القائد اَلْعَرْبِي بَلْكُوشْ سليل أسرة عريقة تنتسب لعلي بن ناصر الحمري

القائد اَلْعَرْبِي بَلْكُوشْ سليل أسرة عريقة تنتسب لعلي بن ناصر الحمري المصطفى حمزة
في الجزء الأول من حوار جريدتي "الوطن الآن"و "أنفاس بريس" مع الأستاذ المصطفى حمزة بصفته متخصصا في التنقيب والبحث في التاريخ الجهوي والمحلي استوقفتنا شخصية القائد اَلْعَرْبِي بَلْكُوشْ، للنبش في ذاكرة المنطقة من خلال بعض الأسر القروية والتي كان لها دور مهم وأساسي في صناعة أحداث تاريخية. فمن هو القائد العربي؟ وما هي أهم المحطات في مساره التكويني والمهني و الوطني؟ وكيف كانت علاقته بالمراقبين المدنيين؟ 
 
++ بصفتكم أحد أساتذة البحث في التاريخ الجهوي والمحلي كيف يمكنكم رسم معالم شخصية القائد العربي بلكوش  ؟ 
 العربي بن محمد بن الحاج عبد الله الناصري الحمري بَلْكُوشْ ، الذي كان ينتمي إلى أسرة من أشهر بيوتات قبيلة أحمر، وأعرقها حضارة واتصالا بالمخزن ، والتي تنتسب إلى علي بن ناصر الحمري شيخ رماة عصره، من زاوية اَلْخَنُّوفَةْ ، ولد سنة 1292 / 1875 . 
توفي والده وهو ما زال صبيّا ، فتربى في كنف خاله سي عبد السلام بن الحاج عبد الله، وفي أثناء رحلة السلطان إلى الجنوب نزل بقصبة الاسماعيلية (الشّمَّاعِيَّةْ)، التي كان أنجاله الأمراء (مولاي حفيظ ومولاي الكبير)  ومرافقيهم من أبناء المحاسيب ، يتدربون فيها على الرماية وركوب الخيل تحت إشراف أهل زاوية الخنوفة حفدة الشيخ علي بن ناصر، ويأخذون مختلف العلوم على يد خيرة العلماء. من أمثال الأستاذ أحمد بم محمد السلمي المرادسي مؤرخ السلطان الحسن الأول، والطالب محمد بن محمد ابن سودة، والتهامي بن عبد القادر المراكشي المدعو بابن الحداد... 
 
++ كيف تقرأ مسار القائد العربي بلكوش على مستوى التحصيل العلمي؟
لما كان محمد بن الحاج عبد الله بَلْكُوشْ من خدام المخزن، فقد استفسر السلطان عن أولاده، فأخبر بأنه لم يترك إلا ولدا واحدا هو العربي، فأمر الفقيه الحاج المختار بن حميدة النواصري، بأن يصهر على تربية هذا الولد، وفعلا حفظ العربي القرآن وهو ابن خمس عشر سنة بروايتي المكي والبصري، ثم توجه عند خاله الفقيه الطاهر بن الحبيب الكدالي القاضي بناحية آسفي "السّاحل" ، وهناك درس مبادئ الفقه والنحو. لقد اكتسب العربي بن محمد تكوينا دينيّا، وتوفره على خبرة مهمة في المجال الحربي، إضافة إلى العلاقة القديمة  لأسرته بالمخزن، كلها عوامل ستعجل باختياره للعمل في المناصب المخزنية.  
هكذا بعدما رجع إلى زاوية الْخَنُّوفَةْ وعمل بالفلاحة، وتزوج من ابنة سِّي قاسم، سرعان ما وقع عليه الاختيار ليندرج في المناصب المخزنية، فعين شيخا مع القائد عيسى بن عمر العبدي، خلال الولاية الأولى لهذا الأخير على قبيلة أحمر ما بين 1907 و 1909 ، ثم اختير قائدا لحركة أهل أحمر المتجهة إلى تازة لمحاربة بُوحْمَارَةْ إلى جانب القائد قاسم بلقاضي. 
 
++ ما هو حدود مجاله الجغرافي وكم دامت فترة حكم القائد العربي بلكوش؟
لما دخل الفرنسيون إلى آسفي ألقى عليه القبض القائد أحمد ابن عيسى العبدي ثم أطلق سراحه، وبعد ذلك تولى منصب خليفة على شطر الزُّرَّةْ من قبيلة أحمر سنة 1916 م .  وفي سنة 1918 عين قائدا على الزُّرَّةْ الشمالية، مكان الخليفة بَنْ مْيَه، وفي 02 نونبر 1919، عند وفاة القائد قاسم، انتقلت قيادته (الزُّرَّةْ الجنوبية)، إلى القائد العربي وتلقى ظهيرا بذلك في 06 يونيو 1920 ، وأضيف له نصف أولاد يوسف عند عزل القائد إبراهيم ولد الحمري في 18 يونيو 1920.
امتدت فترة حكم القائد العربي بَلْكوُشْ على الزُّرَّةْ و جزء من أولاد يوسف قرابة 27 سنة ، وهي مدة استطاع خلالها أن يدير شأن أكبر قسم من قبيلة أحمر ( قسم الزُّرَّةْ الشمالية والجنوبية ونصف شطر أولاد يوسف ) ، يمتد على ثلثي مساحة البلاد البالغة آنذاك خمسة ( 5 ) آلاف كلم مربع ، ويضم أكبر عدد من اَلْمَشْيَخَاتْ (24 مشيخة) ، وأكبر عدد من الدواوير ( 290 دوارا ). وقد مكنتا مجموعة من الوثائق ، ومن الروايات الشفوية ، من تحديد مختلف الأجهزة التي كانت تساعده في تدبير مهامه وتسيير هذا المجال الجغرافي الممتد على مسافة 100 كلم من الشمال إلى الجنوب ، وحوالي أكثر من 30 كلم من الغرب إلى الشرق .
 
++ ما هي الأجهزة التي استعان بها القائد خلال فترة حكمه؟ 
كان يعتمد على منصب الخليفة "خليفة القائد" وهو ابنه محمد الذي سيخلفه في منصب القيادة عند وفاته سنة 1945، وقد عرف هذا الأخير بمعية أخيه عبد الله ( الفقيه والدبلوماسي ) بوطنيتهما ورفضهما المشاركة في المؤامرة الدنيئة التي دبرها اَلْبَاشَا الكلاوي ضد السلطان محمد بن يوسف سنة 1953 مما عرضهما للسجن و للنفي إلى مدينة الجديدة...فضلا عن جهاز القاضي حيث كان في البداية قاضيا على الزُّرَّةْ، القاضي السيد سعيد بن علي بن محمد الفرجاني، وهو بالمناسبة كان نائبا للقاضي مولاي المصطفى الذي كان مقيما بمراكش، وبعده عين العسال بن العربي قاضيا على الزُّرَّةْ، ولا زال سكنه بدوار أولاد بوهلال بجماعة السبيعات حاليا، شاهدا على ما كان له من سلطة ونفوذ إلى درجة أنه رفض السكن الذي خصص بمدينة الشماعية آنذاك (دار القاضي التي حولت فيما بعد إلى مقر لعدول أحمر ثم حاليا إلى مدرسة قرآنية تحمل اسم سيدي شيكر) من تشييد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . علاوة على جهاز "اَلْعُدُولْ" وهم كُثُرْ وكان من بينهم العدل محمد بن المختار.  ثم جهاز "اَلشّْيُوخْ" بلغ عددهم 24 شيخا من بينهم الشيخ الطاهر بن حيدة ، والسيخ محمد بن هدي ، والشيخ محمد بن علو... فضلا عن "اَلْمَقَدْمِينْ" الذين شكلوا جهازا قويا بحكم العدد الذي كانوا يشكلونه. وقد حرص القائد العربي على أن يكون هذا الجهاز من رجال إيالته ممن يثق فيهم ويحظون بحمايته ، كما تؤكد ذلك مجموعة من الوثائق والروايات الشفوية. وخارج هذا الجهاز الرسمي ، كان القائد العربي يتوفر على عدد مهم من "الَمْخَازْنِيَّةْ "، ومن (اَلصْحَابْ)، يراقبون الجهاز الرسمي ويتتبعون خطواته، مما كان يجعل من الجهاز العامل إلى جانب القائد كتلة متماسكة من الصعب اختراقها، هذه الخلاصة توصل إليها المراقب المدني، وهي تترجم في الواقع تخوف وحذر المراقبين المدنيين من القائد العربي بَلْكُوشْ، خاصة وأن الرجل عرف بالاستقامة والتمسك بالدين والوطنية الصادقة، مما جعله في خلاف معهم.