ألو فيصل العرايشي.. رجاء افتح "صَنْدُوقَ لَعْجَبْ" في وجه "اَلتْبَوْرِيدَةْ"

ألو فيصل العرايشي.. رجاء افتح "صَنْدُوقَ لَعْجَبْ" في وجه "اَلتْبَوْرِيدَةْ" فيصل العرايشي يحرم المغاربة من مشاهدة فنون التبوريدة بالتلفزة المغربية

كعادتهم، دفن القائمون على شأن التلفزة المغربية رؤوسهم في الرمال، ووضعوا أصابعهم داخل محاجر آذانهم حتى لا يسمعوا الدوي الهائل لـ "مْكَاحَلْ" البارود الذي زلزل العالم بأسره بعد إعلان منظمة اليونيسكو يوم 16 دجنبر 2021، من العاصمة الفرنسية باريس، عن توثيق وتسجيل فن التبوريدة ضمن قائمة التراث غير المادي.

 

قنوات عالمية تسابقت في مضمار البحث عن تسجيل سبق صحفي توثق من خلاله هذا المنجز العظيم، وتبحث عن مصادر ذات الصلة بالموروث الثقافي الشعبي في تراث رياضة وفن التبوريدة لتنوير الرأي العام العربي والمغاربي والعالمي، وتفكيك هذا المخزون من الكنوز التراثية الشعبية المتجذرة في التاريخ الإنساني والحضارة المغربية. في حين لم يخصص التلفزيون المغربي للحدث العالمي ما كان يجدر به من اهتمام ومواكبة وتتبع.

 

لا ننكر أن هناك بعض الإشارات للحدث هنا وهناك، لكن للأسف الشديد لم ترق تلك الإطلالات الباهتة والمحتشمة إلى المستوى المطلوب وانتظارات الشعب المغربي، والمراقبين والمهتمين بطقوس وعادات ركوب الخيل والتبوريدة المغربية. وكأن مسلسلات "الكيلو" التافهة، أفضل مما حققه الوطن من حماية لتراثه اللامادي.

 

ألم يكن من الأليق والأجدر بمن يسهر على برمجة فقرات التلفزة، أن يلغي سهرة السبت مثلا، أو بعض البرامج التافهة خلال الأسبوع المنصرم، ويخصصها لاستضافة مختصين وباحثين وممارسين وصناع وحرفيين تقليديين وفعاليات جمعوية ذات الصلة بتربية وركوب الخيل وتنظيم المهرجانات للغوص في هذا التراث اللامادي الذي تحدثت عنها الركبان؟

 

فعلا وبدون مواربة، ينطبق عليكم المثل القائل (كم من حاجة قضيناها بتركها) أو مثل (فاقد الشيء لا يعطيه).

 

بالله عليكم، كيف نسي القائمون على برامج التلفزة المغربية أن هناك أرشيفا رائعا وموادا تلفزيونية وأفلاما وثائقية جميلة، خصصت سابقا لفنون التبوريدة وتم توثيقها سواء في دار السلام بالرباط (جائزة الحسن الثاني)، أو بصالون الفرس بالجديدة (جائزة محمد السادس) أو التي كانت كاميرات التلفزة قد وثقتها خلال المواسم الكبرى (مولاي عبد الله نموذجا) أو بالمهرجانات الوطنية (على سبيل المثال مهرجان روابط بالرحامنة أو مهرجان أصيل بالمهارزة..) والتي كان من الأجدر إعادة برمجتها طيلة الأسبوع للتذكير بكل المجهودات الجبارة التي تقوم بها المؤسسات والجمعيات ذات الصلة؟

 

شكرا لقناة الجزيرة العربية التي قطعت آلاف الكيلومترات بتقنية "السّكَايْبْ" لتربط الاتصال بقبيلة احمر بإقليم اليوسفية، مهد الإنسان القديم (إنسان إيغود)، وتحط الرحال بالمجال الجغرافي الذي احتضن مدرسة الأمراء لتعليم الرماية وركوب الخيل على الطريقة الناصرية، ويقوم طاقهما الصحفي بوخز مؤخرة الجاثمين على صدر "القطب الإعلامي" المغربي، حيث سجلت سبقا صحفيا من أجل تنوير الرأي العام الدولي والعربي والمغاربي بخصوص فنون التبوريدة المغربية.

 

ألا يستحق جنود فن التبوريدة، ومكوناتها البشرية من فرسان، وفارسات، وعَمَّارَةْ، ومربوا الخيول، والصناع والحرفيين التقليدين الذين برعوا في صناعة منتوجات الخيل والبارود ومستلزمات ممارسة طقوسها وعاداتها، أن يحضوا، ولو بلحظة مرور في تلفزتهم الوطنية التي تسخر لها الملايير من ضرائب المواطن المغربي. ليعبروا بدورهم عن فرحتهم وسعادتهم بهذا المنجز التاريخي الرائع والذي تم تحصينه من السرقة والقرصنة؟

هل يجهل المتربعون على كرسي المسؤولية بالتلفزة المغربية أن هناك مؤسسات وفيدراليات وجمعيات اشتغلت منذ سنين طويلة على الديبلوماسية التراثية والثقافة الشعبية، في غياب الدعم والمواكبة والاهتمام بحصيلتها المشرفة على مستوى تطوير فن التبوريدة، وعانت كثيرا من أجل الوصول لهذه اللحظة المشرقة من تاريخ وحضارة المغرب؟ تلك المكونات التي أبانت عن علو كعبها ميدانيا بمعية المختصين والممارسين والعشاق لتراثهم في مجال الفروسية وركوب الخيل، الذين يعرفون تفاصيل الملف وباستطاعتهم أن يمرروا رسائل قوية لتنوير المغاربة وتحسيسهم بأهمية التراث اللامادي المغربي؟

 

هل تعلمون أنكم تبخسون عمل الناس، وتهينون الوطن، وتجرحون كبرياء شعب التبوريدة المتيم بالخيل والبارود؟

 

ماذا قدم تلفزيوننا الغبي، لـ "اَلْبَّارْدِيَّةْ مْوَالِينْ اَلْخَيْلْ"، وللفارسات والفرسان الذين سخروا الغالي والنفيس في زمن الجائحة للمحافظة على كنوز التبوريدة، وضمان استمرار هذا المكون التراثي العظيم، بمختلف نسيجه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتنموي؟

 

للأسف الشديد، أقول لكم، لقد فاتكم قطار "التبوريدة" وسبقتكم خيول المغرب في محارك "سنابك البارود" لأنكم تشتغلون على التفاهة ولا شيء غير التفاهة، وتتسابقون نحو ريع برامج فاشلة لا تغني ولا تسمن من جوع. وبصريح العبارة فأنتم لا يهمكم ما يحقق المغرب في ساحة الديبلوماسية الثقافية والتراثية كونيا بقيادة ملك البلاد، لأنكم ببساطة تجهلون تاريخ المغرب في زمن قرصنة تراثه وثقافته الشعبية وطقوسه وعاداته الجميلة.

 

شكرا لجمعيات المجتمع المدني والقطاعات الحكومية ذات الصلة بثقافة الخيل والبارود، شكرا للشركة المغربية لتشجيع الفرس، والشكر موصول للجامعة المغربية للفروسية. مع تحية خاصة لإدارة دار السلام وصالون الفرس، كل الاحترام والتقدير لِلْعَلَّامَةْ، وللفارسات والفرسان، وتحية عالية لـ "اَلْعَمَّارَةْ"، وشكرا لمربي الخيول البربرية والعربية الماسكين بقبضة اليد على الجمر. طبعا تحية إكبار لعموم الصناع والحرفيين التقليديين الذين يتفننون في حرفهم المرتبطة بالخيل والبارود.