الرهان على بعث هذه الطبقة الاجتماعية التي تعتبر أساس كل توازن اقتصادي، واستقرار سياسي، وتنمية مستدامة، بل وضامنة للسلم الاجتماعي، وحماية المجتمع من كل تقاطب طبقي مميت، هو رهان في حاجة إلى دراسة وتمحيص لتحديد الرافعات الحاسمة في سياق جعله رهانا قابلا للتحقيق والتحقق الاجتماعي والاقتصادي...
من هنا، يبدو أن أكبر عنصر يحدد مصير هذا الرهان يتعلق بالأحزاب السياسية التي ستتنافس خلال هذه الصيف على المناصب، ومدى قدرتها على حلحلة الأوضاع لعودة الطبقة المتوسطة إلى مواقعها ولعب أدوارها في إنتاج النخب والثورات والخدمات الاجتماعية التي هي وحدها القادرة على دوامها وتجويد نوعيتها كما وكيفا...لهذا بات من المستعجل طرح جملة من الأسئلة على هذه الأحزاب المرشحة لقيادة الحكومة القادمة والتي ستكون بقوة الرهان الحالي ملزمة بإيجاد السياسات العمومية القادرة على تنزيل النموذج التنموي الجديد وخاصة بلورة الشروط الاقتصادية والاجتماعية لتقوية موقع الطبقة المتوسطة...
أهم سؤال في هذا السياق هو هل الحزب الليبرالي قادر على حمل شعار خلق وتنمية الطبقة المتوسطة من خلال إضعاف الطبقة الغنية التي تحتكر الثروة والسلطة؟
هل الأحزاب التي ولدت في رحم الإقطاع قادرة على تغيير أزيائها التقليدية وجلابيبها الحريرية لممارسة نوع من الانتحار الطبقي يجعلها تلقي بنفسها في بحر التضحية "الإنسانية" لإنقاذ هذه الطبقة من الغرق النهائي أو الذوبان فيها قصد إنقاذ ذاتها وهذه الطبقة معا؟
هل الأحزاب الإسلاموية تحب الطبقة المتوسطة، وتراهن عليها للعودة إلى السلطة، أم أن وضعها الطبقي يجعلها دوما في خدمة الرأسمال وأصحابه، والخضوع لتوجيهاته، والعمل على تحقيق مشاريعه، ولعل هذا ما فعله الحزب الإسلامي الحاكم الذي فتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص ليتسلل إلى قطاعات الصحة والتعليم والسكن، ويحكم بالإقصاء النهائي لأبناء الطبقة المتوسطة والشعبية من كل تسلق أو تغيير المواقع الطبقية المفروضة؟
السؤال العريض هو أين هو الحزب اليساري الذي وحده القادر فعلا وبقوة التاريخ والإيديولوجيا على النهوض بأوضاع الطبقة المتوسطة لأنها هي قاعدته الطبيعية تنظيميا وفكريا وسياسيا وانتخابيا ومصيريا؟ الإتحاد الاشتراكي أنهكه التعثر في هوامش المناورات الانتخابية والتقلبات الظرفية التي جعلته مجرد كومبارس في أية حكومة حالية أو قادمة، لكن فيدرالية اليسار الديموقراطي التي يمكن لها النهوض ولو شعاراتيا بهذا الرهان تتعثر في صراعات هامشية قبيل الانتخابات، مع بعدها المزمن عن مصالح هذه الطبقة والطبقات الشعبية بحكم عدم قدرتها على اختراق الحصون القديمة وترقية خطابها بلاغيا واجتماعيا ليصبح بالفعل حداثيا وقادرا على تعبئة الناس واستعادة ثقتهم في مشروعه السياسي لليسار ككل...
لكن الوضع الحالي لهذا اليسار يوحي بالكثير من المشاكل التنظيمية بل وحتى الإيديولوجية... في ظل هكذا أوضاع سيظل شعار تنمية وترقية الطبقة المتوسطة في حاجة ليسار قوي بعقيدة طبقية حقيقية وتحالفات موضوعية لإنقاذ البلاد من كل تقاطب مميت بين الغنى الفاحش والفقر المدقع...