عبد الإله حسنين: التربية على حقوق الإنسان

عبد الإله حسنين: التربية على حقوق الإنسان عبد الإله حسنين
في حياة أطفالنا، المتمدرسين على وجه الخصوص، رغم أننا لا نقبل هذا التصنيف، فكل أطفال المغرب لهم الحق في التعلم والتعليم والمعرفة والتربية طبقا لأحكام الدستور والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وفي مجتمعنا المغربي، تتم عمليات التنشئة المجتمعية عبر قناة رئيسية هي المدرسة بغض النظر عن درجة مساهمتها في تكوين الشخصية وقوة ذلك، والمدرسة تقوم بدور تركيز قيم اجتماعية متعددة حسب طرق بيداغوجية مباشرة وغير مباشرة تطورت أو تقادمت حسب المناهج الدراسية المعتمدة. وبجانب المدرسة تقوم الأسرة أساسا بدور القناة الرئيسية لتمرير وتكريس وإعادة إنتاج تلك القيم وقيم أخرى، بغض النظر عن اختلاف انتماء أرباب الأسر لفئات المتعلمين أم لا، أو لفئات الميسورين وغير ذلك من التصنيفات الاجتماعية الممكنة، ولكنها تظل الموجه الأساسي للتنشئة في مجتمعنا الحالي.
 
وإذا كانت الجمعيات المهتمة بالتنشيط السوسيو/ثقافي للأطفال في الوقت الحر،)أو حتى تلك التي ترعى الأطفال في حياة جماعية مشتركة، كالمياتم والخيريات) التي ناضلت وتناضل من أجل حقها في التواجد أولا والقبول بذلك، ومن أجل تأكيد دورها وأهميته والإقرار بذلك، ومن أجل مكانتها في المساهمة مع مؤسسات المجتمع الأخرى في تكوين شخصية الأطفال في إطار النوازن والاستقلالية والانسجام وحسب مقومات ونظرة خاصة للدور والمكانة الحالية والمستقبلية للأطفال؛ فإن هذه الجمعيات تبحث عن وسائل متعددة من أجل القيام بمهامها ودورها حسب اختياراتها، وأداء رسالتها حسب أهدافها.
 
وإذا كانت أغلب هذه الوسائل حاليا تهدف إلى زرع قيم مجتمعية معينة وتطويرها لدى الناشئة من نوع تقوية الشخصية واكتساب المهارات والحياة الجماعية والمشاركة والمسؤولية والتنافس أو الانضباط والامتثال والريادة والمثالية أو التحرر والانطلاق...، فإن تطوير العمل التربوي أضحى اليوم بحاجة إلى المساهمة الفعلية في المجهود القائم والمتبلور في التربية على حقوق الإنسان من خلال البرامج المعتمدة في المدرسة المغربية، ودعم ذاك المجهود وتطويره على مستوى الوقت الحر في أندية الأطفال ودور الشباب وتجمعاتهم الأخرى كالمخيمات الصيفية ومراكز العطلة والاصطياف.
 
لقد عملت حركة الطفولة الشعبية منذ تأسيسها سنة 1956 على رصد وتشخيص ومعالجة أوضاع الطفولة بالمغرب من خلال البحث والدراسة والتكوين ومن خلال برامجها التربوية داخل مؤسسات دور الشباب والنوادي والمخيمات، أو بإصدارها لبياناتها وتقاريرها السنوية أو الموضوعاتية ذات الصلة، إيمانا منها بأن مستقبل البلاد رهين بما يقدم للطفولة من برامج تربوية، تعليمية، ثقافية، رياضية، ترفيهية. وحركة الطفولة الشعبية تطمح في أن تكون مساهمتنا في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال تهدف لتكملة أفعال مؤسسات المجتمع الرئيسية: الأسرة والمدرسة.
 
وقد ظلت أوضاع الطفولة وحقوقها العمل الأساسي والشغل الشاغل للحركة حين جعلت من "مساعدة الأطفال المحتاجين على نموهم وتحسين أوضاعهم في الميدان الصحي والثقافي والاجتماعي حتى يصيروا رجالا نافعين وصالحين" تتصدر لائحة أهدافها. كما أن العديد من بنود إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1959 شكلت جوهر ممارساتها التربوية وأنشطتها الموجهة للأطفال، كحق الطفل في التعبير، وتنمية مواهبه وقدراته العقلية والبدنية، وإعداده لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة والصداقة وهو ما ينسجم مع أهدافها، ويكفي حركة الطفولة الشعبية فخرا أن تكون الجمعية المغربية الوحيدة والأولى التي ترجمت وأعادة نشر وتوزيع إعلان حقوق الطفل لسنة 1959 في حينه.
 
ولم يغب عن الحركة منذ التأسيس أهمية، فسح المجال للطفل للتعبير عن رأيه بكل حرية ودون قيود مع الإنصات للآخرين وتشبعه بثقافة الحوار، وهو ما تبلور في عملها الميداني من خلال الأنشطة التربوية اليومية والموسمية. كما أن تقاريرها ونداءاتها من أجل حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بكل حرية في الحياة الثقافية وهو ما ينص عليه البند الأول من المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل شكل دوما أبرز شعارات مؤتمراتها وبرامج عملها. إن حصيلة ذلك وإن ساهمت في تكوين مواطنين لتحمل مسؤولياتهم الكاملة في المجتمع، برهن على أنه يحتاج اليوم إلى عمل إضافي، شاق، يومي ومستمر للرفع من وثيرة أدائها في مجال التربية على حقوق الإنسان.
 
إن حركة الطفولة الشعبية عندما أطلقت برنامجا مندمجا للتربية على حقوق الإنسان من خلال تشجيع إنتاج وسائل تربوية تحمل روح القيم الإنسانية المتعارف عليها، كانت تطمح إلى انخراط أطرها في عملية واسعة للرفع من مستوى تكوينها وأدائها التربوي داخل النوادي والمخيمات الصيفية لتمكين الأطفال من وسائل تنشيطية ومعينات بيداغوجية تساهم في تشبعهم بثقافة الحوار والإيمان بالاختلاف واحترام الآخر وممارسة التسامح والعيش بالتضامن والاعتراف بحق المساواة والدفاع عن الكرامة الفردية والجماعية والتعايش بكل الحرية اللازمة والمطلوبة.
 
واعتبارا لأن حركة الطفولة الشعبية قدمت برنامجا متكاملا للتربية على حقوق الإنسان وتربية الطفولة على ذلك، يمكن أن يعتمد على مستوى المدرسة المغربية، وأن تنخرط بهذا المشروع من خلال عمل تربوي تأخذ فيه جزء المسؤولية التي ارتضته لنفسها واختارته هدفا لها، فأطلقت برنامجا منذ سنوات متعدد المحاور يهدف إلى خلق وتأسيس عمل تربوي يومي ومستمر داخل فروعها يكون بمثابة دينامية جديدة لحركتنا من جهة ويطلق حركية متخصصة بميدان حقوق الإنسان /الطفل /المرأة داخل برامج التنشيط التربوي للأطفال والمراهقين والشباب، وذلك من خلال مجموعة أنشطة مندمجة متطورة تهدف إلى المساهمة في تربية الأطفال وتكوينهم على مبادئ وقيم حقوق الإنسان المتعارف عليها إنسانيا.