قراءة في 18 سنة من الخطب الملكية: حتى لا يبقى البرلمان يرى يسمع ولا يتحرك

قراءة في 18 سنة من الخطب الملكية: حتى لا يبقى البرلمان يرى يسمع ولا يتحرك

بين 7 أكتوبر 1999 و13 أكتوبر 2017، 18 سنة مرت بين أول خطاب ملكي لمحمد السادس وبين خطابه المرتقب اليوم الجمعة بمناسبة افتتاح العمل التشريعي في البرلمان بغرفتيه، ويبقى خطابه الأول بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2000-1999، بمثابة استمرار لخطب الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، رحمهما الله، من حيث قوله: "وسيرا على نهجه رضوان الله عليه لتثبيت الديمقراطية، وبنفس العناية التي كان يعيرها لهذه المؤسسة الموقرة فإننا نولي بالغ اهتمامنا للمسؤولية التي تتحملون أعباءها بصفتكم ممثلين للمواطنين ترعون مصالحهم وتعبرون عن مطامحهم". وظلت الخطب الملكية الموجهة لممثلي الأمة، بمثابة تصورات تعرض عليهم إطارا للعمل، ليبقى السؤال مطروحا إلى أي حد استطاع نواب ومستشاري الولايات الانتخابية الأربعة بلورة هذه الخطب الملكية قوانين وإجراءات ملموسة؟

في انتظار خطاب اليوم الجمعة لافتتاح السنة التشريعية 2018-2017، فإن الـ 18 خطابا ملكيا بهذه المناسبة، لم يكن يخرج عن التأكيد على أهمية المؤسسة التشريعية، وضرورة أداء دورها سواء في الميدان التشريعي أو في مراقبة عمل الحكومة، وتوخي للنجاعة والفعالية..

وإن كان التأكيد الملكي قد كرر في استهلال كل الخطب الافتتاحية لعمل السلطة التشريعية على أن قوام الديموقراطية هو فصل السلط وتوازنها، فإنه في ثاني خطاب له (2000/10/12)، تساءل "هل من قدرنا أن تكون الممارسة الديموقراطية السليمة نوعا من الحلم الضائع أو السراب الخادع؟"، وهو ما تكرر في خطاب أكتوبر 2001، بالقول: "وأما التساؤل الملح فعن مدى قيامكم على الوجه الأمثل بمسئوليتكم اعتبارا لما نتحمله من أمانة عظمى وبصفتنا الممثل الأسمى للأمة في ضمان السير الأمثل للمؤسسات".

ولأن الأحزاب والنقابات لها دور فعال في إقرار الديمقراطية، لم تخل الخطابات السابقة من الدعوة لـ"ضرورة استشعاركم أفرادا وفرقا نيابية لمدى أدائكم للمسؤولية الملقاة على عاتقكم على الوجه الأكمل.. بل للعمل على تحصين مؤسساتنا الديموقراطية من كل الشوائب والإختلالات"، خطاب أكتوبر 2000، و"ضرورة إعادة الاعتبار للعمل السياسي بالمعنى النبيل للسياسة، قصد توسيع المشاركة على كل المستويات المحلية والجهوية والوطنية"، خطاب أكتوبر 2001، كما أن "الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي أداة لتفعيل المشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام، والتعبئة من اجل التنمية"، أكتوبر 2002، كما أكد الملك محمد السادس على انه "لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، وأن الديمقراطية طريق شاق وطويل، وليست ميدانا صوريا لحرب المواقع، بل هي مواطنة ملتزمة، وممارسة لا محيد عنها.. إن احترام الإرادة الشعبية يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد، والالتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية" خطاب أكتوبر 2003، ومرة أخرى عاد الخطاب الملكي للحديث عن "تقوية دور الأحزاب، بإيجاد إطار تشريعي جديد وفعال، يستمد فيه الحزب شرعيته القانونية من مشروعيته الديمقراطية. ويأتي بإجابات جماعية متميزة عن قضايا مجتمعية عريضة، وليس تلبية لمطامح شخصية أو فئوية ضيقة" أكتوبر 2004، ليعود الحديث عن  "إعادة الاعتبار للهيآت السياسية. اقتناعا منا بأنه لا ديمقراطية فعلية وملموسة، إلا بأحزاب قوية ومسؤولة"، أكتوبر 2005.

ويجدد الخطاب الملكي مرة أخرى "أنه لا ديمقراطية تمثيلية بدون أحزاب، فإننا ندعوا الهيآت السياسية، وهي تخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة، لاحترام الناخب ومخاطبته بلغة الوضوح والحقيقة، وأن تختار من هم أجدر بتحمل أمانة الانتداب النيابي، باعتبار البرلمان القلب النابض للديمقراطية، وأرفع تعبير عن الإرادة الشعبية"، أكتوبر 2006. "فالسياسة بمعناها النبيل، ليست مجرد حملة انتخابية، أو وصلة إشهارية، بل هي فن الممكن بين الحاجيات والإمكانات، والتوعية الدائمة للشعب، والعمل التنموي الميداني.. كما أن النيابة عن الأمة ليست امتيازا، أو ريع مركز، أو حصانة لمصالح شخصية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام"، أكتوبر 2007. وما فتئ الملك محمد السادس يؤكد على "ضرورة تقوية العمل السياسي, القائم على المشاركة المسؤولة للأحزاب الجادة في حسن تدبير الشأن العام على أساس نتائج الاقتراع"، أكتوبر 2008. مادام أن "هدفنا الجماعي الارتقاء بالعمل الديمقراطي إلى ثقافة راسخة، ومواقف نابعة من اقتناع عميق، بدل اختزاله في مساطر شكلية، أو مزايدات جانبية عابرة; وذلك على حساب ما هو أهم بالنسبة للوطن والمواطنين" أكتوبر 2009. لأن "عضوية البرلمان ليست امتيازا شخصيا، بقدر ما هي أمانة; تقتضي الانكباب الجاد، بكل مسؤولية والتزام، على إيجاد حلول واقعية، للقضايا الملحة للشعب" أكتوبر 2010. وأهاب الخطاب الملكي بالنواب البرلمانيين التحلي بما يلزم من الحزم والشجاعة في انتهاج هذه الممارسة المنشودة٬ التي ستضفي قيمة جديدة على عملكم النبيل٬ في تجاوب مع انتظارات الأمة ومتطلبات الدستور الجديد" أكتوبر 2012. وفي العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية نجد التشديد "على ضرورة اعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية"، أكتوبر 2013، أؤكد أن الخيار الديمقراطي، الذي ارتضاه جميع المغاربة، ثابت لا رجعة فيه. بل إننا ملتزمون بمواصلة ترسيخه"، أكتوبر 2014. وكعادة التوجيهات الملكية السابقة، جاء هذا الخطاب واضحا في رسالته: " الخطاب السياسي لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن. وهنا أنبه إلى أن التوجه نحو الصراعات الهامشية يكون دائما على حساب القضايا الملحة والانشغالات الحقيقية للمواطنين، وهو ما يؤدي إلى عدم الرضى الشعبي على العمل السياسي بصفة عامة، ويجعل المواطن لا يهتم بالدور الحقيقي للبرلمان"، أكتوبر 2015. ف "الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا.. إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي ، يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية"، أكتوبر 2016.

ولأن السلطة التشريعية تنبع من إرادة الشعب عبر ممثليه، فقد كانت الخطب الملكية تؤكد على ضرورة مواكبة هذه السلطة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية، ومن هذه القضايا، التعليم، حيث تحدث عنه الملك محمد السادس في شموليته، أسلاكه، وموارده البشرية، وأهدافه، وميزانياته.. كما شكل السكن اللائق والإصلاح الإداري وتشجيع الاستثمار ومحاربة البطالة ضمن التصورات الملكية المطروحة على منصتي البرلمان، (خطاب 7 أكتوبر 1999)، بل إن "الديموقراطية تظل صورية ما لم تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. فعالية الأجهزة الإدارية مرتبطة بالعنصر البشري المؤهل لإصلاح الإدارة من الداخل وجعل سيرها مطبوعا بروح التدبير الفعال وخدمة المواطن والتنمية"، خطاب أكتوبر 2001. لذلك "فأنتم مطالبون بالعمل الجدي، وباستخلاص العبرة من الحملة الانتخابية، التي جعلتكم تقفون على انتظارات المواطنين.. التشغيل المنتج، والتنمية الاقتصادية، والتعليم النافع، والسكن اللائق" أكتوبر 2002، وبصوت المجتمع تحدث خطاب أكتوبر 2005، عن عدم كفاية "الإصلاح المؤسسي الذي نحرص عليه، لا يجب أن يحجب عنا أنه سيظل، بدون تنمية بشرية، صوريا. بل ونوعا من الترف السياسي، بالنسبة للجماهير الشعبية، التي تعتبر العمل من أجل توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، والرزق الحلال، في ظل العفاف والكفاف، شغلها الشاغل". وفي ربطه بين الديمقراطية والتنمية، قال: "الديمقراطية والتنمية ورشان متكاملان، مفتوحان باستمرار. فهما أكثر من مساطر وهياكل وتجهيزات. إنهما قبل كل شيء، تعبير عن طموح وطني مشترك، وتجسيد لمذهبنا في الحكم، بمنظوره الشامل، القائم على ضمان أوسع مشاركة للمواطنين.." أكتوبر 2006. "لذلك نعتبر أن التنمية البشرية، بتوفيرها لوسائل العيش الكريم، هي خير دعامة لتحقيق الديمقراطية. كما أن الديمقراطية، بتعميقها للوعي بالالتزام الوطني، تعد تنمية سياسية فعلية تساهم في النهوض بالتنمية البشرية"، أكتوبر 2006. "كما يتعين ترسيخ الحكامة الجيدة. بالإصلاح الإداري، وتأهيل وتحديث الاقتصاد، للحد من معضلة البطالة، وإيجاد الشغل، مع مواصلة التعبئة حول مبادرتنا الوطنية للتنمية البشرية. لمكافحة الفقر والإقصاء والتهميش" أكتوبر 2007. إنها "بالأسبقية قضايا التعليم النافع، والسكن اللائق، والتغطية الصحية، والبيئة السليمة، وتحفيز الاستثمار، المدر لفرص الشغل، والتنمية البشرية والمستدامة"، أكتوبر 2010. وبمناسبة دستور فاتح يوليوز 2011، قال الملك محمد السادس: "فالتغيير الجوهري الذي جاء به الدستور, لا بد أن يتجلى في تجديد المؤسسات، بمصداقيتها الديمقراطية، ونخبها المؤهلة، وعملها السياسي الناجع, والتنموي الملموس; الكفيل بتوفير أسباب العيش الحر الكريم، لكافة أفراد شعبنا الوفي، ولاسيما فئاته المعوزة، وشبابه الطموح"، أكتوبر 2011.

"إننا نعتبر أن الرأسمال البشري هو رصيدنا الأساسي، في تحقيق كل المنجزات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، وسلاحنا لرفع تحديات التنمية، والانخراط في مجتمع المعرفة والاتصال"، أكتوبر 2014. وضمن أولويات العمل التشريعي، كان لابد من التذكير الملكي للنواب من أن: "ما يهمنا ليس فقط المصادقة على القوانين ونشرها في الجريدة الرسمية، وإنما أيضا تفعيل هذه التشريعات وتنصيب المؤسسات. فمكانة المؤسسات تقاس بمدى قيامها بمهامها وخدمتها لمصالح المواطنين"، أكتوبر 2015. "فعلى الجميع مواكبة التطور، والإنخراط في الدينامية المؤسسية والتنموية، التي نقودها ببلادنا" أكتوبر 2016.