بسحر قلب الأعيان.. التوفيق يهزم الدولة في لعبة الأمم للملل والنحل!

بسحر قلب الأعيان.. التوفيق يهزم الدولة في لعبة الأمم للملل والنحل! أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (يمينا) وعبد الوافي لفتيت وزير الداخلية

سنقف في متابعة اليوم -كما وعدنا في المادة السابقة- على جواب وزير الأوقاف، في جلسة 5 يوليوز 2021،عن سؤال تقدم به فريق العدالة والتنمية حول "خطة الوزارة لتأهيل الحقل الديني". حيث تستوقفنا في التغطية المعممة لجوابه، الفقرة التالية: "إن الشأن الديني في المغرب يتم تدبيره تحت ثلاثة أبعاد، أولها البعد النظري المتمثل في العقيدة الأشعرية باعتبارها لا تجيز التكفير، وبالمذهب المالكي باعتباره الاختيار الأصيل للأمة المجنب للخلاف في الجزئيات والتشويش على العموم، وبإمارة المؤمنين باعتبارها مصدرا للتشريع والتوجيه. ثم البعد الهيكلي المرتب بالتدبير الإداري على المستوى المركزي والجهوي والمحلي بتأطير من المجلس العلمي الأعلى والمجالس المحلية، ثم بعد الاستجابة للحاجات الدينية وتيسير التدين وذلك من خلال بناء المساجد وإصلاحها وتجديدها، وتأطير الأئمة والعناية بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف والتعليم العتيق".

 

ولعل هذه الفقرة تستدعي في مضامينها، والمعادلة التي تخدمها، وأزمة النسق الديني الرسمي التي تكرسها ، تحرير القول في ثلاثة مستويات، لعل الأستاذ التوفيق يتمرن معنا، على تحمل كلفة المسؤولية، على الأقل من مدخل النقاش العام. وأكيد أن في كل هذا تحفيزا للحفاظ على منسوب مصداقية إرادة الإصلاح، والحال أن "داء العطب قديم":

 

1- أولى الملاحظات، أنه سمى البعد الأول بـ "النظري"، وتغافل عن وصفه بالمرجعي. وهناك فرق في ظلال المعاني في ذلك. وكما هو ملاحظ أيضا، فإن في هذا البعد تغييبا للمكون الصوفي. وبهذا تم استقطاب الأستاذ التوفيق لجمهرة الأستاذ بنحمزة. وفي هذا رسالة إرضاء للأصولية واضحة، هي في حاجة إلى تفسير. علما أن الذي صاغ ميلاد الدولة الشريفة في المغرب على عهد السعديين والعلويين، هو المشرب الشاذلي القائم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتسييده، والمصالحة مع التاريخ، وإنصاف أهل العرفان. وحتى النضال الحقوقي في الإنصاف والمصالحة، كان في موقع النهل من ثقافة المشرب الصوفي.

من هنا يكون إقصاء وزير الأوقاف، للمكون الصوفي، يمثل امتدادا لتبيئته للسلفية بمضمون سياسي مناهض للقوى الديموقراطية، في ندوة المجلس العلمي الأعلى حول السلفية، واغتياله للمشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي لأمير المؤمنين، وقد جرم الحداثة دينيا في حضرة مقام صاحب الأمر، أعز الله أمره.. وامتدادا أيضا للحمولة الانقلابية في كتابي "سبيل العلماء" و"المشيخة العلمية بالمغرب" الصادرين بتوجيهه عن المؤسسة العلمية. وهذا يحتاج إلى تفسير.

 

2- كما يلاحظ في البعد الثاني في حديثه عن خطة الوزارة لتأهيل الحقل الديني، تهميش الوزارة، بقصر "تدبير" الشأن الديني على المجالس العلمية، وإقصاء مندوبيات الشؤون الإسلامية. وفي هذا تزكية لتحكم المشيخة الأصولية في المؤسسة العلمية. وما عبث شهادة تأهيل القيمين الدينيين إلا أولى ثمرات التجسيد العملي لهذا التوجه. وبهذا سيصبح البعد الثالث كله من اختصاص المشيخة الأصولية. لكنه وهو يمنح صلاحية وزارته للمؤسسة العلمية، يبقى هو الوصي على الشأن الديني. وهذا يحتاج إلى تفسير أيضا.

فكما قلنا في مادة أسبق، "فقد ظهرت معالم "مشروع المؤسسة العلمية"، كما خطط له وزير الأوقاف، ونفذه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.. وهذا العطب، حتى لا نلقي كامل المسؤولية على العلامة سي محمد يسف، يرجع في جانب منه إلى بعد مؤسساتي، وهو أن دسترة المؤسسة العلمية، لم يغير من وضع الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ككاتب عام ثان لوزارة الأوقاف، بصرف النظر عن تسمية الأمين العام. هذا بالرغم من كون هذه الدسترة لا تسمح للوزير، لا بافتتاح الدروس الرمضانية، ولا بختم صحيح البخاري في حضرة مقام أمير المؤمنين. لذلك فوزير الأوقاف، هو في موقع السهر على هذه الفوضى "الخلاقة"، في الحقل الديني، وفي تجاوب تام مع مخطط "عسكرة" الظاهرة الأصولية في البلاد". بحيث لم يخضع ظهير 2004 القاضي "بإعادة تنظيم المجالس العلمية" لعملية الملاءمة القانونية مع دسترة مؤسسة العلماء سنة 2011. فحسب المادة السادسة، فإن الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، "يمارس مهامه بتنسيق مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية". وقد تحول هذا" التنسيق"، بأن أصبح وزير الأوقاف، هو "الحاكم بأمر الله" في الشأن الديني. وبهذا انكشف المستور في هذا الجانب.

 

3- ورغم وضوح هذه المنزلقات، بما في ذلك ما أثاره الإعلام منذ سنوات، من جمع الأستاذ التوفيق بين إدارة الأوقاف، و مؤسسة آل سعود، والتابعة لدولة معنية بدعوة التبشير المذهبي، مما يحرج خصوصية سيادة الدولة المغربية، من كون مستخدم لدى جهة خارجية، مؤتمن على السيادة المذهبية للبلاد. علما أن في تدبيره مساحات في خفض الجناح للأصولية.

ورغم وضوح هذه المنزلقات، وتهديدها لاستقرار المؤسسات، وللطمأنينة الروحية للمواطنين، فإن مسلسل قلب الحقائق يواصل خطواته بثبات. وهذا يحتاج إلى تفسير.

ورغم اليقظة الموصولة لحواس الدولة، فإن حصيلة عملها لم يتم بلورتها بعد، في مواقف إصلاحية رسمية واضحة. وهذا أيضا يحتاج إلى تفسير .

 

إن تفسير السر في هزم التوفيق للجميع، لا ينفصل عن جملة تأويلات، قد يكون منها، التفسير "السياسي" المرتبط بمطلب الاختيار الديموقراطي للبلاد، حيث استمرار معادلة سنوات الرصاص في توجيه اختيارات العهد الجديد في الشأن الديني. وأن الدولة لم تنجز بعد المصالحة والإنصاف مع ثوابتها المذهبية، بالتحملات الحقيقية لمرجعية إمارة المؤمنين. وقد يكون منها التفسير "البلاغي". وهذا التفسير ،سيلج بنا إلى عوالم غير منظورة للمتتبعين. وهو ما يتم التلميح إليه من خلال ما درجنا على تسميته، بممارسة الأستاذ أحمد التوفيق المؤرخ، لسحر "قلب الأعيان"، باعتبار أن هذا "السحر"، في بيانه، الذي يمارسه، هو ما يجهض خطوات الإصلاح، ويهزم مخالفيه، ويزيح الكل من طريق عروجه لسدرة المنتهى. وقد ينطوي هذا التفسير البلاغي أيضا، على التفسير المادي، من خلال سحر "بهموت" الأوقاف.

 

ولأن الأستاذ التوفيق يعي جيدا تضاريس البيان في بلاغة هذا السحر، فإنه ما إن سمع بإمكان الأئمة مواجهة ظلمه لهم في مسطرة شهادة التأهيل، بقراءة سورة طه بالتنكيس، حتى سارع إلى بعض الاستدراكات في ذلك، والاعتراف في البرلمان بهزالة مكافأة المؤذنين.. لكن يمكن أن نضيف ونحن نستظل بحماية "الدائرة الشاذلية"، وهذا من باب البسط مع سيدي أحمد ،أنه يمكنهم حتى قراءة سورة يس بالتنكيس. وهنا ينكشف المستور أيضا في هذا الجانب.

 

ويبقى الأمل في جبهة حكماء الأمة المناصرين للغة الحقيقة، لتخليص البلاد والعباد من سحر قلب الأعيان.

 

أما بعد، "فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"!