محمد بوبكري:" سعيد شنقريحة" مصاب بوباء التسلط

محمد بوبكري:" سعيد شنقريحة" مصاب بوباء التسلط محمد بوبكري
لقد ألقى مؤخرا "سعيد شنقريحة" خطابا في ولاية "ورقلة" قدم فيه، كعادته، وعودا كاذبة، لأنه لم يسبق له أنجز أي شيء، حيث إن حصيلته هي العنف والنهب والتهريب. كما تحدث في خطابه هذا عن وجود متهورين معتوهين متعطشين للسلطة، ما يعبر عن رغبته في التمسك بالسلطة، ويعكس عداء نظام العسكر لمبدأ التداول على السلطة.
وقد تطرقت افتتاحية مجلة "الجيش"، الناطقة باسم الجنرالات، لهذا الخطاب، حيث ذكرت بمضمونه. وتفضي بنا قراءة هذه الافتتاحية، بتمعن، إلى الخروج بالخلاصات الآتية:
لقد أشار "شنقريحة" إلى الظروف الأمنية الصعبة التي تعرفها المنطقة، لكنه نسي الحديث عن الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية التي تعيشها الجزائر، حيث يمارس الجنرالات ومخابراتهم مختلف أشكال العنف والقمع ضد الشعب الجزائري الذي يطالب بحقوقه، حيث يقوم الجنرالات بمحاصرة أحياء ومدن بكاملها، حتى لا يخرج الشعب للتظاهر ضد نظام العسكر.
كما تحدث "شنقريحة" عن وجود أصحاب النوايا السيئة، الذين يعملون على تأجيج الوضع في الجزائر وتأزيمه، ومحاولة المساس بسمعتها وأمنها، حيث إن "شنقريحة" ينكر أن نظام العسكر الذي يمارس كل أشكال القمع والنهب والتهريب هو الذي يسيء إلى سمعة الجزائر والجيش معا. وما يؤكد ذلك، هو أن هذا الجنرال قد وجه تحذيره لمعارضيه، قائلا: "أتوجه بالتحذير لكل من تسول له نفسه المريضة والمتعطشة للسلطة، بأن الرد سيكون قاسيا وحاسما".
هكذا، فإن هذا الجنرال يعتقد أن السلطة يجب أن تبقى حكرا عليه وعلى عصابته، ولا يمكن لأحد أن يكون له أي طموح للوصول إليها. هذا ما جعله ينعت كل من يريد الوصول إلى السلطة بأنه مريض. لكن، أليس المريض هو من يتشبث بالبقاء في السلطة بدون أية شرعية؟ وهذا ما يؤكد أن " شنقريحة " وأفراد عصابته هم مرضى بالتسلط، حيث هم مهووسون بالسلطة إلى حد إنكار وجود الآخر وقمعه واعتقاله واغتياله، وهو ما يدل أيضا على أن هذا الجنرال يرفض التعددية ومبدأ التداول على السلطة، إذ يحرم الآخر من حقه في الوجود، ما يفيد أنه يرفض حق المعارضة في الوجود، حيث لا يمكن تصور حياة سياسية بدون اختلاف ومعارضة. كما أن المعارضة الفعلية هي التي تسعى إلى السلطة، لأن المعارضة التي لا تسعى إلى السلطة هي مجرد طفيليات، لا مبرر لوجودها.
فضلا عن ذلك، فإن "سعيد شنقريحة" يعبر عن ضرورة احتكاره للسلطة، ما يعد مرضا، لأنه يروم رفض مبدأ التداول على السلطة. لذلك، فإن هذا الجنرال وعصابته لا يفهمون أن احتكارهم للسلطة هو سبب كل المآسي والمشكلات التي تعيشها الجزائر، حيث ينقلب الجنرالات على بعضهم البعض، كما أن بعضهم يغتال البعض الآخر بسبب الهوس بالسلطة واحتكارها والصراع عليها. لقد قاد احتكار الجنرالات للسلطة إلى استفحال المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما أدى إلى انفجار الحراك الشعبي السلمي في وجههم. أضف إلى ذلك أن النزعة التوسعية لنظامهم هي التي دفعتهم إلى افتعال مشكل الصحراء المغربية والإنفاق المبالغ فيه على التسلح الهجومي، حيث يسعى حكام الجزائر الى التوسع على حساب المغرب وموريتانيا وتونس وليبيا، وتشاد، ودول منطقة الساحل، الأمر الذي دفعهم إلى تكوين جماعات إرهابية وتمويلها بهدف استعمالها للتوسع على حساب جيرانهم. هكذا، فقد أعمت هذه النزعة التوسعية بصرهم وبصيرتهم، فصاروا ينفقون أموال الشعب الجزائري على التسلح وعلى مليشيات "البوليساريو"، وعلى جماعات إرهابية أخرى على حساب توفير شروط التنموية للجزائر من أجل تلبية الحاجات الأساسية للشعب الجزائري، الذي بات يعاني من التجويع والتجهيل، وانعدام السكن اللائق، والافتقار إلى منظومة صحية...
إذا كان جنرالات الجزائر يرفضون المعارضة، فإنهم لا يعترفون بالتعددية، ولا بالديمقراطية. وبذلك يكون "سعيد شنقريحة" قد فضح نفسه ولجميع أفراد عصابته، حيث أقر علنا بأنه يرفض المعارضة والتعددية، ما يفيد أن ثقافة العسكر تناهض البناء الديمقراطي، لأنه صرح جهرا بأنه لا يمكن لأحد أن يطمح في الوصول إلى السلطة. وهذا ما يفرض طرح الأسئلة الاتية: ما هو مصدر شرعية الجنرالات؟ هل لهم شرعية سياسية؟ هل لهم شرعية شعبية؟ هل لهم شرعية اقتصادية واجتماعية؟ وماهي المشاريع التي أنجزوها لصالح الشعب والوطن؟...
ومادام الجواب على هذه الأسئلة هو: لا شيء، فإن الجنرالات لا يمتلكون أية شرعية. ألم ينهبوا أموال الشعب الجزائري؟ ألم يهربوا هذه الأموال إلى حساباتهم البنكية الموجودة في مختلف الملاذات الضريبية الموجودة في مختلف الجزر في كل المحيطات؟ ألا يقومون بقمع الشعب الجزائري كلما طالب بحقوقه؟...
علاوة على ذلك، لقد دفع هوى السلطة الجنرالات إلى اعتقال بعضهم البعض، حيث يقبع اليوم جنرالات كثر وراء القضبان. لذلك، فقد حطم جنرالات الجزائر اليوم الرقم القياسي في اعتقال الجنرالات، لأنه يوجد بسجون الجزائر أعلى عدد من الجنرالات المعتقلين عالميا. وهذه وضعية خطيرة تدل على هشاشة النظام الجزائري، الأمر الذي قد يوفر شروطا تعصف به.
ومن تجليات ممارسة الجنرالات للعنف على بعضهم البعض. فقد أصبح معلوما أنهم يمارسون أبشع أساليب التعذيب على الجنرالات الذين يقبعون في سجونهم. ولا يتوقف الأمر عند الضرب والصفع والتعنيف، بل إنهم تجاوزوا ذلك إلى حد أنهم هددوهم بالاغتصاب أمام زوجاتهم وبناتهم... ويؤكد خبراء وسياسيون جزائريون أن هناك شهادات ملموسة تؤكد هذه الجرائم التي يرتكبها الجنرالات المتسلطون في حق الجنرالات المعتقلين.
فوق ذلك، فإن عنف الجنرالات المصابين بجنون السلطة في الجزائر، لم يضرب فقط أرواح البشر وأجسادهم، بل امتد مؤخرا إلى تخريب الطبيعة، حيث يقوم الجنرالات بإحراق غابات توجد في مناطق معروفة بمشاركتها في تحرير الجزائر، وكذا انخراطها في معركة الحراك الشعبي السلمي التي تسعى إلى تقرير مصير الشعب الجزائري، الذي يطمح إلى الاستقلال عن نظام الجنرالات من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة... لذلك، فإن عنف الجنرالات هذا هو انتقام من مناهضة سكان المناطق لمواجهتهم للاستعمار، وكذا مواجهتهم للجنرالات، الذين هم امتداد للاستعمار...
ونظرا لوجود صراعات بين أجنحة الجنرالات، فإن ذلك يدل على هشاشة نظام العسكر الذي يمكن أن ينفجر من الداخل، ما يساعد على تغييره، الأمر الذي يفرض على الحراك الشعبي السلمي الاستمرار في ممارسة الضغط على نظام العسكر لكي يعجل برحيلهم، لأنه كلما كان الضغط قويا عليهم اتسعت الشقة بينهم، وازداد ضعفهم، لاسيما أن الظروف الدولية ضد عنفهم وفسادهم ونزعتهم وخلقهم للجماعات الإرهابية، وضد نزعتهم التوسعية...