رشيد لزرق: مازالت قيادات حزبية لا تثق في قدرات المرأة على تحمل المسؤوليات السياسية

رشيد لزرق: مازالت قيادات حزبية لا تثق في قدرات المرأة على تحمل المسؤوليات السياسية رشيد لزرق استاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة ابن طفيل
أتاحت التعديلات التي عرفتها القوانين الانتخابية  الفرصة للمرأة المغربية للترشح في الانتخابات على مستوى جميع المحطات ؛   لكن المترشحات يواجهن تحديات الصورة النمطية للمرأة في ظل المجتمع الذكوري الذي لا يقبل بعضه بهذا الشكل من المشاركة  بل وبتولي المرأة رئاسة المجالس.. ؛ وكذلك الشان بخصوص المعايير المعتمدة من طرف الأحزاب لاختيار المرشحات. " أنفاس بريس " ناقشت الموضوع من زوايا مختلفة مع رشيد لزرق استاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة ابن طفيل عبر الحوار التالي :

ماهي دلالة فوز ثلاث نساء بعمودية المدن وواحدة برئاسة الجهة؟
بداية دعني اقول بأن المساواة بين الجنسين حق من حقوق الإنسان. بل من حق النساء، وهن جزء لا يتجزء من تحرر المجتمع . إذ كيف للمجتمع التحرر واكتر من نصفه من النساء لازلن لم يتحررن من الحاجة والخوف والعنف، وتعتبر المساواة بين الجنسين أيضاً شرطاً لتطوير التنمية وخفض نسب  الفقر. ويساهم تمكين النساء إيجاباُ في صحة وإنتاجية كافة المجتمعات الصغيرة والكبيرة، وهذه بدورها تحسن الفرص للأجيال القادمة.
 وتأسيس على ذلك فإن فوز نساء بعمودية ثلاث مدن كبرى ورئاسة جهة هو انجاز هام ينبغي استثماره في قضية المساواة ،وتنتظر هؤلاء النسوة مهاما صعبة  للنهوض بهذه المدن الكبرى  لكن ذلك لا يجب ان يحجب عنهن العوائق التي تصادفها النساء في التمثيل ،وقد تابعنا حجم العنف اللفظي و المعنوي الذي شهدته عملية  انتخاب عمدة العاصمة الرباط، حيث اصطدمت تمثيل المراة برغبة من طرف زعيم حزب تقدمي  في تمرير التوريث السياسي الامر الذي اظهر حجم الاعطاب التي تشهدها الممارسة السياسية و الصورالتي تم نقلها من طرف وسائل الاعلام  لحضور مرشح بالحرس الخاص ؛و تحول عرس سياسي الى مظهر للاقتتال الامرالذي يظهر بالملموس كون معركة المساواة  لازالت تنتظرها اشواطا كثيرة. 
 
هل هذا العدد من النساء اللواتي انتخبن  بعموديات   الدار البيضاء  والرباط ومراكش ورئاسة جهة كلميم واد نون " كافيا مقارنة بعدد الرجال  لتثار كل هاته الضجة ؟
 المغرب اعتمد للمرة الأولى سنة 2002 نظام "كوتا" خصص 30 مقعداً للنساء في البرلمان. وواصل ذلك حتى عام 2011 حين زاد عدد مقاعدهن إلى 60 كإجراء يهدف إلى تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان، وانخراطهن في صناعة السياسات العامة وتوجيهها. ثم رفع مشرعو البرلمان عدد مقاعد "الكوتا" النسائية إلى 90 من أصل 395 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، ما يشكل نسبة 21 في المائة من عدد مقاعد البرلمان. وتوزعت المقاعد النسائية في الانتخابات الأخيرة على 12 في الدار البيضاء، و10 في كل من فاس - مكناس والرباط - سلا ومراكش - آسفي، و8 في طنجة - تطوان، و7 في كل من الشرق وبني ملال وسوس، و6 في درعة، و5 في كل من كلميم والعيون، و3 في الداخلة.
لكن مع ذلك  نسجل انه لازال  تمثيل المراة تمثيلا فوقيا، اذ لم تكن لتتمثل لو لم تكن بالقوانين الانتخابية الكوطا ، حيث من دونها يصعب حصول المرأة المغربية على تزكية الأحزاب للترشح، وفرص متساوية وآليات عمل مماثلة لتلك التي تؤمن للمرشحين الذكور، والحال ان نتائج الانتخابات  8 شتنبر 2021 رغم التقدم البسيط الذي حصل، فان هذه النتائج لا ترقى الى مستوى التطلعات لتحقيق المساواة ، لكون تمثيل المراة في مجلس النواب لازال لم يترجم التاويل الحداثي للنص الدستوري لتنزيل  مبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور، ولم يتحقق بعد   ثلث أهدافه المحددة في التشريعات والقوانين، ما يعني أن  تنزيل المناصفة تنتظره نضال من الحركة النسائية  التي تستدعي ملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات و المعاهدات  الدولية التي صادق عليها المغرب. والطريق لازال طويلا وشاقا أمام النساء و يستدعي مزيدا من النضال والتعبئة، لتاويل حداثي  لبنود الدستور والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق النساء كما هي متعارف عليها  دوليا. 
صحيح لقد حدث تغيير في القوانين الانتخابية التي عرفت تعديلات بهدف تحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، من خلال تغيير الدائرة الانتخابية الوطنية بـ "الدوائر الجهوية  مع اشتراط ضم كل لائحة مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد المخصصة لكل "دائرة انتخابية جهوية.
وهذا التعديل وان رفع التمثيل النسائي بغاية توسيع قاعدة مشاركتهن والرفع من حصتهن وتجاوز تمثيل النساء على صعيد المركز الى بروز نساء من مختلف الجهات ، اذ انه وفق القانون التنظيمي رقم 04.21 الذي يهم مجلس النواب، الذي يرمي الى تحقيق  المناصفة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال؛ تم تعويض «الدائرة الانتخابية الوطنية» بـ«دوائر جهوية» مع توزيع المقاعد المخصصة حاليا للدائرة الانتخابية الوطنية 90 مقعدا على الدوائر الانتخابية الجهوية وفق معيارين أساسيين، يأخذ الأول بعين الاعتبار عدد السكان القانونيين للجهة، ويتحدد الثاني في تمثيلية الجهة اعتبارا لمكانتها الدستورية في التنظيم الترابي للمملكة.
و تخصيص ثلاثة مقاعد كحد أدنى لكل «دائرة جهوية» وتوزيع الباقي والبالغ عددها 54 مقعدا بحسب عدد السكان، على أن لا يزيد العدد الأقصى على 12 مقعدا في أكبر دائرة جهوية.
فيما يتعلق بتعزيز تمثيلية المرأة بشكل مباشر، فقد اشترط القانون أن تشمل كل لائحة ترشيح على أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مما يمكن من إدراج أسماء مترشحين ذكور ضمنها في حدود ثلث المقاعد (شباب، كوادر، أفراد الجالية).
و تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية، إلى جانب اشتراط التسجيل في اللوائح الانتخابية لإحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة المعنية بالترشيح لضمان تمثيلية جهوية حقيقية.بغاية السير في اتجاه الرفع من تمثيلية النساء وتوسيع مشاركتهن، وبالتالي ولوجهن إلى المسؤوليات الانتدابية.
 
لماذا عجزت الاحزاب السياسية عن ترشيح عدد كبير من النساء إذا كانت فعلا تطمح إلى تحقيق المناصفة ، وإلى أي حد  حققت الكوطأ هذا الهدف ؟ 
في محاولة لتعزيز حضورهن و فاعلية دورهن في المشهد السياسي فإن الأحزاب السياسية  تبقى دون مستوى التطلعات، إذ إنها مصرة  على أن وجود المرأة يمثل إحدى واجهات النضال لتحقيق المساواة الكاملة، فآلية الكوتا عزز المشاركة السياسية للمرأة المغربية، لكن الأحزاب السياسية او بالاحرى قياداتها لازالت لا تثق في قدرات المرأة على تحمل المسؤوليات السياسية من أجل إشراكها ضمن دائرة القرار. لكونها استعملت الكوطا للمحاصصة الحزبية على اساس القرب و النسب و برزت ظاهرة لعائلوقراطية.  
بالتالي فالرهان كان منشود من خلال تمثيل النساء لتحقيق التغيير ؛ لكن نجد نفس النخب تدفع بنسائها  عبر الكوطا و الكوطا في الاصل تبقى اجراء  تمييزياً  موقتا؛ في حين يبقى تكريس مسار المساواة الكاملة باعتباره ركيزة الخيار الديمقراطي الصائب والصحيح طويلاً وشاقاً، ويتطلب ثورة ثقافية كبيرة وحقيقية. ونرى أن استمرار العوائق الكثيرة التي تمنع تمثيل المرأة في المؤسسات الرسمية يحتم إطلاق مواجهة على كل الاصعدة، كون تحررالمرأة إحدى واجهات تحرر المجتمع كله. وينبغي الاعتراف بقدرة الماسكين بالاحزاب السياسية على مواجهة التغيير  مع عجزهم عن استيعاب المتن الدستوري؛ و تحويله كممارسة عملية لكون التمييز على اساس الجنس يبقى ايجابيا لكن  تم تحويله من طرف بعض القيادات الحزبية الى تمييز على اساس العائلة والنسب وتم الدفع بنساء، وافرز ظاهرة التوريث في غياب تام لاستراتجية فعلية لتحقيق المناصفة؛ وبرزت لنا نساء بعيدات  كل البعد عن التمثيل السياسي ؛ وهكذا  فعلى اساس القرب من الزعماء تم فرز نساء مرتبطات بالزعماء اكترمن ارتباطهم بقضية النساء والمجتمع. 
وهذا ما يحد من التفاؤل  لكون اختيار نساء الكوطا لا يتم عبر تكافؤ الفرص بين النساء على اساس الكفاءة والمصداقية والنزاهة،كما  أن المنظومة الحزبية الحالية حولت نظام «الكوتا» إلى  ريع عوض ان تكون طريقا لتحقيق المساواة تستوجب اعمال الديمقراطية و المحاصصة،  وتحولت من آلية ديمقراطية من أجل مشاركة سياسية أكبر للنساء في تسيير الشأن المحلي والوطني إلى أداة  للتحكم والإقصاء والمتاجرة، قد تصل إلى حد الابتزاز،  لهذا فقد شهدت  العديد من المضايقات على النساء اللواتي يردن الترشح داخل الأحزاب السياسية للحصول على التزكيات، حيث شهد اقتتال داخلي اتجه لاقصاء قيادات نسائية وكفاءات و الاطرالشابة في مس صارخ بحقوق النساء و تمييز قبيح ضدهن.وهذا مثال حي عن غياب استراتيجية للتمكين السياسي للنساء.
 
لكن مع ذلك كيف تفسر وصول شابات تلميذات إلى رئاسة بعض المجالس بل و مجالس قروية حتى ؟    
هذا الوضع فضح النخبة التي تدعي بكون المجتمع غير جاهز للمساواة الكاملة ودليل آخر على كون الدستور يتجاوز سقف النخب إذ ان المشرع الدستوري في الفصل 30 من دستور 2011 ينص على أن "لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية".
وإنه بموجب خطاب ملكي تم تخفيض سن التصويت والترشيح للانتخابات وهو السن الذي نصت عليه المادة 3 من القانون 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة، بتوافق مع سن الرشد القانوني الذي حددته مدونة الأسرة ضمن المادة 209 في 18 سنة، غير أن التعديل لم يمس المادة 41 من مدونة الانتخابات التي ظلت تنص على وجوب بلوغ المرشح للانتخابات 21 سنة!!.
وأعتقد أن هذا يكشف عن  عدم سعي النخبة التشريعية إلى تمكين الشباب من هذا الحق؛ وإلا كيف لم تنتبه لهذا الأمر رغم تواجد الخبراء في الفرق البرلمانية والذين يكلفون مالية الدولة الشيء الكثير.
فبموجب القانون الذي اشترط ان يكون جميع المرشحين في الانتخابات في سن 21 لضمان العضوية في المجالس الجماعية المنتخبة ؛و ذلك وفق القانون رقم 97.9 المتعلق بمدونة الانتخابات والذي خضع للعديد من التعديلات منها تعديل بالقانون رقم 21.10 والقانون رقم 21.11 والقانون التنظيمي رقم 59.11 والقانون 64.02 والقانون 34.15 والقانون 36.08،والحال انه رغم التعديلات التي عرفتها القوانين في اتجاه ملائمتها مع الدستور؛ فان هذه التعديلات لم تطال المادة 41 من مدونة الانتخابات، و التي تشترط في من يترشح للانتخابات أن يكون ناخبا وبالغا من العمر واحدا وعشرين سنة شمسية كاملة على الأقل في التاريخ المحدد للاقتراع.
الامر الذي يشكل تقصيرا بل ادانة للنخبة التشريعية التي كانت تشرع؛ والتي تبين أنها لا تريد للشباب اقتحام المجال التدبير رغم شعاراتها التي طالما رددتها
فرغم أن المادة 41 بالنسبة لسن الترشح كانت واضحة ومحددة وبنص خاص. فإنه لم يشملها التعديل المطلوب للملاءمة مع دستور2011 والذي جاء به حراك شبابي؛ وبالتالي فان القضاء امام وجود ووضوح النص فلا سبيل له للاجتهاد؛ وهذا ما يحتم على القضاء الاداري الغاء فوز بعض الشباب الذين انتخبوا لرئاسة الجماعات.
 
وماهو رأيك في انتشار ظاهرة ما بات يطلق عليها  "العائلوقراطية" التي أفرزت وجود أفراد من اسرة واحدة  كأعضاء منتخبة  في المجالس الترابية او في البرلمان؟
ان هكذا جنس من الترشيحات التي تلتف  حول رقبة الإختيار الديمقراطي.  فبعض البرلمانيين في البلاد قاموا بتوزيع أبنائهم وأقاربهم في اللوائح  الانتخابية، بدلاً من إتاحة الفرصة لأعضاء الحزب الآخرين، بشكل يسيء إلى الاختيار الديمقراطي الدستوري، و يمكن وصف هذه الإنحرافات بـ"العبثية العائلوقراطية، التي تبدو، فوق روح القوانين، وتسير بسرعة مفرطة نحو الانحراف والمزيد من احتكار السلطة والثروة والنفوذ".
 حيث إن هناك خللاً سياسياً جراء غياب سلطة تحدّ من شطط السلطة الحزبية التي تأخذ شكل بنية سرية عقيدتها "العائلوقراطية"، التي تهدم البنى التحتية للاختيار الديمقراطي وتمنع الدولة المغربية من التقدم في سلم الديمقراطيات الصاعدة. ومما يؤكد ذلك هو أن الأمر بات يفرض ضرورة البحث عن صيغة دستورية ديمقراطية بديلة تنقذ المسار الإصلاحي المغربي من مخالب لوبي عائِلوقراطية الصناديق. التي لا تسعى بمنطق العقل السياسي القويم، فلا بد لنا من تقديم الجواب الدستوري الديمقراطي المتعلق بمساءلة البعد القيمي للاختيار الديمقراطي، وعدم السقوط في مهازل ديمقراطية الصندوق التي قد تجعل من نواب الأمة المغربية نواباً كوطا لأوليغارشية العائلوقراطية، التي تضر بمصداقية المؤسسات عبر استغلال النفوذ وشراء الذمم بالمال والالتفاف على القوانين المنظمة لعمل الأحزاب السياسية.