مصطفى أيت علال: "صحيح البخاري نهاية أسطورة" نداء جديد لإعمال العقل في الثراث الديني

مصطفى أيت علال: "صحيح البخاري نهاية أسطورة" نداء جديد لإعمال العقل في الثراث الديني

كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" لصاحبه رشيد ايلال غير مهدى إلى من زندقوه أو كفروه أو جهلوه أو هددوه، قبل الطبع وبعده، بل هو مهدى "إلى كل من أعيته تناقضات وخرافات المرويات، وحار أمره بين تمحيصها أو تقديسها"، وهو واحد منهم. والهدية كيف ما كانت، حتى وإن قلت قيمتها بالنسبة لمن أصيب بالحيرة والعياء، تبقى التفاتة تستحق كل التقدير، خاصة إذا كانت من رجل انخرط في الحركة غير المسبوقة التي تناولت التراث الديني بالنقد ومنه المرويات المنسوبة للرسول، وخاصة الواردة في الكتاب المعروف بصحيح البخاري، الذي يعتبر عند العديد من المحدثين والدعاة والشيوخ والائمة من أصح الكتب بعد كتاب الله، وأضفيت عليه وعلى صاحبه عدة صفات رفعته إلى مقامات بلغت حد الإجلال والتقديس.

تقدير هذه الهدية لن يتجسد إلا بقراءة الكتاب والتفاعل معه بالنقد البناء في مضامينه ومنهاجه، والكشف عن نقائصه وإضافاته، وعن المكرر أو المنقول عن غيره والجديد فيه.

في قراءة أولية لهذا الكتاب يتبين أن رشيد أيلال أولى اهتمامه بثلاثة جوانب أساسيةن هي: الحديث، وشخصية البخاري، وصحيحه، ورفع القدسية عنها جميعها.

وقد استعان في الدفاع عن آراءه، بالتناقضات القائمة بين المرويات، وبينها وبين القرآن والعقل والعلم والواقع. معتمدا في ذلك على العديد من الوثائق المنتسبة إلى التراث الديني وعلى كتب ومنشورات بعض الباحثين والفقهاء المعاصرين، وعلى عملية التحقق من المخطوطات.

إن صاحب الكتاب يرفض الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، مادام أن الرسول منع الصحابة من تدوين كلامه، وسار الخلفاء الراشدون من بعده على نفس النهج، ويعتبر أن العديد منها مخالفا للقرآن وناسخا له، ومنها من دافعت عن المذهبية والطائفية التي كانت تغذي الصراعات داخل الدولة الاسلامية، ومنها المليئة بالخرافة والكذب على الرسول والمس بالقرآن واحتقار المرأة... فاستبدل المسلمون القرآن بالحديث حتى أصبح لهم دين آخر، رغم أن معنى الحديث كما جاء في القرآن هو كلام الله وليس كلام الرسول والصحابة والتابعين كما عند المحدثين والفقهاء والشيوخ.

ونفى رشيد أيلال العلمية على  "علم الحديث" و"علم الرجال" بمبرر غياب  أي أساس علمي (أكذوبة) ومادام التحقيق ينصب على السند لا على المتن، وما دامت الأحاديث لا تروى باللفظ بل بالمعنى، ويرويها من يتناقلها بما تبقى من هذا المعنى.

وفي تناوله لشخصية البخاري اعتبر أن سيرته المفعمة  بالتعظيم مبنية على أحلام النوم التي روتها أمه، ورواها هو عن نفسه، ورواها محدثون، حول البخاري والانبياء. ومبنية على الغلو والإفراط في مدح البخاري حتى تحول إلى أسطورة خارقة لا يشبه البشر، فهو يكلم الرسول ويقهر الاوبئة وكتابه أصح الكتب، وله قوة خارقة في حفظ الاحاديث وتحقيقها، وجعله البعض لا ينسى حتى أنه أقوى من الرسول في حفظ القرآن.

ويشكك المؤلف في أن تكون للبخاري القدرة على حفظ الكم الهائل من الاحاديث (أكثر من 600 ألف حديث) ولا التحقيق فيها مقارنة مع سنوات عمره التي قضاها في تأليف الصحيح المنسوب إليه.

وحول كتاب الصحيح، يعتبر رشيد ايلال أنه لا يوجد إجماع على صحيح البخاري. وتم تضعيف العديد من أحاديثه وتجريحها وتركها من طرف بعض الفقهاء، لأنها مرويات أو بخاريات تسيء إلى الرسول، وإلى الدين.

واعتبر أن مخطوط صحيح البخاري غير موجود وما وجد من نسخ كتبت في زمن متقدم عن زمنه بمئات السنين وهي مختلفة فيما بينها، وهي بهذا لا يمكن أن تكون من تأليف البخاري.

ما توصل إليه رشيد ايلال في كتابه "صحيح البخاري نهاية أسطورة" ليس بالجديد الذي نقرأه لأول مرة، بل منه ما تناولته مؤلفات تعود إلى العصر الوسيط، ومنها ما هو حديث ومتداول بواسطة منشورات وفيديوهات على المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية، وينتمي أصحابها إلى علم الفكر والدين. وما قام به هو تجميع للأفكار التي تخدم موضوعه الذي هو إنهاء أسطورة البخاري.

ويبدو أنه لم يستثمر العديد من المعطيات المتاحة له من المصادر التي اعتمدها لتزكية أطروحته وتقريب القارئ بشكل أكبر من القضايا التي تناولها، وعوض ذلك بالإطناب في نقل المرويات.

كما أنه أنهى كتابه دون تناول موضوع الخلط القائم بين السنة القولية والسنة العملية عند العامة التي لا ينكرها القرآنيون، الذين ينتمي إليهم، مما قد يؤدي إلى إساءة الفهم عند القراء.

ويبقى الكتاب من حيث قيمته العلمية خاليا من أي جديد، لكن يمكن اعتباره بمثابة نداء جديد للعقل من أجل مراجعة التراث الديني وتنقيته لمواجهة الخرافة والتطرف والاساءة للمرأة... وللدين الإسلامي نفسه، ومن أجل رفع القداسة على المحدثين. كما أن الكتاب يخدم الحركة الإصلاحية التي انخرط فيها العديد من رجالات الفكر والدين، بل وحتى رجال السياسة، وخاصة ملك السعودية الذي قرر مؤخرا إنشاء مجمع لعلماء العالم الإسلامي لمراجعة الاحاديث.