عزيز لعويسي: برنامج محو الأمية بالمساجد .. ذراع الدولة في مجال مكافحة آفة الأمية

عزيز لعويسي: برنامج محو الأمية بالمساجد .. ذراع الدولة في مجال مكافحة آفة الأمية عزيز لعويسي
دعما لما وصفته لجهود التدبير الإداري والتأطير التربوي الرامية إلى دعم برنامج محو الأمية بالمساجد وبواسطة التلفاز، نشرت مديرية  التعليم العتيق ومحو الأمية بالمساجد على الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف والشــؤون الإسلامية، الدفعة الثانية من وثائق تنظيمية وتربوية  موازية لدعم جهود الارتقاء ببرنامج محو الأمية بالمساجد وبواسطة التلفاز والإنترنيت برسم  الموسم الدراسي 2021-2022، عبارة عن "دليل التعليم عن بعد" (المستويات الأول والثاني) و"دليل الوظائف والمساطر والكفاءات بالبرنامج" و"دليل منهجية البحث التربوي"، إضافة إلى"القواعد في القراءة السليمة للقرآن الكريم"، وهي  وثائق، تدعم ليس فقط  ما يتأسس عليه البرنامج من  مرجعيات ووثائق  تنظيمية وتربوية، بل وتشكل مرآة عاكسة  لما يبدل من مجهودات متعددة الزوايا، تروم تطوير البرنامج  والارتقاء به، ضمانا لاستمراريته وديمومته، بعد مضي ما يزيد عن العقدين  من الزمن على تنزيله.
 
برنامج تنفذه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بناء على تعليمات سامية لجلالة الملك محمد السادس، في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 47 لثورة الملك والشعب لسنة 2000، وذلك "بفتح مساجد المملكة في وجه عموم المواطنات والمواطنين الراغبين في محو أميتهم الأبجدية والدينية والوطنية والصحية وفق برنامج محكم مضبوط يواكب التطور والمستجدات"، وعلى امتداد العقدين من الزمن، استطاع هذا البرنامج الحيوي والاستراتيجي، البقاء والصمود إلى اليوم، بل ونجح الساهرون عليه، في تهيئة شروط الاستمرارية والتحول المستدام، عبر الرهان على أدوات التغيير والتحديث والتطوير، بدليل أن البرنامج  تجاوز وبجرأة وتبصر حدود الفضاءات المسجدية، وانفتح على التلفاز والإنترنيت، بل وتكيف وبسرعة على غرار منظومات التربية والتكوين عبر العالم، مع المتغيرات المرتبطة بالأزمة الوبائية القائمة، ونجح في ضمان "الاستمرارية البيداغوجية" خلال فترة الحجر الصحي، برهانه على آلية "التعليم عن بعد" تأمينا لحق المستفيدات والمستفيدين في التعلم، في ظل هذه الوضعية الوبائية غير المسبوقة.
 
ولم تتوقف عجلة البرنامج والساهرين على أجرأته وتنزيله، عند حدود إتاحة الدروس عبر التلفاز والأنترنيت، بل وتحركت وتتحرك بما يلزم من الجرأة والشجاعة، لتساير وتنسجم مع مختلف المتغيرات الوطنية، ذات الصلة بالأساس، بالأوراش المهيكلة لمنظومة التربية والتكويـن والبحث العلمي، وميثاق اللاتمركز الإداري والنموذج التنموي الجديد، وفي هذا الإطار، بادرت الوزارة الوصية على القطاع  - بتعاون مع مندوبيات الشؤون الإسلامية، وبمشاركة أطرها التربوية والخبراء والباحثين المتعاونين معها - بادرت إلى إعداد "رؤية لوضع المخططات المديرية الجهوية المندمجة للارتقاء ببرنامج محو الأميـة بالمساجد وبواسطة التلفاز في إطار النموذج التنموي الجديد"، وهذه المخططات عبارة عن "خطة تشاركية شاملة ومندمجة لوضع لوحة قيادة، بغاية الارتقاء بمجالات تدبير برنامج محو الأمية بالمساجد وبواسطة التلفاز والإنترنيت، تنفيذا لأحكام القانون المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي"، وانسجاما تاما مع "أهداف وطموحات النموذج التنموي الجديد، وكذا المرجعيات الخاصة بتعزيز التنمية الجهوية ودعم اللاتمركز الإداري،  وما تقتضيه  استراتيجية  الوزارة  للإسهام في القضاء على آفة الأمية بالمغرب"، وتروم هذه المخططات المديرية الجهوية المندمجة، إدراك وبلوغ الغايات التالية :
 
-  الارتقاء بالبرنامج في إطار النموذج التنموي الجديد؛
  -  تعزيز التدبير الجهوي للبرنامج  بتنزيل مقتضيات  ميثاق اللاتمركز الإداري في إطار الجهوية المتقدمة؛
  -  تعزيز آليات حكامة التدبير بالبرنامج بتنزيل مقتضيات ميثاق المرافق العمومية؛    
 -  الارتقاء بالسياسة  الأندراغوجية والبيداغوجية  للبرنامج  بتنفيذ  أحكام  القانون الإطار 51,17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي؛ 
 -  تنمية كفاءات الموارد البشرية  بغرض الانخراط الاجتماعي والاقتصادي  والإسهام في التنمية المستدامة ببلادنا، وبناء المجتمع المغربي القارئ المتعلم، المنفتح على العلوم والمعرفة والتكنولوجيا؛
- الرقي بالبرنامج لفتح آفاق تعليمية وتأهيلية متنوعة (التدرج المهني والانخراط في مسار التعلم النظامي والتكوين في مشروع التعلم مدى الحياة)...  
 
ودون أن نتيه بين الأهداف الفرعية والخصائص، أو ننخرط في رصد منهجية مراحل الإعداد والتنفيذ والمتابعة والتقويم، أو نسهب في النقاش بخصوص لجان الإعداد، أو حتى النبش في تفاصيل التكلفة المالية لهذه المخططات الطموحة، فما هو باد للعيان، أن البرنامج له شأنه ومكانته في ظل النموذج التنموي الجديد، بل وتدخل أهدافه ومقاصده في صلب هذا النموذج التنموي الجديد، لارتباطاته الوثيقة بخدمة التنمية البشرية، عبر الإسهام في بناء مجتمع مغربي قارئ متعلم، منفتح على العلوم والمعرفة وأدوات التكنولوجيا، بل وبات البرنامج آلية رديفة لتحقيق النهضة التربوية المنشودة، التي لايمكن البتة إدراكها، في ظل تفشي جائحة الأمية، التي لازالت تحاصر العديد من المواطنات والمواطنين المغاربة، وتمنعهم من فرص الدخول في صلب معركة النماء الشامل، بل وتساهم في تموقع البلد في مراتب متأخرة عالميا على مستوى مؤشر التنمية البشرية.
 
لكن وبالمقابل، فإذا كان البرنامج قد نجح في الصمود والبقاء، وأفلح الساهرون عليه في التجديد والتكيف المستدام مع مختلف المتغيرات الوطنية وخاصة مع أهداف ومقاصد القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وغايات النموذج التنموي الجديد، إلا أنه تجاهل الرأسمال البشري الذي بدونه يبقى البرنامج فاقدا للروح والجاذبية إن لم نقل المصداقية، ونقصد هنا فئات عريضة من المؤطرين والمستشارين والمنسقين الذين يتحملون وزر الأجرأة والتنزيل في ظروف عملية تبقى "الهشاشة" سمتها البارزة، وهذا يضعنا كمتتبعين أمام تناقض صريح عصي على الفهم والإدراك،  فمن جهة، نتفاجأ بالعناية الكبرى التي حظي ويحظى بها البرنامج، والتي تبرز منذ الوهلة الأولى، من خلال ما يتأسس عليه من منهاج ووثائق تربوية ودلائل ووسائل وعدد بيداغوجية على جانب كبير من الحبكة والدقة والترابط والتجانس، ومن جهة ثانية، نصطدم بواقع حال القواعد التي تتحمل داخل الفضاءات المسجدية، مسؤولية التنفيذ والتنزيل، بكل ما يرتبط بذلك من جهد ومشقة وعناء.
 
ويكفي قولا أن المؤطرين المرابطين في مساجد المملكة عبر التراب الوطني، يتلقون "تعويضات" عن ساعات إضافية لا تتجاوز مبلغ ألفين درهما في الشهر من شهر أكتوبر إلى شهر يونيو، ويدخلون في عطالة حقيقية طيلة العطلة الصيفية، ويشتغلون في ظل وضعية "شغلية" يصعب إبراز هويتها القانونية، بشكل يجعلهم خارج أحكام قانون الوظيفة العمومية، وبمعزل عن مقتضيات مدونة الشغل، ولا يربطهم بالجهة المشغلة أي رابط قانوني حقيقي، إلا "التزام" يكبلهم بواجبات وشروط مجحفة، تجعلهم مهددين بجائحة "الإعفاء" أو "الاستغناء" في أية لحظة، إذا ما ارتأت الإدارة ذلك، وهذا الواقع المهني الصامت، يجعلهم محرومين كل الحرمان من أية حماية اجتماعية مشروعة، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية أو التقاعد أو التعويضات العائلية أوالتعويض عن فقدان الشغل، بشكل يجعلهم بين مطرقة الهشاشة وسنداد الوثائق التربوية الشاقة، وجها لوجه أمام شبح متربص عنوانه العريض "الإعفاء".
 
بلغة الحساب أو "الخشيبات" على الأصح، نفترض حالة "مؤطر" يعيل أسرة صغيرة أو يكتري غرفة أو بيتا متواضعا، تم إعفاؤه أو الاستغناء عن خدماته لسبب من الأسباب، أو حالة مؤطر توقفت تعويضاته خلال العطلة الصيفية وملزم بتسديد سومة الكراء وفاتورة الماء والكهرباء وتأمين القوت اليومي، أو حالة مؤطر تزوج مؤطرة من أجل التعاون وتحمل أعباء الحياة، وفجأة تم الاستغناء عن أحدهما أو هما معا، أو حالة مؤطر عاجز كل العجز عن الزواج وتأسيس أسرة، بالنظر إلى هشاشة وضعيته المادية والمعيشية، أو حالة مؤطر أصيب بمرض مزمن وهو خارج دائرة التغطية الصحية، أو تم الاستغناء عن خدماته بسبب وضعيته الصحية، أو حالة مؤطر غير محمي على المستوى الصحي والتقاعد وفقدان الشغل، هي حالات من ضمن أخرى، تعكس بما لايدع مجالا للشك، حجم الهشاشة التي تحيط بعمل المؤطرين، ودرجة المخاطر التي تتهددهم في الحركات والسكنات، ولا أحد يسمع أنينهم أو يحس بأوجاعهم أو ينتبه إلى واقع حالهم.
 
وعليه، فإذا كانت الوزارة الوصية على القطاع تراهن على مواكبة ومسايرة إيقاع النموذج التنموي الجديد، عبر الرهان على "المخططات المديرية الجهوية المندمجة للارتقاء ببرنامج محو الأميـة بالمساجد وبواسطة التلفاز"، فلا معنى لهذه المخططات، ولا قيمة لأية مقاصد إصلاحية، بدون الارتقاء بمستوى العنصر البشري الذي يعد حجر الزاوية في النموذج التنموي الجديد، وإذا كانت المصلحة الفضلى للمستفيد(ة)، هي التي تتحكم في فلسلفة البرنامج وتحرك مختلف آليات التفكير والإبداع والابتكار والتجديد والتحديث، فنرى أن مصلحة المستفيد (ة) من مصلحة المؤطر(ة)، لذلك، لامناص اليوم، من الانتباه إلى ما يعانيه الرأسمال البشري من هشاشة مقلقة، واستعجال تقديم "حلول مبتكرة" من شأنها تمتيع شريحة المؤطرين ومن يواكبهم ويشرف عليهم من مستشارين ومنسقين، بنظام قانوني منصف وعادل ومحفز، يقطع بشكل لارجعة فيه، مع واقع التواضع والضعف والهوان، فمن العيب أن تحضر الهشاشة في برنامج نبيل ونحن في زمن الحماية الاجتماعية وسياق النموذج التنموي الجديد، ومن المخجل أن نراهن على ديمومة برنامج حيوي واستراتيجي بموارد بشرية تلتحف الهشاشة وتفترش البؤس واليأس وانسداد الأفق، عسى أن يصل الصوت وتقرأ فحوى الرسالة، من أجل شغيلة، تستحق الاعتبار والكرامة والحماية في زمن الحماية ...