بحكم تدرج علو تضاريسه وتوزع شبكته الهيدرولوجية كمجال، جعل ممر تازة الشهير في وسط المغرب من وادي ايناون بمثابة قاعدة لتجميع المياه. وهذه الأعالي مورفولوجياً تصل مقدمة جبال الريف شمالا بجبال الأطلس المتوسط جنوباً، وأطراف سهوب ملوية شرقاً بأسافل وادي ايناون غرباً. وهي موقعاً وموضعاً نقطة وصل بين عدة مكونات طبيعية، وبمثابة امتداد بيئي متباين بين مجال شبه جاف حيث ملوية الوسطى شرقاً، وآخر رطباً من الجهة الغربية بتأثير على عدة مستويات. مع ما يسجل حول خاصية التشكيل البنيوي للمنطقة، والذي سمح بممرٍ استراتيجي ظل تاريخياً بغير بديل، سواء في تجارب الكيانات السياسية المغربية منذ العصر الوسيط، من أجل التوسع وإحكام السيطرة على البلاد، أو في ما ارتبط بسلسلة هجرات وتدافعات وأطماع أجنبية على فترات، مثل ما حصل مع فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين انطلاقا من الجزائر، بفهم وتحقيب منهجي وقائعي تاريخي وليس مدرسي ضيق.
وتازة هذا الممر والامتداد جيولوجياً تنتمي لمجال نشأ خلال الزمن الجيولوجي الثاني، اجتاحته بحار وترسبت فوقه طبقات سميكة. عملت الحركات التكتونية على رفع بنياته وتشكيل تموجات وأجراف به، ما سمح ببروز قاعدة زمن جيولوجي أول بشكل واضح في بعض أطراف جبال الأطلس، كما هو الحال في منطقة تازكة قرب تازة على الضفة اليسرى لوادي ايناون. وبحكم موقعها تنتمي تازة وممرها لبنيتين جيولوجيتين، جزء تابع لكتلة الأطلس المتوسط جنوباً وهو الأهم من حيث ارتفاعه وموارد مياهه وغطاءه النباتي. تكوينه الجيولوجي قديم وبنيته بركانية وشيستية نشأت خلال الزمن الأول، مكونة قاعدة جيولوجية للمنطقة. وذلك بصخور تعلوها رواسب من سجيل وكلس، تعود في نشأتها للزمن الجيولوجي الثاني مُحدثة معظم النتوءات الظاهرة (جبال). أما تلال مقدمة جبال الريف شمالا كجزء ثان من بنية ممر تازة، فهي تتكون من رواسب سجيلية تراكمت خلال الزمن الجيولوجي الثالث. وعليه، فبمجال قبيلة البرانس بالمنطقة شمالا هناك مقاطع غنية بمادة الملح، التي لا تزال تستغل لِما هي عليه من جودة مقارنة مع ما هو موجود بجهات أخرى من البلاد. ومجال تازة هو بمثابة وعاء شبه دائري منفتح على ممر بالوسط، تتوزع به إلى جانب وادي ايناون مجاري مائية تنحدر من الجبال والتلال مُشكلة مجالا فاصلا بين حوض ملوية شرقاً وحوض سبو غرباً. وتزيد تركيبة تضاريس المنطقة التي يغلب عليها طابع التقطعات والتدرجات، من صعوبة مسالك الاتصال والعبور خاصة من جهة الجنوب. وعليه، شكل هذا المنخفض(تازة) عبر التاريخ ممراً استراتيجياً بين شرق البلاد وغربها.
وتعود بداية العناية بالمعطى الطبيعي للمغرب عموماً الى مطلع القرن العشرين، عندما وضع "هنري بارير" خريطة للمغرب بمقياس واحد على مليون سنتيم. الوثيقة التي انبنت على جهد جغرافي كبير ومعطيات علمية هامة، سمحت بتكوين فكرة حول بنية البلاد التضاريسية عموماً. وكان "لويس جنتيل" الباحث الجيولوجي الفرنسي الذي دعم سياسة ما عُرف بالتهدئة عند ليوطي، قد أورد في تقرير له وصفاً دقيقاً للمنخفض الذي يفصل بين جبال الريف والأطلس المتوسط ككتلتين جبليتين يتوسطهما ممر تازة. مشيراً إلى أن المنطقة كانت مجالا بحرياً يصل البحر الابيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، قبل انفتاح مضيق جبل طارق الحالي. وهذا الامتداد البحري في الماضي الجيولوجي للمغرب، كان يغطي جزءًا من حوض ملوية وتازة وفاس والغرب، وهذا الارتباط البحري هو ما أطلَقَ عليه اسم "مضيق جنوب الريف" (مضيق تازة). وقد أبانت الدراسات العلمية الاستكشافية الأجنبية الجيولوجية حول المغرب خلال السنوات الأولى للحماية الفرنسية على المغرب، عن علامات طبيعية تخص هذا الاتصال الذي كان قائماً بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عبر ما يُعرف حالياً بممر تازة، حيث النقطة الأكثر انخفاضاً فيما عُرف في جيولوجيا المغرب بمضيق جنوب الريف (مضيق تازة). وممر تازة الذي يتوسط مرتفعات وادي ايناون يقطع هذا الأخدود أين تتراكب مقدمة جبال الريف والأطلس المتوسط، بمورفولوجية متباينة ناتجة عن تنوع البنية الصخرية وتوالي الحركات التكتونية، التي أصابت جبال الأطلس المتوسط بخلاف ما حدث في جبال الريف. وقد كان وادي ايناون عنصراً دينامياً هاماً في عملية البناء، ورسم أشكال المنطقة منذ عصر البليوسين الأسفل. كما تؤكد ذلك الدراسة المورفولوجية القَيِّمَة حول ممر تازة التي أنجزها د. بوشتى الفلاح، الباحث في جيولوجيا المغرب والاستاذ بالمعهد العلمي بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وقد اعتبرت الدراسات الأجنبية أن المغرب مجال مكون من جزأين متباينين، الأول يوجد جنوب خط فاصل يمر عبر ممر تازة وكان مرتبطاً بالقارة الإفريقية، أما الثاني فيوجد شماله وهو سلسلة جبال الريف التي كانت متصلة بشبه جزيرة ايبيريا، هذا بشكل معزول عن افريقيا عبر مجال بحري Bras de Mer، كان يجمع بين البحر الأبيض الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. وأن حوض استقبال المياه بممر تازة الذي كان امتداداً بحرياً (مضيقاً) قبل مضيق جبل طارق الحالي، هو مجال مغمور برواسب الزمن الجيولوجي الثالث يتسع كلما اتجهنا غربا مُشَكلا ما يُعرف بسهل الغرب بالمغرب.
ويظهر على بعد حوالي 15 كلم غرب تازة مرتفع منتظم الامتداد باتجاه جنوب شمال. أين تلتقي جبال الأطلس المتوسط بمقدمة جبال الريف، مرتفع على شكل حاجز طبيعي يتوسط هذا الممر به خانق عميق نتج عن عمليتي نحت وحفر بواسطة مياه وادي ايناون. مرتفع وممر معاً بأجراف شبه قائمة وعمق حوالي أربعمائة وخمسين متراً، شبيه بأجراف أخرى نجدها موزعة على روافد وادي ايناون، خاصة المنحدرة من مرتفعات مجاورة لمنطقة تازكة. ومرتفع ما يُعرف بـ "اطواهر" من الناحية الجيولوجية هو بمثابة نقطة التقاء بين تكوينين طبيعيين، الأول يعود إلى الزمن الجيولوجي الثاني "الجوراسي"، والثاني يعود إلى الزمن الجيولوجي الثالث، أما الخانق الذي يجري فيه وادي ايناون فيوجد في منطقة شستية. وانطلاقاً من تازة باتجاه الغرب يرتبط هذا الوادي ببنية جيولوجية متباينة، بحيث نجد تكوينات صخرية كلسية جوراسية هي جزء من الأطلس المتوسط على ضفته الجنوبية. أما شمالاً فهناك طبقات صلصالية ممتدة تعود للزمن الجيولوجي الثالث، نتجت بسبب عمليات تكتونية تشكلت على إثرها تلال بمسالك وعرة.
وإذا كان التكوين الجوراسي وصخور الشيست والكًرانيت هو ما يميز مجال تازة في جزئه الجنوبي، فبشماله تظهر امتدادات صلصالية واسعة. وحول ممر تازة (مضيق تازة..) من خلال الاهتمامات الاستعمارية الفرنسية بالمغرب مع مطلع القرن العشرين، تمت الإشارة لارتباط بين حوضي ملوية وسبو عبر هذا المقطع الطبيعي الذي يتميز بقيمة مجالية واستراتيجية. ويظهر الزمن الجيولوجي الرابع بمجال تازة من خلال تكوينات متباينة، حسب وضع التضاريس والانحدارات والأساس الجيولوجي وتركيبة الصخور إضافة لنوعية الحركات التكتونية وشبكة الهيدرولوجيا. ووَادِي ايناون الذي يُعد قاعدة تجمع جريان مائي ونقطة إلتقاء لرواسب من واجهتين متقابلتين، يعكس تطوراً جيولوجياً للمنطقة.
ويُعد فج "زحازحا" على بعد حوالي خمسة عشرة كلم شرق تازة، نقطة عبور أساسية إلى هذا الممر (مضيق تازة). وخطاً لتفريق المياه بين حوض ملوية باتجاه الأبيض المتوسط، وحوض سبو عبر ايناون باتجاه المحيط الأطلسي. بحيث يمكن الوقوف على تباين مجالي يجعل من هذه الأعالي (تازة)، امتداداً لتلاقي جيولوجي ومناخي بين نقطتين جبليتين، فج زحازحا شرقاً بعلو 547م، وفج اطواهر بعلو 556م غرباً.
وممر تازة (ضمن مضيق تازة في سياقه وبناءه الجيولوجي) الذي يتوسط مرتفعات وادي ايناون هو بطول حوالي 40 كلم من الشرق إلى الغرب وعرض يصل لحوالي 10 كلم. على مستوى مجاله الجنوبي هناك مرتفعات جبال الأطلس التي تستوطنها قبيلة غياتة، وبشماله توجد منحدرات تلال مقدمة الريف حيث قبيلة البرانس واتسول. وبسبب العمليات التكتونية تظهر رواسب بتكوينِ حديثِ ناتجة عن تعرية قديمة، بجزء ضيق من هذا المجال الذي كان يُعرف بمضيق جنوب الريف (مضيق تازة)، حيث كثرة الرواسب المغطاة بالفرشات المائية. مع أهمية الإشارة إلى أن ممر تازة هذا هو مجال طبيعي فاصل بين مشهدين ايكولوجيين، الأول ذو خاصية متوسطية من جهة الغرب والثاني جاف له علاقة بهضاب المغرب العليا شرقاً. وجيولوجياً تعود الرواسب الطينية السابقة الذكر من حيث تكوينها لعصر الميوسين، متى كان يلتقي المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط على مستوى ممر تازة (المضيق). الأكثر ارتباطاً بالجزء الغربي من المغرب حيث الرطوبة والانفتاح على المحيط الأطلسي، بدليل اتجاه جريان المياه ومعدل التساقطات المطرية الهام. ووادي ايناون الذي يجري في هذه البنية، يرسم حول الجبل الذي تحيط به مرتفعات اطواهر منعرجات عميقة تبلغ 50 متراً على امتداد حوالي 5 كلم تقريباً. ومن حيث تحديدها الجغرافي توجد تازة (الممر) بين خط طول أربعة درجة فاصلة عشرة، وأربعة درجة فاصلة ثلاثين غرب خط اكًرينتش، وبين خط عرض أربعة وثلاثين درجة وأربعة وثلاثين فاصلة خمسة عشرة شماله.
وهذا الممر الشهير في المجال المغربي بتازة وضمن هذه المرتفعات التي يتوسطها، يشكل حداً فاصلا بين بنيتين مورفولوجيتين، شمالا هناك مقدمة جبال الريف وجنوباً هناك جبل تازكة ومعه الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي. أما جيولوجياً فيمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين تخصان هذا الممر وفق ما يؤكده الباحثون المتخصصون في هذا المجال، أولا ما يلاحظ حول بنية الطبقات الجيولوجية تحديداً الجزء المرتبط بجبال الأطلس المتوسط، حيث يظهر غياب جيولوجي بين عصر الجوراسي الأوسط وعصر الميوسين. وثانياً ما يهم مقدمة جبال الريف شمالا كبنية رسوبية تبدأ من الزمن الجيولوجي الأول إلى غاية الثاني. وقد ظلت هذه المرتفعات بأهمية استراتيجية كبرى منذ القدم، بحيث لم يتم اختراقها إلا عبر منخفض ضيق يجري فيه وادي ايناون أين تازة، كوعاء لعدة مجاري قادمة من الجبال شمالا وجنوباً وشرقاً. وبقدر قيمة هذه المرتفعات (تازة) من الوجهة الطبيعية والاستراتيجية، بقدر ما كانت عبر التاريخ ممراً برياً مثيراً جاذباً لا بديل عنه.