محمد صلحيوي: أربعينية الفقيد محمد نوبير الأموي ومعركة المعنى...

محمد صلحيوي: أربعينية الفقيد محمد نوبير الأموي ومعركة المعنى... محمد صلحيوي
1- من  العقلية المركزية إلى عقلية الوطنية الجامعة. 
2- من مركزية الطبقة إلى مركزية الحركة الإجتماعية. 
3- من إسقاط المعنى إلى استيعاب المعنى. 
عبارتان مفتاحيتان مؤطرتان لأربعينية الفقيد محمد نوبير الأموي التي نظمتها الكدش يوم السبت27-11-2021،ومحددتان في نفس الآن رؤية الحزب الإشتراكي الموحد، لما سمته الأمينة العامة نبيلة منيب "بالمعنى" الذي حملته الحركة الجماهيرية وفضاءها الشعبي النضالي، من خلال مسيرتها ومنعرجاتها، للقائد النقابي/السياسي، وللتنظيم النقابي/السياسي سابقاً. ولتكون المهمة التاريخية الراهنة للمستويين: الإمساك و الإدراك والترهين النظري لذلك"المعنى" حتى يحصل ما سماه أنطونيو غرامشي بالوعي الطابق.

-العبارة الأولى:
"فهاهي ذي روح  الفقيد المناضل الفذ، والقائد النقابي  الصلب، الأستاذ محمد نوبير الأموي الكاتب العام السابق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، تأبي إلا أن تستمر في جمعنا - مرة أخرى- تحت سقف هذه القاعة."
-العبارة الثانية:
"ما أحوجناإلى حركة نقابية مترجمة  ميدانياً لمعنى العدالة   الاجتماعية والمجالية و المناطقية، ولوطنية حاضنة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي  وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه."  
 
1- بخصوص العبارة الأولى....
أن تفتتح الدكتورة نبيلة منيب، باعتبارها قائدة سياسية،وبدورها اليساري البارز وبإشعاعها الوطني، كلمة الحزب الإشتراكي ألموحد التأبينية بهذه العبارة، وفي سياق أقل مايقال عنه، أنه سياق"أزمة العلاقة" لقوى اليسار؛ بتأكيد استمرارية محمد نوبير الأموي في جمع اليسار،وفي هذه المرة، يجمعه بغيابه الحاضر، وهو قد رحل عن هذا العالم؛وبأفق جديد يعطي"المعنى" لتعاقد ديموقراطي بين الدولة والمجتمع، جواباً على"انكسار"الثقة و تأسيساً للتغيير الشامل. 
لقد حرصت الأمينة العامة،على تذكير الجميع بدور الكدش خلال أواخر الثمانينيات،وهي"المارد النقابي" بلغة الشهيد عبد السلام المودن، الذي أخرج الشعب المغربي من الوضعية العصيبة بعد القمع الرهيب لانتفاضة 1984؛بإعلانهاقرار الإضراب العام يوم  24أبريل 1990 والذي أجلته الكدش،لما رأت مؤشرات عمل نقابي تنسيقي، ونفذته يوم14 دجمبر1990. 
إن ذلك القرار قد أعطى "للنضال" المعنى الذي تطلبته تلك الظرفية.  (وقد أشارت كلمة المكتب التنفيذي للفكرة).
والمعروف للجميع عدم قدرة بعض الأحزاب على استيعاب المعنى الكدشي، مادفع الشهيد عبد السلام المودن ليعنون مقالة له (بين ماض بائد ومستقبل مشرق) منها:

"هذا النهوض السياسي التاريخي، يمكنه أن يتطور وينمو الى أن يحقق أهدافه، كما يمكنه أن يرتد ويتلاشى ويجهض. في رأيي، هناك نظريتان سياسيتان، يمكنهما أن تقودا الى الارتداد والتراجع. 
النظرة الماضوية، من طبيعتها أنها تقرأ ميزان القوى بعين الماضي (...) وهي لذلك لا تدرك التحول النوعي الحاصل فيه. (...) وسلاحها هو الواقعية الزائفة والتبرير. 
النظرة المتدبدبة، ومن طبيعتها أنها في البداية تتموقع في الموقع الصائب وتتبنى المواقف السياسية السديدة وتنخرط في النضال بهمة وحماس واندفاع الا أن مواقفها غير راسخة، وغير نهائية، وبالتالي هي قابلة للتقلبوالتذبذب" (جريدة أنوال عدد 836). 
إن النظرة الثاقبة التي قرأ بها عبد السلام المودن المواقف المكبلة للمعنى الكدشي وللنضال النقابي المرتبط بهموم الشعب، ومن طرف قوة شكلت -آنذاك- سقفاً سياسياً للكدش، هو"المعنى" الحاضر المطل برإسه في الظرفية الراهنة، وقد عرف النضال الشعبي تطوراً نوعياً،تقول الدكتوره نبيلة منيب:"ما أحوجنا اليوم لتطوير المعنى النضالي خصوصا وأن النضال الشعبي وفي مقدمته الحراك الشعبي بالريف، قد بلور درسا حقيقيا لطريق التغيير، وقيادته لازالت تقبع في السجون إلى جانب المعتقلين السياسيين  وصحافيين ومدونين.
ودرس الريف لم يستوعب بعد "وقد سبق للمؤرخ الدكتور إبراهيم ياسين (وهو من القيادات التاريخية لليسار المغربي)أن أكد، وبصيغة مكثفة وبدقة" في أعماق المجتمع،يصنع مستقبل المغرب،محرك المصنع القوى هو الحراك الشعبي بالريف، وشعاعه هم معتقلو الحراك"، كثيرون لم ينتبهوا لرؤية إبراهيم ياسين وهي التي أكدت سدادها مجريات الحركة الإجتماعية؛ فالمطلوب مسارياً هو الإستيعاب العميق لدرس لحراك أولاً، لأنه الحلقة المركزية في الدينامية الإجتماعية الجديدة، ومن ثم الإمساك بالمعنى ثانياً، فالحاجة إلى استعادة الكدش" جنونها" التسعيني باستيعاب درس الحراك، باعتبار ذلك،ضرورة لتجاوز حالة الدكننة النقابية كاحتمال. 
2- بخصوص العبارة الثانية:
" ما أحوجنا إلى حركة نقابية مترجمة  ميدانياً لمعنى العدالة الاجتماعية والمجالية والمناطقية، ولوطنية حاضنة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي  وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه."  
إن هذه العبارة الجامعة المانعة، تكثف وبشكل نظري دفيق أطروحة المستقبل المأمول للوطن؛ لنلاحظ أولاً إستعمال صيغة "الحركة النقابية"بالتعميم ليصبح الحديث موجهاً للحضور الكبير المتنوع نقابياً وسياسياً،ولنلاحظ ثانياً حضور"بتنوعه الثقافي َوبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه" وهي موجهة رأساً للمثقفين  والأكاديميين،الذين حضروا، وبشكل نوعي أربعينية الفقيد الأموي.
لكن السؤال هنا هو: ما المطلوب للسير في اتجاه هذه الوطنية الجامعة المتجددة؟
لم أجد لتقريب فكرة الجواب الذي تظمنته العبارة،أدق من مقالة الشهيد عبد السلام المودن والتي عنونها:"في الحاجة لتغيير الروح" 
[....] نعم اننا نعيش جميعا، في هذا الزمن الفوضوي حالة من الوعي الشقي. وشقاء وعينا يكمن، من جهة، في كون الحياة قد هزت قناعاتنا الفلسفية القديمة، وشككت في التصورات النظرية، التي طالما حملناها، عن الكون والتاريخ. ويكمن من جهة أخرى في استمرار تعلقنا بها، والخوف من القطيعة معها، نظرا لقوة وضغط العادة المترسخة فينا ... هذا التمزق الفكري، بين النزوع الثوري نحو وعي فلسفي جديد، لم يترسخ بعد، والنزوع المحافظ نحو الوعي الفلسفي القديم، الذي لم يستسلم بعد، هو الوعي الشقي. الوعي الشقي، اذن، هي الحالة التي يمر منها بالضرورة كل مناضل، وكل مثقف، يستنفره هوس التساؤل النقدي، والذي يدفع بتفكيره الى أقصى درجات توتره المنطقي، وليس المناضل المتشبت بقناعات راسخة مزعومة ... 
أمام هذا التمزق الدرامي ... ما العمل؟ 
التاريخ أعطانا نوعين من المواقف النموذجية: 
الموقف الأول: موقف هيجل 
لقد مات هيجل وهو يحمل معه الى قبره، وعيه الشقي، الذي لم يستطع أن يتحرر منه. ولهذا السبب نرى هيجل، في بعض كتبه، يدافع عن أطروحات ثورية تماما، و في كتب أخرى، يدافع عن أطروحات مناقضة تماما، ومحافظة تماما. هيجل هذا، المتناقض مع ذاته، المتردد، الوسطي في تفكيره، العاجز عن الحسم بشكل جذري ... لسنا في حاجة اليه 
الموقف الثاني: موقف القائد العسكري المغربي الكبير طارق بن زياد 
لما ذهب طارق بن زياد لفتح لفتح الأندلس، اتخذ قرارا ثوريا حاسما: احراق سفن جنوده، لجعل كل تفكير يغري بالتراجع الى الوراء، يصبح أمرا مستحيلا ...
ما أحوجنا اليوم الى درس طارق: احراق كل مفاهيمنا الفلسفية القديمة، لجعل التقدم نحو بلورة وعي فلسفي مادي جدلي جديد، أمرا ضروري..".
لم تكن الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد،الدكتورة نبيلة منيب بصدد تقديم كلمة  فلسفية أوفكرية،كانت بالتأكيد بصدد تقديم كلمة سياسية، والخطاب السياسي في البدء و المنتهى تكثيف للتصور الفكري والفلسفي الذي ينطلق منه أي فاعل سياسي،ولأنها كذلك،فقد كان الهدف والغاية هو تقديم رؤية الحزب الإستيعابية  لتطور الحركة الإجتماعية،بعيداً عن أي إشتباك سياسي مع أي طرف ،بل، للتشديد على أن"الما أحوجنا" إلى شركاء مستعدون لإعمال"العقل الثقافي والسياسي النقدي" لمفاهيم وأفكاروممارسات لدى "نخب"سياسية وفكرية، أكد المخاض المجتمعي إختزاليتها وتبسيطيتها، بل ورفضها  لقضايا من قبيل:
- دور الحركة الإجتماعية في التغيير:مؤسسة أوتابعة. 
- معنى العدالة الاجتماعية. 
- معنى العدالة الجهوية(المجالية). 
- معنى العدالة المناطقية. 
- معنى الوطن والوطنية. 
-معنى تاريخ الوطن بعقل الشمولية
-معنى المصالحة مع الريف ومع كل الجهات المهمشة . 
-معنى المكانة الوطنية الخطابي وباقي رموز الوطن. 
بهذا المعنى، فالتقدم في اتجاه التغيير،يلزمنا بالقطيعة الفكرية والعملية مع السقوف الفكرية والأدائية المكبلة إن تخلص قوى التغيير من التصورات الأحادية لسرديات التاريخ والذاكرة، والإنتقال إلى  السردية الجامعة الملحمة، تفرض تلك القطيعة. يورد المؤرخ المصطفى بوعزيز في كتابه" الَوطنيون المغاربة في القرن العشرين،تصور جاك لوكوف حول موضوع الذاكرة،ج2صفحة 103،جاء فيه""الذاكرة هي المادة الخام للتاريخ، فكيف ما كانت عقلية أو شفوية أو مكتوبة، فهي الحوض الذي يغرف منه المؤرخون. ولكون عملها بالضبط عملاً لا واعياً، فهي معرضة بشكل خطير للتحوير والإسندراج والتشويه من لدن الزمن والمجتمعات المفكرة، أكثر مما يتعرض له التاريخ نفسه[كنشاط علمي]. يغذي هذا النشاط بدوره الذاكرة، ويدخل في السيرورة الجدية  الكبرى للتذكر والنسيان التي يعيشها الأفراد والمجتمعات، فعلى المؤرخ أن يتواجد هنا ليحيط علماً بهذه الذكريات وهذه المنسيات، ويحولها كلها إلى مادة فكرية ليصنع منها موضوع معرفة. إن تفضيل الذاكرة [على التاريخ] هو بمثابة الإرتماء في السيل الجارف للزمن. ج  2"ص:103.
من المعروف أن الذاكرة الجماعية والحقيقة التاريخية،مجالان لا يتطابقان أبداً،لذلك،يكون أفق التملك للذاكرة الوطنية الجامعة في شموليتها،ومعالجة شروحها، بالمصالحة مع الماضي المناطقي هو أساس تجديد الوطنية المغربية؛ولأن المسألة ليست مسإلة قرار،لأن الإقصاء والتهميش عتاد ذهني، الذي"يتشكل" في المدى الطويل،أي، على مستوى العقلية،واعتمد المؤرخ المصطفى بوعزيز تعريف جاك لوكوف"للتشكل" وفي نفس الكتاب كما يلي:"بلور جاك لوكوف مفهوم التشكل بالتعارض مع مفهوم الأصول(les origines) ليؤطر به مقارباته التاريخية،وإن كان المعني بالأمر لم ينعت التشكل بنظرية،إلا أنه يملك ملامحها لأنه أوسع من مفهوم، ذلك أنه يعتمد في تأسيسه على عدة مفاهيم أخرى. "" 
الكتاب ج2 صفحة 403.
ويواصل المصطفى بوعزيز،بتأكيد إنطلاق جاك لوكوف من "التشكيل" لتعريف مفهوم "العقلية" كما يلي:
"يغرف لوكوف من الأنتروبولوجيا والسوسيولوجياأيضاً، ما يمكنه من مقاربة هذه الوحدة التي تبدو ثابتة، لكونها تتغير ببطئ شديد، والتي لا يمكن الإحاطة بها إلا في المدى الطويل، أي العقلية(la mentalité) ،فهي بنية المؤرخ.
في دراسة مطولة نشرها الباحث ضمن الثلاثية المخصصة "لعمل التاريخ" يحلل مقاصد وإشكاليات تاريخ "العقليات" ويحذر من الخلط الذي قد يحصل مع" تاريخ الفكر" أو"التاريخ الثقافي" بالمفهوم الأدبي لمصطلح ثقافة. يركز في هذا الصدد على الحمولة الرمزية وعلى هذا"اللاوعي الذي يجعله الأنتروبولوجي هدفه الرئيس.،والذي يعتبره المؤرخ حصيلة تاريخية تشكلت في المدى الطويل، أي كان لها ماقبلها وما بعدها، صحيح أنها تبدو شبه قارة مقارنة مع الزمن السياسي والزمن الإقتصادي٠، إلا أنها مع ذلك نتاج لتغير في الزمن التاريخي.=ج2 
صفحة 112من الكتاب) .
يمكن القول،وارتباطاً بكلمة الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد في أربعينية الفقيد محمد نوبير الأموي،أن تصور جاك لوكوب،يقع في قلب التحدي الذي تواجهه قوى اليسار المغربي وعموم الديموقراطيين،تحدي القطيعة مع عتاد ومعتاد(بلغة بيير بورديو) العقلية التي كبلتها/كبلتهم وورثت نخبهاعطب"السهو"الطويل والمزمن والذي تحول إلى توجس وحذر دائم، بل رفض ممنهج لكل ما يأتي من خارجها، أي رفض كل تطور من خارج سرديتها، أي من المغرب العميق. 
3-في الخلاصات... 
نافلة القول،أن تستدعى القائدة السياسية و الأمينة العامة للحزب الإشتراكي ألموحد ،الرفيقة نبيلة منيب للتحدث في أربعينية الفقيد محمد نوبير الأموي،المرتبط في مسيرته بالكدش"تأسيساً ومساراً" كما قالت الأمينة العامة؛معناه حاجة هذا البيت النقابي المناضل لمعرفة قراءة حزب أكدت تجربة "النضال الديموقراطي الشرعي و السلمي الحضاري"أنه متميز باستقلاليته وفاعليته وجرأته السياسيه، في التفكير و الممارسة النضالية. 
-وذلك ما طرحته الإمينة العامة لفظاً وجوهراً؛وبالتأكيد،كان من بين الحضور من انتبه لوجود مواقف تاريخية وراء كلمات نبيلة منيب،مثل تحويل جريدة أنوال إلى ناطقة باسم الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية،وبقدر من "المغامرة"بعد الإضراب الوطني 20جوان1981واعتقال القيادة النقابية والحربية وضمنها محمد نوبير الأموي،وأيضاً محاكمة مدير النشر لجريدة أنوال، الفقيد الحسين گوار إلى جانب محاكمة الفقيد الأموي،إلى جانب من ذكرته كلمة الأمينة العامة بالشراكة النضالية لأجيال من المناضلين في مواجهة لهيب سنوات الجمر والرصاص.
-كل ماسبق، تركته الكلمة للإستدعاء من طرف الحضور للأوبعينية، لتخصص الحيز الزمني المتاح، لطرح مايمكن تسميته "بماهية" الحزب الإشتراكي ألموحد الشعبية وبمشروعه المستوعب لدروس الحركة بحراكها الشعبي ودينامياتها. 
-ضرورة تجديد العقلية للقطيعة مع عقليةثنائية" الإنفراج أوالإنفجار" المترجمة كسلوك سياسي بالشعبوية، وبالقطيعة أيضاً مع  عقلية"التعالي"على الشعب بسلوك تقديم النصح والترشيد  للنضال الشعبي بحجة عفويته وحاجته لتأطيرها. 
-وبكلمة جامعة:قدمت الأمينة العامة الجواب الحزبي على سـؤال كيف يمكن تحويل مطالب حراك مناطقي أو جهوي أو محلي إلى إستراتيجية وطنية فكراً وممارسة سياسية. 
-وبالنتيجة جواب بمضمون دعوة كل الفرقاء إلى الخروج من جبة الماضي المكبل فكرياً،إن كانت لهم إرادة عدم التواجد من أجل البقاء فقط...