عتيقة الموساوي: تنتهي القصة.. إلا أن الأحلام لا تنتهي

عتيقة الموساوي: تنتهي القصة.. إلا أن الأحلام لا تنتهي عتيقة الموساوي
تُرغمنا الحياة أحيانًا على أن نغيّر مسارنا.. والدروب التي نسيرّها وقد يخيّل إلينا في لحظة ضعفٍ أن نتخلّى عن أحلامنا، أو نبتعد عن الأشياء التي أحببناها، أو تمنينا تحقيقها،  غالبا ما تكون أهدافا أو رؤى شاملة متطلعة للمستقبل  فتتحول في مسارات ذواتنا بوعي وادراك  كسنابل القمح تتقلب مع الرياح لكنها لا تسقط. أحلام لا تنتهي كسفينة تاخدها أمواج بحر عاتي تتقاذف من أعلى إلى أسفل .. ليباغتنا القدر عند المنحنى والصعود  فجاة بأحلام أخرى جديدة .. ففي بعض الانكسار يولد حلم جديد .. فالأحلام لا تسقط بنهاية قصة ..
من منا لم يتعرض لتجربة خابت فيها ظنونه وجرت الرياح بما يحول دون نفسه ..يقول محمود درويش في احدى قصائده سأصنع أحلامي من كفاف يومي لأتجنب الخيبة .. ولم يكن يعرف أننا نصنع أحلاما دون أن ندرك ذلك.  ففي بعض خيبات التغيير قدر يصنع الإنسان  من جديد..نحن من يصنع الاعتقادات الخاطئة ويؤمن بها. في نظرية علم النفس يقول الفيلسوف مايكل  ماهوني نحنُ نتوقع، نحن نقدم في الحياة. نحن نتعثر في تقدمنا نحو كياننا. وكمحلق في سقوط حر، أو باستعمال طائرة شراعية، أو كبحار، أو كمتزلج تؤثر وضعيتنا في تلك العملية شكلها واتجاهها. نحن نتحرك في قلب قوى أكبر بكثير من ذواتنا، لكن لنا رغم  كل ذلك صوتٌ واختيارٌ ضمن هذه القوى. ربما لا نقدر على التحكم  فى النجوم أو الرياح، لكننا قادرون على تعلم كيفية قراءتها قراءة حسنة، وعلى توجيه سفننا وأفعالنا إلى جهات تخدم حركتنا. وخوفًا من أن تكون هذه الأصوات كلها طموحة أو جريئة جدًا؛ يمكننا أن نتعلم أيضًا فن السكينة والتقبل المقدس في الدوامة اللامنتهية من المحاولة والاستسلام”
نعم .نحنُ نتغير دومًا من ناحية ما، فمرور الزمن، والمدّ والجزر في محيطنا يُبدل شكل وجودنا ولا مناص من ذلك. وهذا النوع من التغيير الحتمي الذي لا يد لنا فيه ولكننا معنيون بالتغيير الذي يؤدي لنمو الذات وتطورها،
ففشل أغلب خططنا التي نعدها لإصلاح ذواتنا وتطويرها يقتضي منا إعادة النظر في الفلسفة التي تصاغ بها هذه الخطط، وحرية الاختيار مكفولة لنا.  لكن السعي  للتغيير الإيجابي والحلم به شيء والسعي له بجد وحزم شيء آخر.
حتى لا نبقى رهيني الأفكار غير الواعية تحكم أفعالنا، وتجعلنا كمن لا يملك السيطرة على حياتنا. وتوقعاتنا الضمنية ولا نلحظ الأحداث إلا عندما تفشل تلك التوقعات، أي إننا نصبح واعين بالظروف عندما تستحق.
 حتى الفزبائيون أمثال انشتاين يؤمنون في الزمن بالوهم العنيد اذ يستمر في الانطلاق كالسهم للأمام  ولا يمكن التحكم فيه عكس الاعتقادات السابقة التي تجعله خلفية تابتة للكون كديكور مسرحية يتحرك فيه الممثلون ويؤدون ادوارهم باحترافية بأثر و تأثر جيئة وذهابا بين دروب الحاضر واالمستقبل ..ومهما تكن من نظريات علم النفس في الماضي والحاضر والمستقبل يبقى إدراكنا محكوم بتصرفاتنا  وعدم الادراك في وعينا الآواعي الذي يختزن الموروثات.. وما نقوم به من تصرفات  ليس بمعزل عن أقدارنا  على الأقل نحن كمسلمين. 
اذن كيف يمكن ان نفهم ونرضى بالقدر وتقلباته؟ يقول الدكتور علي الصلابي وهو مؤرخ وفقيه ومفكر ليبي أن القدر والقضاء هو تقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة وكتابته سبحانه لذلك ومشيئته .. لابدَّ هنا من البيان أن تقسيم القدر إلى خير وشر، إنما هو بإضافته إلى الناس والمخلوقات، أما بالنسبة لله عز وجل، فالقدر كله خير وحكمة وعدل ورحمة من الله سبحانه الذي قضى بتقدير المصائب والبلايا وكل ما يكرهه الإنسان لحِكم كثيرة من أبرزها، إن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله، سبحانه وتعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج عن إرادته الكونية شيء. ومن الأدلة في القرآن الكريم  "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" . 
ويوصينا  النبي صلى الله عليه وسلم بتدريب النفس على ذلك؛ فإن انشرح صدر المومن يسر وهو الخير الذي اختاره الله، وإن جاء الأمر على عكس ذلك فعليه أن يفرح، لأن الله صرف عنه شرًا وأختار له ما يصلحه، ولو لم يدرك الحكمة فلتطمئن نفسه ولا يبقى متعلقاً بهذا الأمر، أو قلقاً من أجله.
وحتى نرتقي في توطين النفس  بصورة ايجابية نحتاج الى فهم أن التغيير الذاتي هو صورة  التعامل الحذر والواعي ضد وسوسة الشيطان اد ان عمله يكون كبيرا خصوصا إذا ما علم ان هدا الانسان سوف يجعل منه التحول أكثر قوة،   هنا يجد الانسان نفسه في صعوبة بالغة لمواقف مختلفة من الحياة،  سر يستند على تغيير القيم التي تخالف العقيدة وفطرة الانسان . فمثلا خسارة إستتمار فرص محتملة قد يلقي بها البعض باللوم  على أحد الأقارب او الأصدقاء أو شيء معين..   في تفكير سلبي وتشتت ذهني وانهزامية  لقوله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان جاثم على قلب بني آدم يسيطر علينا ويوسوس ويجعلنا ندور في فلكه والعياد بالله.
ان التعامل مع هده المرحلة  في تحدياتها يحتاج العزم على النظر الى المستقبل والاستفادة من الخبرات الماضي ..
حريتنا في الاختيارات قدر محتوم محكوم والقضاء كنتيجة  ... ففهم باب القدر على الوجه الصحيح و لو إجمالا له أهمية كبرى في حياة الإنسان و أكثر الخلق ضلوا فيه و اعترضوا على قضاء الله فحرموا الإيمان به وفقدوا ثمرات النجاح.
وبين قصة تبدأ وقصة تنتهي حلم مر وحلم آت..  أدركت ان للقدر أليات نتيجتها  حسن الظن بالله و معرفة الله المسبقة للكون في تصريف الزمان والمكان الانساني،  فنحن من يختار ونحن من يحاسب على الاختيار ..و آن الأوان لاسترجاع إختياراتنا الخاطئة.. فقصور فهمنا للقدر يجعلنا نحمله ما كان يجب علينا تحمله. حقيقة العلم بالله رحمة والإيمان بالقدر خيره وشره ، ولقوله صلى الله عليه وسلم  "ما كان ليصيبك يخطئك وما اخطأك لم يكن ليصيبك ."
صدق رسول الله.
عتيقة الموساوي كاتبة