انتهى مؤتمر حزب الاستقلال الذي يعد من أعرق وأكبر الأحزاب بالمغرب، بعد جولتين من مؤتمره السابع عشر. جولة أولى اتسمت بعنف الصراع بين جناحين اختتمت بالتراشق بالصحون والكراسي، وجولة ثانية تقنية تم الإعداد لها خارج مقرات الحزب والمؤتمر، صوت خلالها المجلس الوطني لصالح نزار بركة بأغلبية ساحقة ضد الأمين العام السابق المنتهية ولايته والمثير للجدل "حميد شباط". واختتم المؤتمر بانتخاب أمين عام جديد نزار بركة.
"نزار بركة" يمكن اعتباره من الوجوه الجديدة في القيادة، ولم يكن يوما من صقور الحزب، وتقلد مناصب حكومية ورسمية داخل الدولة، آخرها وراهنها أيضا منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي. كما يمكن أن يحسب على التيقنوقراط البراغماتيين أكثر من اعتباره مناضلا عضويا بنفحة شعبوية كسابقه حميد شباط.
المقدمة هنا لاستخراج مؤشر جديد حول التحول الذي تعرفه الساحة والمشهد السياسي، أو على الأقل الحزبي بالمغرب، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة (أكتوبر 2016) وتشكيل الحكومة بعد "بلوكاج" ستة أشهر -وهي أيضا تمت في جولتين- انتهت بحكومة أبريل 2017 بعد تغيير رئيسها السابق بنكيران وتعويضه بسعد الدين العثماني من نفس الحزب الفائز أي العدالة والتنمية. مع الإشارة إلى مكون مهم في الساحة الاجتماعية والسياسية، وهو حراك الريف والحسيمة الذي انطلق في نهاية أكتوبر 2016.
كما يمكن إضافة مؤشر آخر، وهو استقالة "إلياس العماري" مؤخرا، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وهو الحزب الذي حاول تصدر انتخابات 2016 ليحتل المنصب الثاني، ويقود معارضة برلمانية مؤجلة ومرتبكة، والذي يترأس -في شخص نفس القائد المستقيل- جهة الشمال التي اندلعت فيها أحداث الريف...
المؤشرات هنا تقودنا إلى نقط التقاطع بين الزعماء الذين تنحوا أو أزيلوا عن مركب قيادة أحزاب كبيرة في المغرب تتحمل مسؤولية التدبير الحكومي والمؤسساتي بالجهات والجماعات الترابية للملكة. مع إشارة بسيطة هي أن عبد الإله بنكيران المقصي من رئاسة الحكومة ينتظر دوره في مؤتمر عاصف لحزب العدالة والتنمية شهر دجنبر المقبل، ومهمته شبه مستحيلة للوصول إلى قيادة الحزب في ولاية ثالثة. أوجه التقاطع بين هؤلاء هو الخطاب الشعبوي الذي طبع شخصية وخطاب القادة الحزبيين ومرحلة ما بين دستور 2011 وحكومة 2012 والربيع العربي (حركة 20 فبراير بالمغرب) الذي ساعد بشكل من الأشكال على وصول الإسلاميين إلى قيادة الحكومة، وانتخابات أكتوبر 2016 وتشكيل الحكومة الحالية.
العنصر الآخر في المعادلة -كي يستقيم التحليل- هو المؤسسة الملكية التي راهنت على نفس القيادات ونفس الأحزاب، تعود بعد أحداث الريف لتنتقد الأحزاب والأداء السياسي بشكل صريح في خطاب العرش الأخير. وهو مؤشر آخر يؤكد رغبة المؤسسة الملكية في تغيير الوجوه والمنهجية والأداء. الأكيد هنا أن الأحزاب لم تقم بمهمة الوساطة والتأطير الملائمة والناجعة خلال أحداث الريف، وأن الأداء السياسي وتنزيل الدستور لم يرق إلى التطلعات. كما أن الربيع العربي صار بعيدا عن ربيعه.. والظرفية السياسية والاقتصادية إقليميا ودوليا تحتاج لمقاربة جديدة ومنهجية جديدة وأطر جديدة..
المشهد السياسي في المغرب إذن في بداية تشكيل وتشكل وفق "بروفايلات" مغايرة، لكن كل المؤشرات ما زالت لا تمكن من حسم كل الأسئلة والتساؤلات، و ما زالت بعيدة عن إبراز خارطة طريق واضحة المعالم لمستقبل الأداء السياسي المغربي، بكل التوافقات والتجادبات والتقاطعات والصراعات الممكنة والمرتقبة، فقد ننتظر أكثر حتى تتم الإجابة والتعامل مع محطات المرحلة، ومنها:
- مدى تفاعل الحكومة الحالية، والفاعلين السياسيين، مع الوضع الاجتماعي الذي يتطلب مقاربة مرنة ومندمجة وحكامة جيدة، سواء من حيث تحقيق المطالب، أو استقطاب أصحاب المطالب.
- تتمة مسلسل مؤتمرات الأحزاب الأخرى من أجل فرز نخب سياسية وسيطة في المشهد ومكوناته الأساسية، وبلورة وصياغة العرض السياسي المناسب للمرحلة.
- هيكلة النقابات، وهندسة المطلب الاجتماعي بأولوياته الملحة، وفق مستجدات الوضع السياسي والاجتماعي والمؤسساتي الجديد.
- وضوح موقف ومدى تأثير التنظيمات السياسية الأخرى الغير مشاركة في القرار والتدبير، كجماعة العدل والإحسان، ووضوح التمفصلات بين النخب والإطارات المعارضة...
- تدبير الموقف، والموقع من التقلبات التي يعرفها المحيط الإقليمي والدولي.