأنثروبولوجيا السياسية، كما أنه ليس هناك تخصص دقيق في هذا الصنف من المعرفة في  العالم العربي، مبديا أسفه كون الجامعة المغربية، لا تتوفر على كرسي أو تخصص في علم الأنثروبولوجيا؛ كما تحسر على عدم وجود مدرسة مغربية في علم الانثروبولوجيا وكذا في علم الاجتماع، وأننا مازلنا حبيسي دراسات التي أنجزتها السوسيولوجيا الكولونيالية، لكنه أقر بأنه كانت هناك محاولات للدكتور عبد الكبير الخطيبي، رغم أنه لم يكتب لها النجاح .

 

وفي ردوده على تساؤلات تتعلق بالمدرسة العقلانية في الفكر الفلسفي العربي من خلال مؤلفات الفيلسوف المغربي الاندلسي ابن رشد، تحدث الدكتور محمد المعزوز بإسهاب وتعاطف كبير مع الفتوحات الفلسفية لابن رشد، معتبرا أن هذا القرطبي المراكشي، شكل علامة بارزة، ليس في الفكر الأندلسي والعربي فحسب، وإنما في الفكر الإنساني عموما، متوقفا عند  كتابه السجالي "تهافت التهافت" والذي به على كتاب "تهافت الفلاسفة" لابي حامد الغزالي .

وشدد الدكتور المعزوز على أن ابن رشد، قد رد الاعتبار للفلسفة، بعد أن كفر الغزالي الفلاسفة وأجاز قتلهم، مبرزا كيف تصدى له ابن رشد، وكيف شرح أن الفلسفة هي السبيل  للوصول إلى الإيمان، ومعرفة الله  من هذا المنظور .

 وأشار الدكتور المعزوز إلى أن الإنجاز العلمي الكبير للفيلسوف ابن رشد، هو الذي جعله يسيطر على ساحة الفكر  أوروبا لمدة أربعة قرون ، مشددا على ابن رشد  هو من عرف الغرب بالفكر اليوناني.

 

وفي جوابه عن سؤال حول خلفيات دعوته لمصالحة العقل والدين، ومن هو الدين المعني بهذه الدعوة، أوضح الدكتور المعزوز بأنه حينما يقول بالمصالحة، فأنه يستند على قاعدة ابن رشد، التي تدعو إلى أن الدين لا يعارض العقل، وأنه بذلك يريد أن يدحض ادعاء بعض الذين يحكمون على الدين، من خلال ظاهرة التطرف العنيف، وكذا الاصوات الاخرى التي ترى بأن الدين يدخل ضمن التقليد، معتبرا بأن ذلك خطأ، وأنه يجب النظر إلى الدين بالعقل .

 

وردا على سؤال يتعلق بكتابه "الجمال: مدخل إلى الإلهيات والطبيعيات"، اعتبر الباحث المغربي محمد المعزوز أن هذا العمل جاء جوابا على البعض الذي يقول  بأن العرب لم يعرفوا نظرية في علم الجمال، حيث اشتغل على الموضوع، ورجع إلى قراءة العديد من أمهات الكتب، من بينها كتاب "الموسيقى" للفارابي، الذي وظف علاقة الموسيقى بالنفس والتذوق والجمال، وكيف قعد الموسيقى، وصنف الموسيقى كأساس جمالي، إضافة إلى  كتاب "الإشارات والتنبيهات" لابن سينا، الذي قال عنه بأنه كتاب سبق الكثيرين، إذ تحدث فيه ابن سينا عن القوة التخيلية، والقوة الإبداعية، وتحدث عن رسم العقل البشري، مسجلا أن هذه كلها مقومات وعناصر، تصلح لتكون نظرية للجمال.

وفي نفس السياق، أشار الدكتور المعزوز إلى ما كتبه الكندي عن الموسيقى، شارحا كيف أن هذا الفيلسوف، هو الذي تحدث عن النوطة الرابعة في العود، وهو الذي اكتشف آلة القانون الموسيقية.

 

وخلص إلى أن الهدف من هذا العمل في كتابه المذكور، هو تأصيل النظرية العربية في علم الجمال".