و هنا طرحت على نفسي أسئلة كثيرة و منها على الخصوص : لماذا تحولت العلاقة التربوية التي كانت متمحورة حول الاحترام المتبادل و العلاقة الروحية بين الأستاذ و التلميذ و المدرسة إلى علاقة عداء و كراهية بين هذه المكونات ؟ لماذا كان التلميذ يقف للأستاذ عند دخوله قاعة الدرس احتراما و تقديرا له ؟ لماذا كان التلاميذ يزورون أستاذهم إن مرض ,,, ؟ و لماذا نرى اليوم عكس هذه القيم الأخلاقية و التربوية و الإنسانية ؟ ثم لماذا كان الأستاذ يدافع عن تلميذه حتى خارج أسوار المدرسة ؟ و لماذا نرى اليوم عكس ذلك ؟ إن الأجوبة على هذه الأسئلة وجدتها في مسار السياسة التعليمية منذ مذكرة المقيم العام الفرنسي"اليوطي" التي وجهها إلى المدير العام للتعليم "كلستون لوت" بتاريخ 30 أكتوبر 1915و هي المذكرة التي كانت تهدف إلى تكريس التمييز الطبقي بين أبناء الشعب المغربي ، ثم بعدها إجهاض مطالب الحركة الوطنية بعد الاستقلال و التي كانت تدرك بأن البلاد في حاجة إلى تعليم وطني قوامه التوحيد و المغربة و تكوين الأطر و البحث العلمي . و لقد تجند النظام المخزني ضد هذه المطالب /الاختيارات و معه كل القوى الرجعية في البلاد التي تشبعت بالاستعمار و بتوجيهاته الاقتصادية الثقافية . و بالرغم من ذلك ظلت المدرسة صامدة بأساتذتها و بتلامذتها ضد الأعاصير التي تسعى إلى تدميرها بفك الارتباط الروحي بين الاستاذ و التلميذ . لكن بعد ثورة الشباب الجامعي الفرنسي سنة 1968 أصبحت المخاوف من الشباب المغربي المتعلم تقلق النظام و الرجعية معا ، مما جعلهما يخططان لسياسة تعليمية تهدف إلى قتل الهوية الوطنية و صناعة العنف و الكراهية بين مكونات العملية التعليمية من خلال إفراغ التكوين التربوي للأساتذة من محتواه و تحويله إلى سد الخصاص و ملء الفراغ و عزل المدرسة عن محيطها الاجتماعي و فرض اختيارات تربوية تكرس الأمية الثقافية و التطرف و العزوف من خلال برامج تضرب مواهب التلاميذ في العمق و تجارب فاشلة مستوردة تحت طائلة التعاون الثقافي ، مما حول المدرسة إلى مسرح العنف و العنف المتبادل .