لماذا تحول الوالي عبد اللطيف الجواهري إلى راجمة لقذف الأحزاب؟

لماذا تحول الوالي عبد اللطيف الجواهري إلى راجمة لقذف الأحزاب؟ عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب

كان من الطبيعي أن تخلف التصريحات الأخيرة لوالي بنك المغرب، بخصوص مشاكل "العزوف الانتخابي"، والقول "بفقدان ثقة الناس في الأحزاب"، ردود فعل لدى  مسؤولي النخب الحزبية، وذلك لخرقة فعلا لواجب التحفظ كموظف سام كبير، وكذلك  لاعتباره يتحمل، مثل كثيرين جزءا من مسؤولية ما هو  قائم من أزمة اقتصاد ومجتمع، ومن استفحال  الأوضاع  المعيشية  لقطاعات واسعة من المغاربة على اعتبار انه يرأس المؤسسة الوطنية الكبرى التي ترعى اقتصادنا الوطني، وتتحمل مسؤولية كل الأعطاب النقدية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، وضمنها ضعف الاستثمار، وارتباك نسب النمو، والهجمات الشرسة المتوالية على القدرة الشرائية، والعمل على دوام التبعية للمؤسسات المالية الدولية، ثم لاعتباره كذلك من قدماء مهندسي السياسة المالية التي رهنت الاقتصاد المغربي، منذ  ثمانينات القرن الماضي، لما كان يتحمل حقيبة وزارة المالية خلال مرحلة التقويم الهيكلي. ومن ثم فالواجب والاعتبار يقضيان بأن يهتم بالجانب الذي يضر البلاد، أكثر من اهتمامه بالشأن الحزبي، أو بتوريط طرف دون آخر، وتحميله مسؤولية فشل كل التجارب التنموية المجربة إلى اليوم.

 

وإذا كانت  هذه هي ملاحظتنا حول الخرجة الإعلامية غير الموفقة للجواهري، فإن  تناولنا لتفاعلات تصريحاته لا تعفينا، من موقعنا الإعلامي، من تسجيل حقيقة أن المشهد الحزبي يعيش  هو الآخر مظاهر خلل  متعددة  جعلت  هذه  الأحزاب، التي  يسند لها  الدستور دورا  حقيقيا في  تأطير المواطن، والارتقاء بمعرفته، وبأدائه السياسي، تبدو كما لو أنها صارت بلا  دور. ولذلك فهي  مطالبة بالانتفاضة ضد نفسها، لا فقط لأن الجواهري جعلها مثل "الباكور" و"الزعتر"، وهو التعبير الذي لا  معنى له، ولكنها مطالبة كذلك بإعادة المعنى للسياسة. وذلك يقتضي اعتماد تدبير جديد للأحزاب يقوم أساسا على الحسم في ثلاثة مشاكل:

 

- المشكلة الأولى: التدقيق في هوية الحزب من جديد لأنه لم يعد مقبولا أن تعيش بيننا أحزاب تخل بأدوارها الدستورية، وبلا لون،  وبلا   مبادرة،  وبلا موقف. وها نحن نعاين صمتها إزاء كل حراكات المجتمع،  وتقاعسها في ابتكار الحلول لما يعترض سبل نمائنا، وفي الدفاع عن الشرائح التي تخوض يوميا الاحتجاج من أجل تحسين صورة وجودهم. بل إنها حتى حين يسلخ المحتجون تكتفي ببلع اللسان، وتظل قابعة في غرفة الانتظار ترقبا إلى ما يصدر عن تدخلات الملك وخطبه ومبادراته. حتى "النموذج التنموي الجديد" باركوه، وعبروا عن انخراطهم في تفعيله، متناسين أن الحقيقة الحزبية والسياسية تقتضي أن لتلك الاحزاب برنامجا سياسيا، وتميزا إيديولوجيا. وبفضله تسعى، في إطار التدافع الانتخابي، لامتلاك السلطة التنفيذية لتطبيقه في المجال الحكومي. بخلاف ذلك امحت الفروق الإيديولوجية بين الأحزاب، ومعها تلك الفروق الأخرى التي كنا نصنف على ضوئها من هو الحزب الإداري أو اليميني أو اليساري....

 

- المشكلة الثانية: إحالة بعض الوجوه القيادية على التقاعد، وفسح المجال أمام وجوه شابة، إذ لم يعد مقبولا أن تحكمنا أسماء شاخت سنا أو فكرا. وبعضها تحمل مسؤوليات وازنة في عدد من الحكومات، وبعضها ساهم في افتعال عدد من النكبات الاجتماعية التي عاشها المغرب في العقود الأخيرة. كما لم يعد مقبولا أن يتم  تعطيل مبدأ تفعيل الديمقراطية الداخلية.

 

- المشكلة الثالثة: تتمثل في إعادة النظر في عمل الأحزاب الذي صار مطبوعا في أغلبه بصبغة الركون إلى العمل السياسي التقليدي حيث الاكتفاء باجتماعات الغرف المغلقة، وبإصدار البلاغات والبيانات، تاركين للتيارات الأصولية ومن شاكلها الفسحة الرحبة لاحتلال الأدمغة، وللسطو على مغربنا العميق.

 

هذه بعض من عناصر الوصفة التي يمكن، في تقديرنا، أن تعيد الروح والثقة للعمل الحزبي، بدون افتعال المشاكل، أو المزايدة ل"تغريق" طرف ضد آخر. ومن شأنها كذلك أن تفحم كل الذين يتطاولون على الأحزاب التي نرى وجودها ضروريا في البناء الديموقراطي. بل هي شرط نهوض الديمقراطية التي بدونها  لا يمكن ان يسود سوى الاستبداد.

 

فقط على الاحزاب أن تكون أحزابا بالمعنى السياسي والدستوري والأخلاقي.