مونديال روسيا والحاجة إلى ثورة رياضية

مونديال روسيا والحاجة إلى ثورة رياضية

في أوج تألق ألعاب القوى المغربية، اعترف الملك الراحل الحسن الثاني، في خطاب له، أن الأجانب يعرفون المغرب بالبطلين العالميين سعيد عويطة ونوال المتوكل، وليس بالملك. وبانتزاع المنتخب المغربي لكرة القدم لورقة التأهل إلى مونديال روسيا 2018، استطاع 11 لاعبا «عرقوا ونشفوا»، لمدة 100 دقيقة (باحتساب الوقت بدل الضائع)، على أرضية ملعب "فيليكس هوفويت بوانيي" بالكوت ديفوار، مساء يوم السبت 11 نونبر2017، أن يجعلوا اسم "المغرب" يتردد على كل لسان في العالم، وهو ما يعزز ما قاله الحسن الثاني، بأن الرياضة تستطيع أن تقوم بما تعجز عنه السياسة والعلم والفن والثقافة والفعل الديبلوماسي.

فكم من الأجانب يستطيعون أن يتهجوا الخريطة المغربية، بأعلامها وحواضرها وتاريخها الممتد لقرون طويلة، بممالكها الأمازيغية وصراعاتها مع الفنيقيين والوندال والبزنطيين والرومان والعرب؟ كم من الأجانب يستطيعون أن يتعرفوا على الموقع الجغرافي لبلدنا، دون أن يستعين برياضييه، وعلى رأسهم اللاعبون المغاربة في أشهر الأندية العالمية، وعلى رأسها ريال مدريد (أشرف حكيمي) وبرشلونة (منير الحدادي) ويوفنتوس (المهدي بنعطية)، والقائمة طويلة؟

كم من أجنبي يستطيع أن يتآلف مع «موروكو» و«مارويكس» و«ماروك» دون أن يستظهر ما فعله الملاكمون المغاربة في المحافل الدولية، كما فعل محمد الربيعي (بطل العالم في وزن 69 كلغ) وحميد برحيلي ومحمد المصباحي والأخوان عشيق.. إلخ؟ من يذكر المغرب إلا مقرونا بأسماء بدر هاري وإسماعيل لزعر ومصعب العمراني.. إلخ، أبطال الكيك بوكسينغ؟

ولسنا بحاجة إلى تذكر أسماء، فاطمة عوام، وخالد السكاح، والزهرة واعزيز، ونزهة بيدوان، وخالد بوطيب، وخالد بولامي، وصلاح حيسو، وحسناء بنحسي، وجواد غريب، وهشام الكروج.. هؤلاء «النجوم» الذي تألقوا في سماء ألعاب القوى على المستوى الدولي، وأحرزوا العديد من الميداليات الذهبية، وحطموا أرقاما قياسية عديدة، وأدخلوا الفرحة إلى كل البيوت المغربية..

ولسنا بحاجة كذلك إلى تذكر الإنجازات المهمة التي قام بها أبطال التنس المغاربة، مثل يونس العيناوي وهشام أرازي وكريم العلمي وبهية محتسن الذين تجاوزت سمعتهم حدود المغرب، وأصبحوا من أوائل المصنفين على المستوى الدولي..

إن الإنجاز الذي حققه المنتخب المغربي لكرة القدم بتأهله لمونديال روسيا يمنحنا فرصة للالتفات إلى مجموعة من الرياضات التي تراجعت إلى الخلف، والحال أنها كانت تعود على المغرب بالعديد من المكاسب، وتحديدا رياضة ألعاب القوى التي عاشت مع إنجازات الأبطال المغاربة السابق ذكرهم «أيام عز»، حيث تعودنا على العلم الوطني يرفرف عاليا في أكثر من محفل دولي، وهو الإنجاز الذي لا بد من رعايته وإعادة الألق إليه. ولا ننسى أن رفع العلم المغربي أو صدح النشيد الوطني يضع المغرب في قلب الاهتمام العالمي.

وإلى جانب ألعاب القوى لا بد من الاهتمام أيضا برياضة التنس، ونحن نعلم أن هذه الرياضة تستقطب اهتمام  العديد من كبار الشخصيات والمشاهير في العالم، وأن نعمل على تكوين جيل جديد من الأبطال القادرين على المنافسة الدولية، والمشاركة في مباريات ويمبلدون ورولان غاروس وغيرها من البطولات العالمية الشهيرة.

فالمغرب ليس له بترول أو غاز، ولكنه يملك نساء ورجالا، إن وجدوا من يأخذ بيدهم ويواكبهم لتم صنع المعجزات، وهي معجزات تحققت فعلا مع رياضيين رفعوا راية المغرب إلى الأعلى، لدرجة أن المغرب يشبه من كان يملك «أصلا تجاريا» وفرط فيه: ألم نكن نحن أسياد مضمار ألعاب القوى في العالم طوال20  سنة؟ ألم يبصم أبطالنا بصمة المغرب في مختلف ملاعب التنس بالعالم؟

المغرب يبحث عن السواح والمستثمرين وينفق في سبيل الدعاية الملايير ليظفر بمرور عابر لبضع ثوان في هذه القناة الدولية أو تلك، في حين أن تألق الرياضيين المغاربة يجعل القنوات العالمية تتسابق لنقل الحدث دون أن تتحمل الخزينة العامة كلفة هذا الإشهار العالمي والمجاني.

إن نشوة الفوز على الكوت ديفوار لا ينبغي أن تنسينا شيئين رئيسيين:

أولا: مونديال روسيا يفترض الانكباب على البدء في الاستعدادات الجدية منذ الآن تحضيرا لصيف 2018 طمعا في مشاركة متألقة وتجاوز عقدة الإقصاءات المبكرة من المونديال.

ثانيا: نفض الغبار عن الجامعات الرياضية لإسنادها لمن يستحقها ولمن سيقدم قيمة مضافة للرياضة الوطنية مع القطع مع سياسة «الإقطاعيات» القائمة على توزيع رئاسة الجامعات الرياضية كغنائم توزع على الأقارب والحواريين.

ولتكن هذه المحطة بمثابة العداد الصفر لإحداث ثورة رياضية تروم إنتاج أبطال في ألعاب القوى والتنس وغيرها من الرياضات بعد خمس أو ست سنوات، لنضمن للمغاربة الحق في أن يروا راية وطنهم ترفرف في المحافل العالمية.