مصطفى العراقي: استحقاق الثامن من شتنبر.. ردة أم خطوة ديمقراطية ؟؟

مصطفى العراقي: استحقاق الثامن من شتنبر.. ردة أم خطوة ديمقراطية ؟؟ مصطفى العراقي

وضعت انتخابات مجلس النواب أوزارها ..وأحصى كل حزب مغانمه وخسائره . قد تكون هناك هزات ارتدادية ستعرفها بعض الاحزاب وأبرزها حزب العدالة والتنمية  الذي مني بهزيمة غير متوقعة وغير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المغربية . قد يسعد البعض بنصر كبير أو صغير حسب المقاعد المحصل عليها مقارنة مع استحقاقات سابقة .. لكن هناك سؤال جوهري يطرح نفسه على المشهد السياسي بكل مكوناته : هل كان يوم الثامن من شتنبر محطة ديمقراطية ؟؟هل توجت بالفعل حملة انتخابية كما هو متعارف عليه في بلدان المؤسسات التي تحتكم لكلمة الناخب ؟؟

في البداية لابد من الإشارة الى أنني كنت اتمنى يتقلص حضور حزب العدالة والتنمية مقاعد وأصوات  نظرا للحصيلة السلبية التي انتجتها ولايتان من رئاسته للحكومة ..لا يهم هل تم تكليفه بالمهمة أو أن الملفات التي دبرها ودافع عنها هي من إبداعه.. لكن لم اكن لتوقع أن يؤدي الفاتورة السياسية بهذا الحجم أي أن ينزل أو يتم انزاله من قمة جبل اى بئر سحيق .. ولن أكون من الشامتين في هذه الهزيمة المذلة والتي قد تعصف بوجود الحزب تحت نفس المسمى ...

في هذه القراءة الاولية والتي قد اكون فيها مجانبا للصواب .أطرح العناصر التالية :

ليس هناك في المغرب ناخب أي شخص تتوفر له المعطيات والمعلومات ويفسح امامه  المجال لبلورة رأيه وقول كلمته عن قناعة .. لدينا في المغرب على العموم مصوتون مسجلون في اللوائح الانتخابية يقدم لهم جل الاحزاب مشاهد تشبه زفات الاعراس في مسيرات تحشد "مياومين " وعدد من  النساء والاطفال وتنثر أكواما من الاوراق في الهواء في الازقة والشوارع وطرقات البوادي ...

ما ميز حملة استحقاق الثامن من شتنبر هو غياب شبة مطلق للتواصل  السياسي المنبثق من برامج انتخابية مع المصوتين .كان هناك استعراض قوة عرف في بعض الدوائر مواجهات واعتداءات .. وحتى بلاطوهات واستوديوهات الاعلام السمعي البصري وجدت نفسها وفي العديد من حلقاتها أمام ضعف ممثلي الاحزاب وأحيانا امام عدم تمكن المنشطين .. نعم العديد من الاحزاب صاغت برامج انتخابية لكن تصريف مضمونها أخلف الموعد  في النقاشات السياسية ..ويبدو أن تنظيم الانتخابات التشريعية والجماعاتية في نفس اليوم عمق من ظاهرة هذا النقاش خاصة وأن الكثير من وكلاء اللوائح تصدروا على مستوى الترشيح الاستحقاقين معا..

المثير أن الحزب المندحر والحزب المتصدر كانا معا في حكومتي 2011 و 2016 ودبرا قطاعات استراتيجية واجتماعية . ومنطقيا إن كان للحصيلة الحكومية ايجابية أو سلبية دور في العملية الانتخابية أن يتحمل وزرها الحزبان معا .فكيف لحزب حصل على 125 مقعدا في استحقاق 2016 يحصد فقط 12 مقعدا يوم الثامن من شتنبر في حين يضاعف حزب التجمع الوطني للاحرار نتائجه ثلاثة مرات تقريبا اي أن ينتقل من37 الى 92 مقعدا وهو الذي تحمل حقيبة وزارة المالية والفلاحة والصناعة والاستثمار ؟؟؟

لا أدافع هنا على حزب  سعد الدين العثماني  .فالاصوات التي  حصل عنها في هذه الدائرة او تلك في هذه الجهة او تلك تبرز الرحيل الجماعي للمصوتين عليه الى التصويت على تشكيلات سياسية أخرى ..وأعتقد أن الاحداث والوقائع التي حولت العدالة والتنمية من حزب الى أشخاص حامت حولهم شبهات وحاصرتهم فضائح ساهم في هذا الرحيل .نعم صوت المغاربة عن المصباح في استحقاقين متتاليين لكن وطيلة عقد من الزمن كان هناك تحول قيادات من خيار السياسة الى شخصنة الممارسة ..كل قيادة من قياداته انتجت مهازل أخلاقية ولغوية وتدبيرية تحمل مسؤوليتها الحزب وأدى عنها ثمنا باهضا اولا في انتخابات جزئية وثانيا في الانتخابات المهنية وثالثا في انتخابات الغرف...وتوجها بالتشريعية والجماعاتية .

من العناصر التي لابد من الاشارة اليها في هذا المقال تتعلق ببعض مميزات المجلس النيابي المقبل .سيكون دون شك غرفة تضم لأول مرة أكبر عدد من اصحاب الثروة .اتسع مجال المليارديرات على حساب موظفي القطاع العام ..أشخاص لم يتدرجوا في مقاعد النقابات والعمل الجمعوي وحقل المجتمع المدني هاهي امكانياتهم المالية تصنع لهم الطريق لهذه المؤسسة الدستورية ..قد يكون في ذلك جوانب ايجابية وسلبية لكن اشير الى سلبيتين على الاقل :

أولا من المحتمل ان يتراجع ولاية أخرى مستوى النقاش السياسي الفكري في دواليب مجلس النواب من لجانه الى جلساته العامة ..

وثانيا قد يتأثر القطب الاجتماعي وتتعثر التدابير والاجراءات الضرورية في مجال الاصلاح الضريبي وتغلب المصالح الخاصة عن عن الضرورة الاجتماعية خاصة في زمن نسعى فيه الى تحسين القدرة الشرائية للمغاربة والانتصار الى قضاياهم الحياتية ...

… ومع ذلك وبالرغم من العناصر والواردة اعلاه والتي قد أكون جانبت فيها الصواب .فإني اتمنى للحكومة المقبلة النجاح وأن تتوفق في اعمالها وتنجز برنامجها الحكومي من أجل المغرب  والمغاربة . وحتى لا نبذر عقدا جديدا من الزمن السياسي على حساب العملية الديمقراطية والمسار التنموي