أحمد الحطاب: الاستوزار بين الأمس واليوم

أحمد الحطاب: الاستوزار بين الأمس واليوم أحمد الحطاب
شتان ما بين وزير الأمس و وزير اليوم وزير الأمس، و بالأخص وزير فترة الستينيات و السبعينيات، كان شخصيةً مثقفة و رصيدُه العلمي يُحترم و يهتمُّ بالسياسة كعلم له قواعده و ركائزه. كان لا يفرض على الناس أن يحترمونَه، بل كانت شخصيتُه و كارزمتُه هما اللتان تحثان الناسَ على احترامه. و كان يتحدَّثُ عن أمور وزارته بطلاقة و دراية. دراية سياسية و في نفس الوقت، دراية بأمور تسيير و تدبير الشأن العام. كان رجلَ دولة بما للكلمة من معنى. 
وزير الأمس، قبل أن يكونَ و زيرا، كان من الشخصيات البارزة داخل الحزب السياسي الذي ينتمي إليه. كانت له مكانة عالية في الأوساط السياسية الوطنية و الدولية. و كان معروفا لدى جميع المواطنين الذين كانوا يقدِّرونه و يفتخرون به.
أما اليوم، مَن هم المواطنون الذين يعرفون بالتَّدقيق عددَ الأحزاب السياسية و تسمياتِها و زعماءَها (إن كانوا يستحقون هذا التشريف) و عددَ المنخرطين فيها و إيديولوجياتها و مبادئها… لماذا؟ لأنه ليس هناك شيء يدفع و يُحفِّز المواطنَ على الاهتمام بهذا الحزب أو ذاك. كما ليس هناك حزب برز من بين أحزاب الساحة السياسية بأفكاره و باهتمامه بالمواطن و بمشاكله و تطلُّعاته و بكرامته.
في الماضي، كانت الأحزاب السياسية (الوطنية) معروفةً لدى الجميع. و كلما أُثِيرَ الحديث عن حزب، كلما تبادرت للأذهان شخصياته و أطره و زعمائه. و وزرائه.. 
هذا النوع من الشخصيات الحزبية و الوزراء انقرض لأن الأحزاب لم تعد كما كانت في الماضي مدارس لتكوين و إنتاج السياسيين من الوزن الثقيل. 
اليوم، منصب وزير لم تعد له تلك الهيبة و المهابة و القيمة التي تميز بها في الماضي. لقد أصبح مفتوحا على مصراعيه لمن هب و دب لأن الأحزاب السياسية نفسَها لم تعد تنتج شيئا يُذكرُ لا في مجال السياسة و الفكر و لا في مجال الاقتصاد والتسيير…
فكم هم الوزراء الذين، عندما استوزروا، لم يسمع عنهم المواطنون شيئا قبل هذا الاستوزار. كانوا مغمورين داخل أحزابهم. 
في الماضي، كانت كفاءة و ثقافة الشخصية الحزبية و وزنُه داخل الحزب و درايته في السياسة كعلم و أمور التسيير و التدبير هي المعايير التي تؤهِّله للاستوزار. أما اليوم، غابت هذه المعايير و حلَّ محلَّلها الزبونية و المحسوبية و القرابة و التَّملُّق للقيادات الحزبية و تبادل المصالح... 
بالأمس، كانت الأحزاب السياسية مواطنةً بما لكلمة مواطنة من معنى سامي. فكانت المواطنة تسري في دم قيادات الأحزاب و تظهر بوضوح في فكر و سلوك و عمل هذه القيادات. بل إن القيادات كانت صورةً لأحزابها و الأحزاب صورةً لقياداتها. فكان لا يُستَوزَرُ إلا مَن يستحق الاستوزار إذ كان هذا الأخبرُ تكليفا و ليس تشريفا.
اليوم، الاستوزار أصبح غنيمةً لا يظفر بها إلا المقربون و خصوصا منهم الذين شعارهم هو قول "نعم" على الدَّوام لكل أهواء قيادات الأحزاب. حينها، لا مكان للكفاءة و الدراية و التجربة و الكاريزما في الاستوزار. فكم من وزارات أُسنِدت لأشخاص برُوفَيلاتُهم لا علاقة لها بتدبير شؤون هذه الوزارات. فأين الحِنكة السياسية؟ أين حِنكة التدبير؟ أين معرفة الملفات؟ أين القدرة على التَّواصل الفعال و البنَّاء؟ أين القدرة على الإقناع أمام البرلمان، أمام الصحافة، أمام الرأي العام، أمام الشركاء الخارجيين...؟ أين القدرة على حلِّ المشكلات و التعامل مع الأرقام و مع المخططات و الاستراتيجيات...؟ أين القدرة على الغوص في الملفات و تحليلها و اتخاذ القرار آت في شأنها؟ أين القدرة على العمل الجماعي، أي التنسيق مع القطاعات الوزارية الأخرى؟...
في الماضي، لم يكن هناك تهافتٌ على الاستوزار. مَن يستحق هذا الاستوزار سينالُه بطريقة أو أخرى دون أن يحريَ وراءه. 
أما اليوم، أصبح التهافت على الاستوزار هو القاعدة. و الدليل على ذلك، لجوء  العديد من الراغبين في الاستوزار إلى الترحال الحزبي. و الغريب في الأمر أن الترحالَ لا يحدث إلا عند اقتراب مواعد الانتخابات التشريعبة!
و في الختام، لا يكفي أن يكون المُستوزَرُ متضلِّعا في تخصُّصه كيفما كان. ما يهم هو الحنكة و الكفاءة و التجربة و بُعدُ النظر و التواضع و تكريس الجهد لخدمة الصالح العام. فمثلا، لا يكفي أن يكونَ المُستَوزَرُ مدرِّسا ليصبح وزيرا للتربية الوطنية أو فنانا ليكونَ وزيرا للثقافة.
كما هو الشأن للسياسة، لقد أصبح الاستوزار مهزلةً من مهازل الأحزاب السياسية. أتمنى أن لا تسقط الأحزاب الثلاثة التي ستشكِّلُ الأغلبيةَ الحكومية المقبلة في هذه المهزلة و أن تُتحِفَنا بوزراء قادرين على القيام بمهاهم أحسن قيام نزولا عند رغبة الناخبين و الشعب المغربي برمَّته.