سرقة فنية موصوفة!!

سرقة فنية موصوفة!!

المخرج يعيش في الحي الغربي، يستيقظ على غناء العصافير وصوت إيديث بياف La vie en rose. يفتح ستار النافذة على حديقة ومسبح وأشجار وصمت ساحر. ينهض من الفراش يتكاسل، رمى الغطاء الذي يشبه وبر دب. يبوس قطته في فمها ويربّت على كلبه الهاسكي. يرطن بالفرنسية وهو يتحدث مع الخادمة السمراء، تحضر له الفطور: عصير برتقال وشرائح من المورتاديلا واللحم المدخن وأصناف متنوعة من القشدة والجبن الأبيض، وفنجان من الحليب وبن برازيلي. يملأ بطنه في انتظار أن يصل السائق ليطير به إلى موقع التصوير بالحي الشرقي، وتلتقط عدسته مشاهد البؤس، ويختلس صور الفقر، وعمارات عشوائية نبتت فوق المستنقعات والطحالب، ويتلصّص على بيوت أضيق من المرحاض الذي يتبوّل فيه.

 

المخرج الذي يقطن في الحي الغربي المحاذي للشريط الساحلي الأفعواني لم يتعود على رؤية مئذنة صومعة أو صوت مؤذن، يثيره هذا المشهد الغرائبي. جلبة الباعة الذين يقفون بحميرهم وبغالهم، أصوات النهيق تمتزج بالأصوات الآدمية لتسويق بضاعتهم. المخرج ينتظر هذه اللحظة، يعطي الإشارة:

 "silence, moteur, ça tourne... action"

 

يقتنص تلك اللقطات لتسويقها في فيلم تطغى عليه الركاكة والثرثرة والكليشيهات، السيناريو وجه شاحب بلا قلب ولا أقدام، كائن هلامي بلا شكل ولا أبعاد ولا لغة سينمائية. فالمخرج كان مشغولا عن السينما باختلاس الصور عن حي سفلي اشتهر بأنه من منابت الإرهاب، لذا كان يحشو السيناريو بحوار عجول، يقوم فيه بحياكة الصور وترصيف اللقطات وتوضيب المشاهد المتنافرة، كما ينشر غسيلاً بلا مساحيق!!

في الحقيقة لم يكن فيلما كان تهريبا لمشاهد من البؤس مع سبق الإصرار والترصّد وبحسّ فطري لفطنة "تاجر" كَمْ ستدر عليه من أموال من صناديق دعم مهرجانات غربية وفتات تلفزيونات أجنبية تهوى مشاهدة مغرب التطرف الديني، والشذوذ الجنسي، ومغرب الدعارة.

 

لا يهمّ الفيلم ولكن ما يمرّره الفيلم من صور خادعة وكاذبة لا تعكس الوجه الآخر لهذا الحي السفلي الذي لا يرى فيه المخرج الذي جاء من الحي الغربي إلا حيًاً لا تسكنه إلاّ الأفاعي والجرذان، في حين لا يرى تماسيح وغيلان وحيتان الحي الغربي.

 

شاهدت الفيلم ولم أغير نظرتي ومواقفي السابقة، المخرج تاجر بارع في عرض بضاعتنا في أفلام قبيحة يبيعها في أسواق نخاسة.