بلفقيه.. الخروج الكبير من الاتحاد الاشتراكي

بلفقيه.. الخروج الكبير من الاتحاد الاشتراكي عبد الوهاب بلفقيه رفقة إدريس لشكر (يسارا)

استفاقت جهة كلميم واد نون، الجمعة 9 يونيو 2021، على خبر استقالة عبد الوهاب بلفقيه من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مناورة سياسية ثقيلة، هزت عمود اركان الاشتراكيين بقوة في اخر قلاع الآلة الانتخابية الاتحادية بالمغرب .

 

هنا في هذه الجهة حقق الحزب نتائج نموذجية تقارب ثلث رئاسات المجالس المنتخبة وأغلبية رئاسات الغرف و أغلبية المقاعد البرلمانية، هنا "طاح لويز الاشتراكية المغربية وهنا رقص عليه الحزب وحلفاؤه".

 

قبل شهر من انطلاق انتخابات الغرف وشهرين من انتخابات المجالس والبرلمان، وهو توقيت حرج في أية أجندة انتخابية، بدأت النبال الثانية لـ "رد صرف بلفقيه لغريمه لشكر" تخرج من قوس قزح الذهبي المليئ بالمفاجآت لشاب بدأ رأسه يشتعل من شيب الدهاء السياسي، بعد أن شاب شعره طويلا سواد الانتخابات.

 

كانت النبال الأولى أن يعطل بلفقية ولأطول وقت ممكن، وفي صمت وحرفية عالية، ودون أي إشارات واضحة، أي اشتغال حقيقي للحزب وأي حسم في لوائح المترشحين لانتخابات 2021، باسم حزب الاتحاد في جهة كلميم واد نون، مع حركة إلهاء بالغة المكر السياسي، من خلال فتح مقر جهوي للحزب بكلميم و داخل منزله السابق !

 

طيلة هذه المدة التي اجتمعت فيها الأحزاب بالمنطقة، واستقطبت، وقدمت عروضا للمرشحين المحتملين، وحسمت في طواقم كتائبها التي ستدخل بها الحرب الطاحنة القادمة، كان ثعلب الصحراء يتربص هادئا كي ينقض على غريمه لشكر في صباح صيفي قبل طقوس عيد أضحى سيكون هذه المرة على مذبح بساتين الورد المكسية بدماء "رد صرف" ذات يوم أسود من عام 2017 حين تجرأ  الكاتب الأول لشكر على بلفقيه وأراد اقالته من الحزب، بالرغم عن كل ما حققه للاتحاديين هذا الشاب الأشيب بفعل ماء السياسة لا مياه السن !

 

في الحزب، وفي الإعلام والجهة، يعلم وتلوك الألسنة يوميا أنه بفضل عدد الأصوات وعدد مقاعد البرلمان التي حصل عليها بلفقيه استطاع الحزب أن يكون فريقا برلمانيا، واستطاع أن يترأس ثاني مؤسسة دستورية في البلاد، ويراكم سلطا ومكتسبات اخرى كثيرة... في حين أنه حينما تآمرت أيضا جميع الأحزاب والنخب عام 2017 في انتخابات جزئيات إفني، أحس عبد الوهاب بلفقيه أن لشكر أيضا تآمر مع الأخرين بطريقة ما... حيث أن مقعد بلفقيه الصحراوي الذي سحب منه رد للشكر في انتخابات شمالية .

 

كان بلفقيه يتلقى كعادته في صمت الضربات القوية، ولا يرد إلا وفقا لما تسمح به رقعة الشطرنج الملغومة، لكنه أحس في قرارة نفسه أن ضربات الدولة لها حساباتها و لها منطقها ولها حكمتها، فهو خبر ويعلم أن المخزن إذا ضرب ورددت عليه، فإنه بعدها لا يرد بل يطحن عظام غريمه... لكن مع غريمه لشكر أحس بلفقيه أنه ليس فقط قد تجرأ عليه، بل وتآمر عليه في كل مراحل محاولات خصومه اجتثاثه من الساحة السياسية والانتخابية، بل كان إحساس بلفقيه عميقا بحجم المكر ونكران الجميل، وبأن لشكر يستخف به، فهو في نفس الوقت الذي كان يحاول القضاء عليه كان يوظف انجازات بلفقيه الانتخابية كي يقوي وجوده داخل أروقة المؤسسات ووجود المقربين منه، في حين أن بلفقيه أو فريق منتخبيه لا وجود لهم نهائيا في الصورة أو في أي مكتسب مؤسساتي .

 

كان بلفقيه يحس بأن آلاته الانتخابية وشبكة علاقاته تشتغلان على جميع الأصعدة، وبكامل إمكانياتهما وتحققان نتائج نموذجية، لكن المستفيد من كل ذلك هو غريمه لشكر ومريديه، وزاد من مرارة هذا الشاب الباعمراني أنه يتآمر ضده ويحاول إضعافه، ولا يفتح أي طريق أو يدعم أيا من المحسوبين على تيار بلفقيه بالمرة، فلا صدى لهم في مناصب المسؤوليات الحزبية ولا الحكومية ولا الدبلوماسية، كان بلفقيه يحس أيضا أن هذا يدخل في صميم المؤامرة الداخلية.

 

وما زاد من مرارته الدفينة أنه حتى على الصعيد الإنساني أيضا كان مجرد الاطمئنان عليه في محطات مرض أو حادثة سير لا يحدث أبدا ، وهذا كما يبدو ليس لأن التواصل الاجتماعي من طرف لشكر سيكون دواء المرض، لكن وصول الأمر إلى هذا الحد، ربما فهمه الرجل على أنه استخفاف جاوز الحد، وخصوصا من طينة رجل كبلفقيه، آنذاك خرج سهم موت غير رحيم من قوس بلفقيه، وكان الرد قويا أحدث زلزالا كبيرا داخل الحزب ولا محالة سينعكس هذا على نتائج الحزب هذا العام وبقوة .

 

لقد أحس الرجل بأن لشكر يستعمله ويوظف نتائجه الجيدة والمفيدة له ولمقربيه، وباستعلاء من فوق ذلك، وكأن بلفقيه هو في حاجة لإدريس لشكر، في حين أن بلفقيه يعلم دوما ويقينا أن العكس هو الحاصل .

 

ادريس لشكر وعبد الوهاب بلفقيه هما ابنا جهة واحدة وإقليم واحد، جيناتهما واحدة، وأصولهما واحدة، كلاهما ابنا جهة كلميم واد نون، عنيدان بالفطرة، في رأيي أن لشكر كان من الممكن أن يتعامل مع بلفقيه بعقلية أهل تغجيجت مع عناد وأنفة بلفقيه الباعمراني، وكان يقينا سيكون أقوى، لكنه كما أغلب سياسيي الرباط أراد التعامل مع هذا الشرس الصحراوي بعقلية رباطية أراد أن يدجنه و يستعمله مستخفا به، بل أكثر من ذلك وبعنجهية وتكبر، كان عليه ان يعلم أن بلفقيه مثله مثل كثيرين لن يقبل ابدا هذا. لشكر يعلم من خلال والده الذي ولد في الصحراء ومن خلال زيارته هو للجنوب أن أخلاق أهل الجبال المؤطرين بثقافة الرمال يمكن أن تربحها بمجرد تعامل إنساني بسيط هو التواضع وربما بمجرد اطمئنان عابر أو كأس شاي أو حتى كوب ماء، إن الطبيعة الإنسانية تحكم وتغير العالم والتاريخ والحسابات.

 

وبالمناسبة وللتاريخ ولربما هذه ليست أول مرة، ومع كامل الأسف أنه في مواعيد كثيرة مهمة يغادر صناع الخرائط الانتخابية الباعمرانيون سفينة الاتحاد الاشتراكي، أغلبهم بسبب التهديد وبعضهم بسبب الإغراء، لكن مع بلفقيه هناك أمر واضح تماما، الإغراء هذا مستبعد لأن الرجل يستوي الآن إلى جانب آل الرشيد على مقام الآلة الانتخابية في جهات الصحراء، التهديد لا أظن لأنه مرت عليه تهديدات أكثر واستمر بالرغم عن ذلك، اتحاديون كثيرون ومن كل المواقف والجهات انسحبوا، ربما يجب علينا أن نبحث على المشترك بينهم جميعا كي نفهم ما يقع داخل الاتحاد الاشتراكي...

 

ولكن بالنسبة لعبد الوهاب بلفقيه عماد الخروج الكبير هو رد الصرف ورد الاعتبار، انسحب في وقت حرج، واستقال في لحظة على صانع الخريطة الانتخابية الاستباقية أن يفكر منذ الآن في بديل للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس فقط في جهة كلميم واد نون بل في جهات الصحراء كلها، بما في هذا من تأثير على جهات اخرى في المغرب، لأن الرجل لم يكن أبدا لوحده، و هو ليس فقط رجل انتخابات، إنه قمة جبل جليدي الجوانب الغارقة والمؤسسة فيها عميقة وتخفي حسابات أخرى.

 

هو حقيقة يقوم بمهام، لكنها مهام تصنع التوازنات الاستراتيجية في أكثر من جهة، هذه المناورة دقت نعش لشكر ومعه ما تبقى من قوة انتخابية لحزب القوات الشعبية في الصحراء، ونحن نعلم أنه من قبل ذلك ضاعت قلاع اتحادية رصينة كانت هي سوس، والعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، والعاصمة الإدارية الرباط، وبوابة المغرب طنجة، الآن يمكن أن نقول لقد ضاع الاتحاد الاشتراكي انتخابيا بعدما ضاع إيديولوجيا، لكن هذه المرة ضاع في حقيقة الأمر فقط بسبب عناد رجل وليس بسبب المخزن أو اللوبيات، استطاع كما يقول المقربون من بلفقيه تحدي التهديدات والإغراءات والمحاكمات والقضايا المفبركة، والحرب الإعلامية، والاستنزاف الاقتصادي والابتزازات.... وتحمل وتجاوز الخيانات، لكن الاستخفاف وقلة التقدير والحكرة ومواصلة استعمال لشكر له وباستعلاء هنا انتفض ذلك الكامن في الشاب الأشيب الباعمراني سليل سيدي حماد ن الطالب جده الذي فضل وهو يواجه خصومه السياسيين والفكريين المقاومة حتى أشعلوا فيه النار على نخلة بدل أن الموت على سريره بغيضه، لكن هذه المرة فضل الحفيد بلفقيه أن يشعل النار في لشكر في صباح صيفي كي يرد الاعتبار لنفسه ويضحي بالحزب في عيد متحور، فترى أين سيتجه ربان السفينة وطاقمها؟ وتحت جريد أي نخلة سيكون ظل صاحب الخروج الكبير وشعبه المختار؟