عزيز لعويـسي: عين على فـاس و مكناس

عزيز لعويـسي: عين على فـاس و مكناس عزيز لعويـسي

ونحن نعيش زمن الحملة الانتخابية التي انطلقت رسميا يوم الخميس 26 غشت 2021، نترك  ما يقترن  بالحملات الانتخابية  عادة، من لغط وجدل وتنافس شرس  واستقطاب  واستمالة ووعـود معسولة، لنوجه البوصلة نحو مدينة فاس العريقة، التي تتلخص في  دروبها وزقاقاتها وجوامعها وصوامعها وساحاتها، جوانب مهمة من تاريخ المغرب  الضارب في القدم، ويكفي قولا أنها شهدت ميلاد أول دولة إسلامية في المغرب، كما شهدت تأسيس  إحدى أقدم الجامعات في العالم، ويتعلق الأمر بجامع القرويين، الذي منح المدينة هوية روحية وعلمية وتاريخية، تميزها عن غيرها من الحواضر المغربية العتيقة.

 

 ومدينة بهذا الإرث الروحي والتاريخي والإنساني، كان  بالإمكان أن تكون في وضع أحسن وأفضل مما هو عليه الآن على غرار مدن كالرباط والدارالبيضاء ومراكش وطنجة وتطوان وغيرها، على مستوى العمران والتجهيزات والبنيات التحتية والفضاءات الخضراء والأمن والاستقرار  والطمأنينة وجـودة الحياة بشكل عام، وما قيل عن فــاس، يقال عن الجارة  الحاضرة الإسماعيلية "مكناس"، التي تستحق بدورها، إقلاعا تنمويا حقيقيا، يعيد للحاضرة  مجدها العابر، في لحظة  كانت فيها سيـدة المدن المغربية، لما كانت عاصمة للمملكة الشريفة، أيام السلطان المولى إسماعيل العلوي.

 

وسواء تعلق الأمر بالعاصمة الروحية فاس، أو بالعاصمة الإسماعيلية مكناس، فكلاهما يستحقان الأفضل، قياسا لإرثهما التاريخي والثقافي والحضاري،  ويؤسفنا ما وصلت إليه المدينتين الجارتين من  تراجـع  ورتابـة وتواضـع على جميع المستويات مقارنة مع مدن اخـرى، وهي رسالة مفتوحة إلى  كافة  الأحزاب السياسية عن  طريق ما تقدمه من مرشحات ومرشحين في المدينتين أو في جهة فـاس مكناس ككل، من أجل الانتباه إلى  خصوصية المدينتين الجارتيـن، اللتين تزخران برأسمال مادي ولا مادي على جانب كبير من الغنى والثـراء، يستحق  الرعاية والصون والتثمين، ليس فقط حفاظا على  تراث المدينتين، ولكن أيضا، من أجل  استثماره في الدفع بالعجلة السياحية والثقافية، ليكون هذا التراث رافعة لتحقيق التنمية الجهوية والارتقـاء بمستوى عيش الساكنة الفاسية والمكناسية، في إطار قطب حضري مندمـج ومتوازن بين أهل فاس وأهل مكناس، يوفر كل شـروط الجذب والاستثمار والاستقرار.

 

فاس ومكناس، تحتاجان اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى  مرشحات ومرشحين حقيقيين، مهما كانت ألوانهم السياسية ورموزهم الانتخابية، وإلى مؤسسات منتخبة قوية ذات مصداقية، قـادرة على الاستماع إلى نبض الشارع الفاسي والمكناسي بعمق،  وإيجاد حلول وبـدائل  للمشكلات القائمة، وعلى التفكير الرصين الذي يتجرد من أية مؤثـرات سياسية أو نعـرات حزبية، إلا مصلحة الساكنة وتطلعاتها وانتظاراتها، بشكـل يسمح ببلـورة مشاريـع تنمويـة  وازنـة، قــادرة على  تغييـر وجه المدينتين، بشكل يضمن الارتقـاء بمستوى التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية بالجهة ككل.

 

الناخبات والناخبـون "فاسة" و"مكانسة"، لابد أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة، باستحضار  ما وصلت إليه المدينتين من تواضع تنمـوي، وما يتطلعــون إليه من  انتظارات مشروعة بمناسبة الاستحقاقات القادمة، ولابد أن يخرجوا من دور "الفرجة" أو "الحياد السلبي"، ليقرروا في مستقبلهم ومستقبل المدينتين، وهـذا لن يتحقق إلا بالنظر إلى الانتخابات كمدخل لبلوغ التغيير المنشـود، عبر  اختيـارالمرشحين المناسبين، المشهود لهم بالكفاءة والخبـرة  والنزاهة والاستقامة والتفاني في خدمـة الصالح العام، وفي هذا الإطار، نستحضر ما قاله الملك محمد السادس في إحدى الخطب الملكية :"فإن جعلتم على رؤوسكم فاسدين في مدنكم وقراكم، فلا تقبل منكم الشكايات، فأنـتم المسؤولون على تدهـور حقوقكم وحق بلدكم عليكم".

 

وبهذا النهج، يمكن  وضع حد للعابثين والمفسدين، الذين  يقبلون على الانتخابات لممارسة المزيد من العبث والتهـور  والانحطاط، على أمل أن تحظى المدينتان، بمرشحات ومرشحين يتقون الله والوطن، يكرسون كل الطاقات والقدرات لخدمة الصالح العام والارتقاء بمستوى تنمية المواطنات والمواطنات، وإعادة الاعتبار لمدينتين تاريخيتين، يحتضنان حيزا مهما من التراث المادي واللامادي للمغرب. لذلك، فمن  يعبث في فاس ومكناس، فهو يعبث بتـراث الأمة المغربية، فيكفي عبثا .. يكفي فسادا ..

 

 ونختم بتوجيه رسالة مفتوحة إلى كافة المرشحات والمرشحين عبر التراب الوطني، ندعوهم من خلالها إلى العمل بجد وتفـان، حتى يرتقي  الــوطن، خاصة ونحن على أبواب نمـوذج تنموي جديد، لأنهم راحلون ومغادرون، وما أجمل أن يتركوا عمل أو لمسة أو بصمة دالة على مـرورهم العابـر، كما قال الشاعر : تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار .

 

وإذا خصصنا المقال للحديث عن مدينتـي فـاس ومكناس، فمن باب مراعاة  خصوصيتهما التاريخية والحضارية والإنسانية، قياسا لما وصلا إليـه من  تواضــع تنمـوي لايلـيـق بمكانتهما وقيمتهما، غيــر ذلك، فنحن نعتـرف أن كل المجال المغربي، تتخلله مشاهـد البـؤس والضعف والتواضـع والانحطاط بمستويات ودرجات مختلفة، نتيجـة عقـود من العبث السياسي المنحـط، وآن الأوان  لإشهار سيف "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، لكبح جماح العابثين والفاسدين.