البدالي صافي الدين: الانتخابات في المغرب والديمقراطية المعطوبة

البدالي صافي الدين: الانتخابات في المغرب والديمقراطية المعطوبة البدالي صافي الدين
الديمقراطية كما عرفها اليونانيون القدامى، هي نظام علقات يحكم بين الناس فيما بينهم باختيار من يقود حياتهم السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية وهي تعني باليونانية "حكم الشعب " "lδημοκρατία" dēmokratía)‏)، وتتكون هذه الكلمة من جزأين الأول هو (Demos) ويعني الناس أو الشعب، والثاني (kratein) يعني الحُكم، وبذلك يكون مفهوم الديمقراطية لغةً هو حُكم الشعب أو حُكم الأغلبية، وسيكون هو أول نظام للحكم الديمقراطي انطلق من المدينة اليونانيّة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، في حين ظل حكم الاستبداد يسود في مدينة سبارت ( Sparte) اليونانية .
فالديمقراطية إذن تعني نظام حُكم تكون فيه السلطة العليا بيد الشعب، الذي يمارس سلطاته بشكلٍ مباشرٍ أو عبر مباشر يشارك فيه المواطنون المؤهلون كافة على قدم المساواة . أما الديمقراطية التي تجعل السلطة كاملةً ومتمركزة في شخصٍ واحد، أو على مجموعة من الأشخاص فهي ليست بديمقراطية بل تعتبر حكما دكتاتوريا أو الأوليغارشية يعني حكم الأقليات .
ولقد اجمع القادة السياسيون عبر العالم منذ زمن بعيد، مثل الرئيس أبراهام لينكون، جيم كيلكولين أندرو هيوود وغيرهم، بأن الديمقراطية هي حكم الشعب، من قبل الشعب، ومن أجل الشعب"، حتى أصبح نظام الحُكم الديمقراطي في العصر الحالي هو النظام المُفضَّل عند جميع الشعوب؛ حيث يعبر كل أفراده عن اختياراتهم من يتحمل إدارة الحُكم العام في البلاد.
ويبقى التنزيل للديمقراطية يختلف من مجتمع إلى أخر حسب المجال الجغرافي والنمو الديمغرافي وحسب المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مثل الديمقراطية الفدرالية، والرئاسية، والديمقراطية البرلمانية، أو تلك التي تعتمد على نسبة التّصويت، أو تلك التي تعتمد على تصويت الأغلبية. فالديمقراطية إذن ترتكز على مجموعةً من القواعد والمبادئ و الإجراءات التي تتمحور حول الحرية وحقوق الإنسان و ربط المسؤولية بالمحاسبة، و ممارسات من شأنها تجعل من المجتمع مجتمعا ديمقراطيا .
أمام هذا المفهوم للديمقراطية وطريقة تنزيلها وقواعد إجرائها نتساءل عن الديمقراطية في بلادنا المغرب. هل نعيش كرمها أم نعيش ضيق طابور الاوليغارشية ؟ أم نعيش حكم الاقلية كما تعرف في العصر الحديث الذي يستدعي كل الاساليب الدفاعية من أجل عزل للقوى الديمقراطية في مقابل الاعتماد على قوى حزبية مبنية على الإقطاع وعلى الريع و الامتيازات وعلى الأعيان طيعة في يد النظام الحاكم .؟
لمعرفة ما نحن فيه لا بد من الوقوف على طبيعة الديمقراطية في بلادنا عبر التاريخ السياسي.
لقد ظلت الديمقراطية بمفهومها العلمي وبقواعدها الإجرائية في المغرب بين الاختيار و الرفض، أي بين اختيار القوى الديمقراطية و رفض النظام الحاكم الذي يمتلك كل السلطات مفعمة بالبيعة و بالولاء و بإمارة المؤمنين و الاعتماد على القوى الحزبية المبنية على المال والأعيان وعلى بناء فكري طيع في يد الحكم . هذه التركيبة للسلطة وركائزها الموروثة عن السلاطنة المغاربة، جعلت الشعب المغربي يعيش تداعيات الاوليغارشية التي هي الخطر الذي يهدد الحرية المدنية والتي أدت إلى مظاهر السيبة والتمرد وأدت إلى فرض الحماية الفرنسية. . وبعد الاستقلال ظل الشعب المغربي يتطلع إلى الديمقراطية الحقة كما هو الشأن في الدول المتقدمة، لكنه لم يعش طعمها في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي بنفسه ولم يعش دفئها الذي تتولد عنه الممارسة الديمقراطية في شموليتها، أي المناخ السياسي الذي توفره في المجتمعات الديمقراطية. فمنذ بداية الاستقلال ومطلب الديمقراطية كان موضوع صراع بين النظام المخزني والمعارضة، لأن النظام كان له مفهوم أخر للديمقراطية وممارستها. أي التحكم في المسار السياسي للبلاد باختزال الديمقراطية في العمليات الانتخابية التي تعتمد قواعد التزوير لفائدة الأحزاب الإدارية التي تخرج من رحم وزارة الداخلية في كل مناسبة انتخابية، تكون أحزاب موالية وعند الطلب في المواسم الانتخابية أو في عمليات الاستفتاءات التي عرفها المغرب من أجل التحكم في المشهد السياسي. وبذلك جعل الديمقراطية مشروطة ومرتبطة بأهدافه وبرغباته لا بتطلعات الشعب المغربي.
ونتج عن هذا الاختيار مقاطعة استفتاء دستور 1962 وفشل تجربة الانتخابات 1963 مما أدى إلى احتقان اجتماعي أدى إلى أحداث 23 مارس 1965 و بعدها حالة الاستثناء و المحاكمات و الاغتيالات والاختطافات في صفوف المعارضة حتى أصبح المطلب الشعبي العام هو الكشف عن المختطفين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و أصبح مطلب الديمقراطي غير وارد في الحقل السياسي المغربي المرشحون لانفراد النظام بالحكم في البلاد مما جعله يعيش أزمتين في بداية السبعينات من القرن الماضي، الأزمة الأولى هي أزمة البيت الداخلي لما قام ضباط من الجيش المغربي بعمليتين انقلابيتين فاشلتين بقيادة ضباط مقربين من المربع الملكي ، فالعملية الأولى المسماة بانقلاب الصخيرات 10 يوليوز 1971 و الثانية في 16 غشت 1972. أما الأزمة الثانية فكانت سببها المعارضة بالخارج وبالداخل حيث برزت حركة مسلحة كانت تستهدف النظام المخزني في مارس 1973 والتي تم القضاء عليها وهي المعروفة بأحداث مولاي بوعزة.
وفي خضم تبعات هذه الأزمات لجأ النظام إلى الزج بعدد من عناصر الجيش في معتقلات سرية بالجنوب وإلى إعدام أخرين، كما قام بإعدام مجموعة من معتقلي أحداث مولاي بوعزة. ولامتصاص غضب المرحلة التي عرفها الشعب المغربي، نظم المسيرة الخضراء لاسترجاع الأقاليم الصحراوية و قطع الطريق على المعارضة التي ظلت تطالب بتحرير الصحراء المغربية و التي كانت مطالبها نابعة من صلب حركة التحرير الشعبية . ثم أعلن عن تنظيم انتخابات جماعية وبرلمانية خلال الموسم 1976/1977 في خطابه بمناسبة عيد الشباب في 8 يوليوز 1976 معلنا عن طي صفحة الماضي وعن إرساء الديمقراطية في البلاد، ذلك الإعلان الذي جاء ليغطي جريمة اغتيال القائد الثوري عمر بنجلون في دجنبر 1975 على يدي الظلاميين الذين أتخذهم النظام كدرع ضد القوى الديمقراطية في المغرب حتى لا تستطيع قيادة الجماهير الشعبية.
وقد تجلى ذلك في الانتخابات الجماعية والمجالس الإقليمية و البرلمان وما شاب هذه العملية من تزوير مكشوف و من التضييق على المعارضة الاتحادية . إذن جاء النظام بديمقراطية وصفها أذناب النظام بالديمقراطية الحسنية و هو مفهوم خارج القاموس السياسي للديمقراطية .لأنها تفتقد إلى القواعد الديمقراطية و إلى ألياتها الشيء الذي جعلها تعطي للأعيان او ما سمي بالمحايدين و الأحزاب الإدارية الأغلبية في جميع المؤسسات الدستورية . هذه الديمقراطية التي وصفها المؤتمر الثالث للاتحاد الاشتراكي سنة 1978 في بيانه الختامي بالديمقراطية في أبشع صورها. وفي انتخابات بداية الثمانينيات ظل النظام يعتمد الديمقراطية المعتقلة التي وصفها المتتبعون حينها بديمقراطية الأسياد وهو تعريف جاء بناء على شعور القوى الديمقراطية باستحالة الولوج إلى المؤسسات الدستورية ومنها البرلمان ، لأن الديمقراطية هي واحدة ، وهي الديمقراطية التي لا تسمح بحكم الأقلية أو بحكم الأسياد أو الأعيان وناهبي المال العام والثروات، وهي الديمقراطية التي من قواعدها المسائلة والمحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة والمساوات أمام القانون والتساوي بين الحقوق والواجبات والتوزيع العادل للثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إذن فالواقع الديمقراطي في بلادنا هو يعني ديمقراطية معطوبة أو معلقة إلى حين ، فالانتخابات لا تزال كسابقاتها ، لأنها عبارة عن استنساخ القوانين واللوائح الانتخابية والمرشحين وإعادة بعضهم دون استحياء إلى البرلمان حتى وإن قضوا فيه سبعة عقود والحياد السلبي لشراء الأصوات واستغلال النفوذ والسماح للمتابعين قضائيا في ملفات الفساد ونهب المال العام و التزوير بالترشيح في الانتخابات المقبلة ليتأكد سياسيا بان الديمقراطية في بلادنا هي ديمقراطية معطوبة، ولكونها كذلك فإنها ستجر البلاد إلى الانهيار الغير المرغوب فيه .