عتيقة الموساوي: المرونة الحضرية مطلب لخلق الثروة المحلية للمدن

عتيقة الموساوي: المرونة الحضرية مطلب لخلق الثروة المحلية للمدن عتيقة الموساوي
خلص خبراء التنمية الترابية المجالية إلى أن العديد من المدن تفتقر إلى النمو اللازم للنهوض بها، مما يجعلها بعيدة عن الإنتاج وخلق الثروة، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك في تصنيف المدن المستقلة والتابعة..
فهل الأمر يتعلق فقط بضعف المخططات الحضرية والتنظيم العمراني أم أنها تفتقر إلى القدرة والإمكانيات المادية والبشرية والموارد اللازمة للقيام برسم محدداتها وإمكانياتها الذاتية، أو لبطء التنسيق بين الإدارات /الوزارات ووضع أسس السياسات المتضاربة، مما يفضي إلى نتائج إعاقة قدرة عملية التحضر بمدن دون أخرى.
إذا أخذنا سلفا بفرضية الاستراتيجيات المكانية الكبرى للتخطيط، وصلتها بالقطاعات الاقتصادية، فإنها تعمل في اتجاه توفير المستويات المحفزة لأجل زيادة الممارسات المستدامة بالمدن حسب الخصوصية وطابع الموارد.. لكن قد تصطدم البنيات التحتية بالقدرات الضعيفة للبلديات في إعداد برامجها أو في الحصول على التمويل الكافي لها، فتجد نفسها أمام تحديات المواجهة بما يعزز القدرة على النمو والتوجيه السليم لسياسات الحضر، وهو ما يعني ضعف مرونة المناطق.
وهو المصطلح الذي تبناه تقرير البنك الدولي للأمم المتحدة بشأن المستوطنات البشرية "الموئل" سنة 2017 بما يفيد تحدي الابتكار لتوفير قدر أكبر من التمويل للمجالات، وحسب خبرتي العملية لسنوات طويلة بالمجالات الحضرية الإقليمية-فالطبيعة لها ما يكفي لإنتاج نمو طبيعي يتطلب فقط قدرا من المرونة الحضرية، فمنفولوجية المدن تتميز بتميز التاريخ من جهة والجغرافية من جهة أخر ى، ولا ينقص هذه الموارد إلا التخطيط المجالي السليم.. والعنصر البشري الكفء لخلق مدن في مستوى التطلعات.. فصحيح، المدن ليست مجرد رسم خطوط طرق وشبكات.. حتى وإن كانت هي أساس البنى التحتية للمدن.. وإنما هي بناء الناس وخلق الحيوية، وفي غياب مرونة المناطق قد تضعف البرامج وتفقد التخطيط وهدف الإنتاجية.
والحال هنا واقع، لا تختلف مدننا عن المدن الآخذة في النمو في العالم من حيث تشابه السياسات، فإن كان الانفتاح على الاستثمار هو المحرك لأي تطور تنموي، فهو قاطرة نحو تشجيع الطاقة المحلية وتحسين السياسات وطرق التسيير بما يجلب ثقة المستثمرين والقطاع الخاص، لكن حين تغلب ضبابية التسيير، والتلاوين السياسية، وتفتقر للحكامة الجيدة والتدبير المحكم، تفتقد للقدرات المؤسساتية بضعف التخطيط الإيجابي بما يرفع من تكاليف مشاريع التهيئة، وربما إهدار المال العام، وقد لا يشعر المستثمرون بالثقة والأمان.
فقدرات البلديات تختلف في التمويل، وفي أحيان كثيرة، تحتاج للتغلب على النقص في توفير استشارية الخدمات بما يزيد من جاذبية المستثمرين لتمويل المشاريع ووضع تصورات مهيكلة قابلة للتنفيذ.
والحقيقة، أن الإدارة المركزية الممثلة في الوزارات المعنية، لا يمكنها أن تكون المعالج لكل العقبات من تلقاء نفسها على الدوام، بل يمكن للبلديات الحضرية خلق بيئة للسياسات المحلية المرنة وأن ترفع من قدرة التسيير لديها، فتحقيق نمو المدن يحتاج إلى إدارة منفتحة للتسيير وإلى قيادات نظيفة غير فاسدة، تعمل بكفاءة ولها خطط واقعية ومدروسة محددة لخلق المشاريع المدرة للدخل والقضاء على الهشاشة والفقر والبطالة..، فتوسعة المدن تنعكس إما سلبا أو إيجابا على مسار المنحنى التصاعدي للسكان بما يحقق فرص الاستثمار، ويخلق الرواج، ويربط الناس بالوظائف والأسواق.. وإلى إنتاج الوحدات السكنية لامتصاص النمو السكني.. والربط بين المدن.
في تقديري، إنها واحدة من الأفكار التي تقود المدن نحو التأهيل ورسم مستقبل تنموي يتميز بالصمود واستغلال الموارد بشكل جيد. فتسريع نمو المدن ليس بالمنعرجات والأرصفة، بل بتعبيد لأفكار الابتكار وتدليل الصعوبات والحواجز والتحديات.. أو بالمختصر تطبيق مرونة الحضر.. و"العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة من السوق"، وسوق المدن واسع للنمو الشامل باستراتيجيات التخطيط للمتطلبات، فلا نهوض ولا ثروة بدون خلق فرص للإنتاج والعمل، ولا إنتاج بدون مرونة الاستثمار ودعم للتوجهات الحكومية، لأجل الاستدامة للمدن المغربية على المدى الطويل.
 
عتيقة الموساوي، كاتبة مختصة، مهتمة بشؤون السكنى والسكن الاجتماعي - مكلفة بمهمة بمديرية الشؤون القانونية. بقطاع الإسكان وسياسة المدينة