محمد الدرويش: العنف التربوي ظاهرة غريبة عن مجتمعنا يجب محاربتها لأن التربية مسؤولية الجميع

محمد الدرويش: العنف التربوي ظاهرة غريبة عن مجتمعنا يجب محاربتها لأن التربية مسؤولية الجميع

العنف تصرف بفعل إرادي أو بردود فعل سلبية تجاه الآخر، قد يكون من فرد تجاه فرد أو جماعة أو من جماعة ضد فرد أو ضد جماعة، وهو تحويل لحالات نفسية إلى فعل أو أفعال انتقامية من الآخر/ الآخرين بأشكال ينتج عنها أذى، إما نفسي وإما اجتماعي وإما اقتصادي وإما جسدي.

ويتخذ العنف أشكالا متعددة، منها اللفظي، ومنها الجسدي، ومنها الجنسي ومنها المعنوي... وللعنف عدة أسباب تتراوح بين الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والنفسية والنتائج المباشرة لمقتضيات التنشئة الاجتماعية والتأثير الآني لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها ومستويات برامجها وأشرطتها، وخصوصا منها الإعلام المرئي والمسموع والوسائط الاجتماعية مما تبثه من ظواهر العنف والرعب والكراهية والإباحية المطلقة والحقد.

ونعتقد أن العنف ظاهرة تعرفها كل المجتمعات بطبقاتها الاجتماعية المتباينة، وهي غير مرتبطة بالسن أو الجنس أو العرق أو الدين، لأن منفذيها ضحايا تنشئة اجتماعية خاطئة وسيئة ومنحرفة تغذت من الحقد الطبقي المجتمعي، وقامت على قساوة المعاملة والإهمال وعدم الاستقرار وانعدام الحنان والعطف والتوجيه نحو الحقد والحسد والغيرة وكراهية الآخر.

ونحن إذ نتابع بقلق شديد واهتمام بالغ ما يحصل من اعتداءات واستفزازات ضد أساتذة أو طلاب أو إداريين من قبل بعض التلاميذ والطلاب ببعض المؤسسات التربوية، في كل مستوياتها، من حين لآخر، هنا وهناك، وبشكل منعزل، من مثل ما حصل بمدن تارودانت وورزازات والرباط والقنيطرة وسيدي بنور وبركان وسلا، وما حصل -قبلا وخلال سنوات مضت- بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية وكلية الآداب مكناس وكلية الآداب تطوان وكلية العلوم القنيطرة وكلية الآداب اكادير وكلية العلوم وكلية الحقوق بمراكش وبفاس وتازة وبالموقع الجامعي الرشيدية وغيرها من المواقع، التي اعتدى فيها طلاب على أساتذتهم أو على طلاب مثلهم أو على إداريين في خدمتهم، وأحيانا أخرى يحدث تبادل العنف بين مكوناته، وكل هذا أمر لا علاقة له بمنظومة التربية والتكوين بمستوياته الثلاث وأخلاق مكوناته الثلاث: الأستاذ والطالب والإداري.

وليس لي إلا أن أعلن عن تضامني اللامشروط مع كل الأساتذة والإداريين والطلاب والتلاميذ، الذين يتعرضون للعنف بكل أنواعه من موقعي الجامعي والاجتماعي والسياسي والفكري، كما أني أعلن عن تنديدي بما حصل مؤخرا للأساتذة، كما أني أعبر جهرا عن رفضي لهاته الظاهرة ذات المظاهر الاجتماعية والتربوية الغريبة عن مجتمعنا.. وبالمناسبة فإني أسجل تضامني مع الحركات الاحتجاجية بخوض الاضراب وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والتوقف عن العمل لمدة ساعة، والتي أعلنت عنها النقابات التعليمية المنتمية للمركزيات النقابية الست، وكذا النقابة الوطنية للتعليم العالي.

إن الفضاء المدرسي والجامعي كان دائما، ويجب أن يظل مكانا للعلم والمعرفة والتربية والتكوين وصناعة النخب وإعداد المواطن الحق المتشبع بأخلاق المواطنة، والتي تجعل منه فاعلا أساسا في التنمية والتطور والتقدم بكل أنواعه ومستوياته، وجسرا تواصليا مع الآخر في المغرب وخارجه مؤمن ومقتنع بالحوار والنقاش الهادئ المتزن والقائم على أساس الوحدة على الاتفاق والاختلاف، لأنه فضاء مدرسة الحياة وحبها والعمل بكل الوسائل من أجل غد أفضل للجميع في وطن يتسع لكل المغاربة، إيمانا منا بأن تحصين المجتمع المغربي لن يتم إلا عبر مجموعة من المداخل، وفي مقدمتها المدخل التربوي لأن التربية أحد مفاتيح التمدن والتحضر والوطنية.

إن ظاهرة العنف التي باتت تتكاثر يوما بعد يوم في بعض مؤسسات منظومة التربية والتكوين بكل مكوناتها، ظاهرة غريبة عن المجتمع المغربي وعن أسرة التربية بكل مكوناتها.. وعليه ندعو الحكومة من جهة إلى مراجعة مضامين البرامج التعليمية وطرق ومناهج تلقينها والعمل على إلزامية التعليم الأولي لكل الأطفال ما قبل الست سنوات، وكذا تفعيل الحياة المدرسية بأنديتها التربوية والحقوقية والبيئية والترفيهية وغيرها، وكذا توفير الأطر التربوية المتخصصة في علمي النفس والاجتماع والمنشطين التربويين.. كما ندعو المجتمع المغربي بكل مكوناته ومسؤوليه الى تحمل المسؤولية الكاملة في التأطير والتكوين والتوعية ودعم مبادرات التربية على المواطنة بكل قيمها الإنسانية والأخلاقية، وعلى إذكاء ثقافة الحوار والسلم والتعايش.. فعيب كل العيب أن تصيب هاته الظاهرة نخب المجتمع، وليس لنا إلا أن نعلن تضامننا مع كل ضحايا ظاهرة العنف في المنظومة من تلاميذ وطلاب وأساتذة وإداريين وفي المجتمع بكل مكوناته ومرافقه، ظاهرة مرفوضة في مجتمعنا بكل المقاييس والقناعات والعقائد الفردية والجماعية.. لذلك نوجه نداء لكل ضمير حي لمحاربة هاته الآفة الغريبة عن مجتمعنا، فالتربية مسؤولية الجميع، أسرة وقطاعات حكومية وجماعات منتخبة ومؤسسات عامة وخاصة وجمعيات الآباء ومنظمات المجتمع المدني.

كما ننادي بتحصين الرسالة التربوية بكل الوسائل، وفي مقدمتها التنصيص على تكريم أفراد أسرة التربية والتكوين، أساتذة وإداريين وتلاميذ وطلاب.. فالقضية مسؤولية المجتمع بكل مكوناته.