كريم مولاي: عن الجزائر والسيادة المفقودة في ذكرى الاستقلال

كريم مولاي: عن الجزائر والسيادة المفقودة في ذكرى الاستقلال كريم مولاي

تمر اليوم الذكرى السنوية التي يحييها الجزائريون تخليدا لرحيل أبشع استعمار غربي لبلد إفريقي في القرنين التاسع عشر والعشرين، في ظل ظروف سياسية وأمنية واقتصادية وصحية غاية في الصعوبة في الصعوبة والتعقيد..

 

لا بد من التأكيد أولا أن الاستعمار في كل الأحوال عمل بغيض وهو مخالف لكل القوانين السماوية والدنيوية، وهو ظاهرة غير سوية ومرضية كلفت البشرية ولا تزال ثمنا باهظا...

 

وهكذا فقد كان الاحتلال الفرنسي للجزائر صفحة سوداء ومؤلمة في التاريخ الإنساني عامة، والجزائري منه على وجه الخصوص.. فهو وصمة عار في جبين الحضارات الغربية المتقدمة، التي رفعت راية التحديث والتنوير في وقت مبكر، لكنها في الحقيقة كانت مخادعة في ذلك لأن هدفها لم يكن تحديثيا بقدر ما كان استعماريا غايته الهيمنة على ثروات الشعوب وقدراتها خدمة لأطماعها المباشرة.

 

59 سنة مرت على إعلان استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي من دون أي دليل واقعي على أن هذا النفوذ الفرنسي قد ولى إلى غير رجعة، فاللغة الفرنسية مازالت تمثل عمودا فقريا للإدارة في الجزائر، ولم تفلح محاولات التعريب التي قادها رجال الحركة الوطنية في تخليص إدارتنا وذاكرتنا من المحمول التثقيفي الذي جاءت به فرنسا.. كما أن خبز الجزائر وقوتها بشكل عام، مازال يعتمد بشكل أساسي على المنتوج الفرنسي، والشركات الفرنسية التي تهيمن على نصيب الأسد من حجم الاستثمارات الأجنبية في الجزائر..

 

ولعل ما يثير الحسرة والألم في قلوب الجزائريين وأحفاد الشهداء أن فرنسا مازالت إلى يوم الناس هذا القوة الرئيسية والفاعلة في تحديد ليس فقط قادة الجزائر والفاعلين فيها فقط، بل وهي من تحدد أولويات سياسيينا بالكامل، والتعديل الدستوري الذي أجاز مشاركة الجيش الجزائري في عمليات عسكرية خارج الحدود خير دليل على ذلك، وهو توجه خطير من شأنه أن يفقد الجزائريين ومؤسستهم العسكرية التي يفتخرون بأنها هي التي قاومت الاستعمار الفرنسي وحمت الجزائر ورعت قيام دولتها الحديثة والمعاصرة، أي أمل بالسيادة.

 

وبالموازاة مع هذا الغموض السياسي الذي يخيم على مراكز القرار في الجزائر ويجعلها تابعة لعواصم غربية منها باريس، فإن عيد الاستقلال يأتي هذا العام مع استمرار الحراك الشعبي، وإن بشكل أقل بسبب آلة العنف والقمع الشديد التي تمارسها السلطة، المطالب بالتغيير والانتقال الديمقراطي، وبالدولة المدنية لا العسكرية.

 

ولكم يحز في نفوس الجزائريين أن نحو ستة عقود من الاستقلال، لم تمكنهم من بناء دولة قوية قادرة ليس على تأمين نفسها من المخاطر الإقليمية والدولية فقط، وإنما أيضا في صناعة بنية تحتية تحمي الجزائريين من ويلات الجوائح والكوارث، وكذلك من إيجاد كيان سياسي ديمقراطي حديث يوازي ما قدمه الشعب الجزائري من دماء غزيرة من أجل بناء الدولة..

 

كم هو مؤلم لنا كجزائريين أن تنقل لنا الأخبار كل يوم عن مئات من الشباب الجزائري الفار من جحيم الاستبداد والحكرة وقلة ذات اليد، إلى أوروبا ومنها فرنسا المستعمر القديم، طلبا للكرامة الإنسانية التي افتقدها في دولته الوطنية..

 

شخصيا، ومن منطلق تجربتي السياسية مع صناع القرار في الجزائر، فإنني أمتلك من الأدلة ما يكفي للقول بأن الجزائر دولة مختطفة، وأن السيادة والاستقلال والوطنية وغيرها من الشعارات ليست في نهاية المطاف إلا لافتات للتسويق السياسي لا غير، وإلا فإن الجزائر اليوم تعيش في ظروف سياسية واقتصادية وأمنية وصحية أسوأ بكثير مما كانت عليه أيام الاستعمار الفرنسي، لأن هذه السنوات العجاف من حكم العسكر قتلت الحلم بالحياة والمستقبل، وأوجدت أجيالا منبتة، فلا هي امتداد لحركة التحرير الوطني المجيدة التي أجبرت الاستعمار الفرنسي على الرحيل، ولا هي جزء من الغرب الحضاري بما يحمله من مشاريع سياسية ديمقراطية، وإنما نحن أمام جيل هجين سرق منه الاستبداد كل ما هو جميل ذو معنى...

 

ربما عزاؤنا الوحيد في الذكرى 59 للاستقلال أن الشعب الجزائري الذي شارك بأغلبيته في الحراك على مدى العامين الماضيين، وقاطع بأغلبيته مسرحية الانتخابات الأخيرة، يبعث فينا الأمل بإمكانية بزوغ فجر ديمقراطي حقيقي يأمل أمثالي من المنفيين أن يكون قريبا، وما ذلك على الله بعزيز...

 

كريم مولاي، خبير أمني جزائري/ لندن