كريم مولاي: في فهم رد الرئيس الجزائري تبون على الرئيس الفرنسي ماكرون

كريم مولاي: في فهم رد الرئيس الجزائري تبون على الرئيس الفرنسي ماكرون الرئيس الجزائري تبون يتوسط الرئيس الفرنسي ماكرون (يسارا) والخبير كريم مولاي

عاد الجدل مجددا حول العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية، عقب التصريحات المتهورة للرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون، التي أساء فيها للشعب الجزائري قبل أن يكون قد شن هجوما على جناح في السلطة الجزائرية يبدو أنه خذله في ملف إرسال الجيش الجزائري إلى مالي..

 

ليس الرئيس الفرنسي هو الجهة التي يمكن الاستناد إليها في تحديد هوية الجزائر وتاريخها، فعقلية المستعمر معروفة دائما في تبييض صفحته، لكن الغريب جاء من الرئيس الجزائري في حواره الشهري مع أحد القنوات التلفزيونية المحلية، الذي أبان على قدر كبير ليس من الجهل بالتاريخ لجهة جمعه بين جورج واشنطن والأمير عبد القادر في مرحلة واحدة رغم الفاصل الزمني بينهما، بل وحتى الواقع، حيث انبرى في لعب دور المحلل السياسي لجهة الحديث عن لوبيات مؤثرة في فرنسا..

 

لا أشك للحظة واحدة أن الرئيس تبون نفسه يعلم علم اليقين، أن العين لا تعلو على الحاجب، وأن الجزائر المستقلة بدماء الشهداء مرهونة بفعل ساستها إلى المستعمر الفرنسي، وإلا كيف نفسر أن النظام الحاكم في الجزائر اتخذ قرارا سريعا بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب وإغلاق الأجواء أمام الطيران المغربي، لمجرد خلافات نعرف جميعا طبيعتها وأسبابها، بينما فرنسا التي تلغي تاريخ الجزائر وهويتها وتسخر من تاريخها، يرد عليها الرئيس بذلك الخطاب الناعم، الذي لا يتجاوز العتب..

 

إذا كنت عاجزا عن إدارة شؤون البلاد والجواب على الأسئلة اليومية للمواطن الجزائري المطحون بين جائحة كورونا التي أتت على أخضر بلادنا ويابسها، وبين مخالب الفقر الباطلة الناجمة عن حجم الفساد المعشش في كل ركن من أركان دولتنا العتيدة، فإنها تبحث عن عدو خارجي تشغل به الشباب الطامح لا أقول إلى الكرامة والحرية والديمقراطية التي دفع ثمنها غاليا طيلة العقد الأخير من القرن الماضي، عندما تم الانقلاب على المسار الانتخابي، وإنما إلى الحد الأدنى من الحياة.

 

ومع أن الإعلام الجزائري مدجن بالكامل لصالح النافذين من العسكريين وعصابات المال، فإن المتابع لا يعدم جزءا من معاناة الناس التي تظهر في شكل آهات وأنين لمرضى ضاقت بهم مستشفيات هي أقرب للمستودعات، حتى بات كثير من المرضى يطلبون الدواء في الجارة تونس أو في فرنسا الاستعمارية، التي يهاجمها الرئيس تبون وإعلامه، وشباب لم يعد له من حلم إلا الهجرة إلى الضفة الشمالية..

 

نظام لم يعد له من قضايا يعالجها غير إدارة المعارك، بعضها أصالة عن نفسه وأخرى بالنيابة عن قوى دولية معروفة، فتارة يستضيف حوارا ليبيا للمناكفة لا غير، وتارة يتعاون مع ميليشيات مسلحة روسية في مالي، وأخرى في شكل مواقف سياسية داعمة لأطراف إقليمية على حساب أخرى.. أما المواطن الجزائري فقد تم تطويعه بالقوة الضاربة أولا، وبإعلام مضلل قلب الأولويات، وقدم النظام الجزائري لأهله كما لو أنه القوة الضاربة التي تدير الشأن الإقليمي برمته..

 

المواقف لا تقال كلاما وإنما تتخذ سلوكا وممارسة، ولذلك فإن كلام الرئيس تبون هو إنشاء موجه للاستهلاك الداخلي والتنفيس عن الصدمة التي يتلقاها الجزائريون بشكل دائم من المستعمر القديم وإعلامه ليس إلا، أما العلاقة مع فرنسا فستظل بخطوطها الحمراء المعروفة للقاصي والداني لن يقدم يها كلام ماكرون ولن يؤخر شيئا...

 

مهمة الرؤساء في الدول ذات السيادة ليست التحليل والتفريج عن النفس بالكلام في مواجهة الأقوياء والاستقواء على الجوار العربي والإسلامي بالقوة المستوردة، وإنما الفعل ومواجهة التحديات بما تقتضيه من مواقف صلبة، وإلا فإنه سيصح على الرئيس تبون ومن معه من المتقولين ما قاله الشاعر العربي عمران بن حِطّان:

 

"أسد عليّ وفي الحروب نعامة

ربداء تجفل من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى

بل كان قلبك في جناحي طائر

صــدعــت غَــزالَةُ قَـلبـهُ بِـفَـوارِسٍ

تَـرَكـتَ مَـنـابِـرَهُ كَـأَمـسِ الدابِـرِ

أَلقِ السِـلاحَ وَخُـذ وِشـاحـي مُعصِرٍ

وَاِعـمَـد لِمَنزِلَةِ الجَبانِ الكافِرِ"...

 

- كريم مولاي، خبير أمني جزائري