عزيز لعويسي: مقتل سائقين مغربيين بمالي.. جريمة إرهابية جبانة

عزيز لعويسي: مقتل سائقين مغربيين بمالي.. جريمة إرهابية جبانة عزيز لعويسي

في الوقت الذي تتركز فيه أنظار الرأي العام الوطني بكل أطيافه نحو متغيرات الساحة السياسية الوطنية بعد استحقاقات ثامن شتنبر 2021، وخاصة نحو الحكومة التي ستنطلق مشاورات تشكيلها ابتداء من يوم الاثنين 13 شتنبر 2021، تأتي الأخبار المحزنة من مالي، عقب حادث مقتل سائقين مغربيين يوم الأحد الماضي، رميا بالرصاص من قبل عناصر مسلحة مجهولة، وإصابة آخر بجروح، في مالي، لما كانوا متوجهين بشاحنات محملة بالبضائع في اتجاه باماكو، وحتى في غياب المعطيات الدقيقة التي من شأنها كشف النقاب عما جرى من مأساة، نكاد نجزم أن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بالجريمة الإرهابية الجبانة بكل المقاييس.

 

استهداف السائقين المهنيين المغاربة بهذه الطريقة البشعة والهمجية دون غيرهم، هو استهداف للمغرب ومصالحه الاقتصادية والاستراتيجية في إفريقيا، واستهداف للحضور المغربي الوازن في العمق الإفريقي، وللنجاحات الدبلوماسية والاقتصادية التي حققتها الرباط في السنوات الأخيرة خاصة في بعدها الإفريقي، كما هو استهداف للعلاقات التجارية والتضامنية والإنسانية التي ربطت طيلة عقود من الزمن بين المغرب وأشقائه وأصدقائه الأفارقة، ومساس خطير بالأمن الغذائي الإفريقي وبالقوت اليومي للمواطن الإفريقي.

 

وإذا كانت الجريمة ثابتة، فلا يمكن إلا التساؤل عن الجهة التي دبرت وخططت ونفذت مهمة اغتيال سائقين مغاربة دون غيرهم، وعن الجهة التي يهمها ضرب العمق المغربي في إفريقيا وكبح جماح النمو المتزايد للمغرب في القارة الإفريقية، وهي أسئلة من ضمن أخرى، الأجوبة عنها، تتقاطع في خانة "جهة" أو "جهات" تتشارك عقيدة العداء الخالد للمغرب، كما تتشارك الرغبة الجامحة في ضرب مصالحه بأدوات قدرة وحقيرة مكشوفة للعيان، وهذا الإجرام الشنيع، يفرض دق ناقوس الخطر، لأن الفعل الإرهابي لم يعد مرتبطا بجماعات إرهابية تنشط خارج سلطة القانون في الساحل والصحراء، بل بات يحمل بصمات دول فاشلة، يمكن أن نتوقع منها أي شيء، لإحداث الفتن وإثارة القلاقل والنعرات والمساس بالأمن والاستقرار وضرب مصالح الدول، باستعمال طرق وأساليب وقحة يتقاطع فيها السلاح والبيع والشراء والابتزاز والرشاوى وشراء الذمم والجريمة والمخدرات.

 

ما حدث من مأساة، ليس فقط ضربة للمغرب ومصالحه الحيوية داخل إفريقيا، بل هو جريمة إرهابية، تستهدف أمن إفريقيا واستقرارها وأمنها الغذائي وقوتها اليومي، ومحاولة بئيسة لجر منطقة إفريقيا الغربية  إلى حالة من انعدام الأمن والاستقرار والفوضى، بشكل يخدم أجندات الجماعات الإرهابية وقطاع الطرق، ففي الوقت الذي يحاول فيه المغرب ربط جسور إنسانية وتضامنية واقتصادية وتنموية مع بلدان إفريقيا في إطار علاقات رابح/رابح، هناك جهات بلحمها ودمها لم تعد تخفى على أحد، تصر على نحر إفريقيا وعرقلة طموحها المشروع في الأمن والوحدة والاستقرار والنهوض والتنمية والازدهار، وتجرها نحو حافة الإفلاس، بالشكل الذي يخدم مصالح وأجندات دول مازالت تحن إلى الماضي الاستعماري.

 

ما حدث في مالي من إرهاب جبان، لابد أن يصل إلى العالم، وأن يفتح بشأنه تحقيق دولي، لكشف الجهات المتورطة التي خططت ودبرت واستهدفت ونفذت، وآن الأوان لكشف حقيقة هذه الجهات المفلسة أمام المنتظم الدولي وما تمارسه من ممارسات غير مسؤولية مهددة ليس فقط لأمن واستقرار منطقة الساحل والصحراء، التي باتت مناطق خلفية للجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة وقطاع الطرق، بل ومهددة أيضا، للأمن الاقتصادي والاستراتيجي الأوربي، من منطلق أن أمن واستقرار شمال وغرب إفريقيا، من أمن واستقرار أوربا.

 

ولا يمكن أن نترك الفرصة تمر، دون توجيه البوصلة نحو قطاع النقل المهني الدولي، وبشكل خاص نحو وضعية السائقين المهنيين المغاربة الذين يتحملون متاعب متعددة الزوايا، في سبيل تأمين لقمة العيش، وفي الإسهام في حركة الرواج التجاري الوطني، مما يجعل منهم سفراء اقتصاديين وثقافيين للوطن، وهذه الفاجعة المؤلمة، تستدعي فتح ملف هــؤلاء السائقين المهنيين المغاربة على مستوى أوضاعهم المادية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالتغطية الصحية والتأمين والتقاعد وظروف العمل، والحماية الاجتماعية ضد كل ما قد يتهدد عملهم من  مخاطر وتهديدات، خاصة السائقين الذين يؤمنون نقل السلع والبضائع نحو البلدان الإفريقية في أجواء غيـر آمنة، ومع ذلك، يتحملون المشاق الطرقية والمخاطر الأمنية، خدمة للاقتصاد الوطني وحرصا على ديمومة الحضور الوازن للمغرب في عمقه الإفريقي.

 

وإذ نترحم على شهداء الوطن الذين سقطوا برصاص جبان، نستغل هذا المقال، لنطالب الدولة ومصالحها المختصة، من أجل استعجال التدخل لنقل جثامين الضحايا نحو المغرب بما في ذلك السائق الذي يتواجد في حالة حرجة حسب الأخبار المتوفرة، تستدعي الإنقاذ قبل فوات الأوان، بل ونطالب بتحريك كل الآليات الدبلوماسية المتاحة للقيام بما يتعين القيام به، لأن المستهدف الأول والأخيـر هو المغرب ومصالحه الحيوية والاستراتيجية داخل إفريقيا، وليس سائقين عزل  لاحول لهم ولا قوة، وكما تم تأمين عودة المنتخب الوطني من مالي بعد الانقلاب العسكري، نأمل أن يتم التدخل على أعلى مستوى تدبيــر هذه الواقعة الحزينة، في أقرب الأوقات الممكنة، مع ضرورة فتح ملف السائقين المهنيين المغاربة الذين يغامرون بحياتهم في صمت من أجل الوطن ومصالحه الحيوية، وآن الأوان للاستماع إليهم ومعالجة مشكلاتهم وقضاياهم وسبل حمايتهم داخل الأراضي الإفريقية، مـع ضرورة التفكير في السبل الممكنة والمتاحة لدعم أسر وعائلات ضحايا هذا الإرهاب الجبان.

 

دون إغفال فتـح ملف التجار والمقاولات المغربية المرتبطة تجاريا بالأسواق الإفريقية، النشيطة بالخصوص في مجال تصدير المنتجات السمكية والخضر والفواكه والملابس الجاهزة والصناعة التقليدية وغيرها، والتي غالبا ما تتعطل مصالحها وتتعرض إلى الخسائر والأضرار، في الحالات التي يتم فيها اعتراض سبيل السائقين وتعريضهم إلى العنف والسطو المسلح والقتل كما حدث في مالي، وهذا الواقع المهني، يستدعي الاستماع لها وإلى ما يعترضها من مشاكل وصعوبات، بما يضمن وضع خطط ملائمة لدعمها وحمايتها ومواكبتها، ضمانا لاستمرارية وديمومة أنشطتها.

 

 

وبما أننا نعيش لحظة انتخابية وديمقراطية، من سماتها الدخول في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، موازاة مع تشكيل المجالس الجماعية والجهوية، هي فرصة لنؤكد على ضرورة التعبئة الجماعية وتقوية الجبهة الداخلية، وعلى تـوفر إرادة حقيقية في محاربة العبث والفساد والريع، والقطع مع واقع "الوزيعة السياسية" التي تجعل من الوطن مجرد بقرة حلوب، لا تصلح إلا للحلب والنهب والسلب، وربط المسؤولية بالمحاسبة  وتفعيل آليات عدم الإفـلات من العقاب، لأن المغرب مستهدف من قبل الأعداء والحاقدين، وعجلة استهدافه لن تتوقف بدون شك، عند حدود استهداف سائقين مغاربة عزل في مالي.

 

لذلك، فلم يعد ممكنا السماح بالعبث السياسي بكل مستوياته ودرجاته، فمن غير المقبول، أن نكون وجها لوجه أمام سائقين مغاربة يساهمون في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، ويجابهون كل المخاطر والتهديدات في الطرق الإفريقية بما فيها خطر الموت والاغتيال، وفي ذات اللحظة،  نجد البعض مشغولا بالسياسة، ليس من أجل خدمة الوطن ولا الترافع عن مصالح المواطنين، بل ومن أجل  الظفر بما يمكن الظفر به في مشهد انتخابي وحزبي، لا صوت يعلو فيه على صوت المصالح والمكاسب والكراسي، وهذا الواقع السياسي لابد من القطع معه، لأن التحديات أكبر والرهانات أقوى، والمرحلة تقتضي مسؤولين "مواطنين" يخدمون الوطن بصدق واستقامة ونكران ذات، ويكونون لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، سندا ودعما وحصنا حصينا في معركة النماء والسيادة والإشعــاع .

 

ونختم بالقول، إذا كان قصد الإرهابيين المفلسين هو ضرب مصالح المغرب في إفريقيا أو كبح جماح طموحه الإفريقي، نرى أن حسد الحاسدين وحقد الحاقدين، لن يزيد المغرب إلا حضورا في إفريقيا، ولن يزيد إفريقيا إلا ارتباطا بمغرب، يحترم إفريقيا ويسعى إلى نهوضها ونمائها  واستقـرارها، بل ولن يزيد المغرب إلا ارتباطا بوحدته الترابية وسلامة أراضيه..

 

رحم الله  شهداء الوطن، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعــون.