بالموازاة مع إعلان "تنسيقية القيمين الدينيين"، في "بلاغ عاجل" في 15/6/2021، بـ "معاودة وقفة ثالثة"، ستكون "مختلفة شكلا ومضمونا"، والدعوة إلى الاستعداد لها، في غياب تحديد تاريخ لذلك، فإن الجهات الرسمية، في الطرف المقابل، منشغلة بتنزيل أولى خطوات تدبير المشيخة الأصولية.
ما يهمنا من هذا الاستهلال، هو التنبيه إلى الحرص الرسمي على فرض الأمر الواقع، في حين أن المأمول أن يكون هناك تفاعل للمجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف، يغني الأئمة والمؤذنين عن أي شكل نضالي آخر. فالحس الاستباقي لحكامة التدبير، قد يعفي من الانشغال بهاجس الإسقاطات، أو الاشتغال تحت إكراهات ضغط الاحتجاج. فمسطرة شهادة التأهيل فاشلة، حتى وإن اقترن تطبيقها بالفاشية الوهابية الإخوانية المهيمنة رسميا، في الحقل الديني.
من هنا سنوسع من مدى المفكر فيه، في نازلة هذه المسطرة، انتصارا لوطن سيظل في وعي المؤمنين به، عصيا على أي شكل من أشكال التنميط المفروضة عليه:
1- لا بد من التذكير حتى تظل بلادنا رائدة -بمنأى عن استنساخ مواقف أصبحت متجاوزة عند غيرنا- بأن الأئمة في الجزائر موظفون. وقد تم إدخال تعديلات على مرسوم 2008، هذه السنة استجابة لبعض المطالب. وللعلم، فتنسيقية الأئمة هناك، مخاطب معترف به...
وحتى لا تستنسخ وزارة الأوقاف عندنا من خلال ترهيبها للأئمة، بعض النقاشات هناك بشكل متأخر، فتظهر وكأنها من أهل الكهف، نورد إشكال "من المنبر إلى الشارع"، في سياق مطالب تعديل القانون الأساسي للإمام، كما ظهر في الجزائر منذ سنوات. فالجانب الرسمي هناك، طالب بـ "العدول عن فكرة الإضراب والاحتجاج، لأنها ستضر بصورة وسمعة الإمام أكثر مما ستنفعه". ويستند جزء من هذه المرافعة، على كون "الإمامة في الجانب الشرعي هي نيابة عن السلطان، وإضراب الأئمة معناه إضراب رئيس البلاد، وهذا الأمر لا يمكن حدوثه على الإطلاق". وطالب هذا الجانب أيضا، بـ "العودة إلى طاولة الحوار". ونقف على دور وزارة الداخلية هناك للتخفيف من الاحتقان على لسان منسق الأئمة: "تلقينا مؤخرا مؤشرات إيجابية من وزارة الداخلية، التي أمرت مسؤولي الجماعات المحلية، على مستوى كامل تراب الولاية، بالاعتناء بمطالب الأئمة، والاستجابة لها، وهو ما جعلنا نتريث في اتخاذ القرار الخاص بتصعيد احتجاجنا".
وحتى لا يستهوينا الترحال، نتساءل: ما المانع من ترجمة وزارة الأوقاف لمبدأ رعاية أمير المؤمنين لحقوق القيمين الدينيين بنحو مختلف، عما عليه الحال الآن؟ كذلك ونحن نلتقط ما هو جميل في ثقافة التدبير عندنا، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية يدمج الجمعيات المهنية للقضاة في رؤيته لـ "تفعيل مبادئ الحكامة وأسس المنهج التشاركي وقيم المسؤولية والمحاسبة"؛ نتساءل: ما المانع من أن تكون للقيمين الدينيين جمعيات مهنية؟
2- إن تخبط المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف في تدبير هذه النازلة، أظهر أنها مؤسسات مبتدئة لا خبرة لها. وتتحايل لإخفاء فشلها بشتى الوسائل، والحال أنها تتوفر على أجود الكفاءات، لكن يتم تهميشها. لذلك فالأمر في غاية الحساسية، لأنه يتعلق بتدبير المجال المحفوظ لأمير المؤمنين. فلا يعقل أن يكون صاحب الأمر، وهو المرشد الأعلى للإيالة الشريفة، ينتقد الأحزاب والإدارة، ويوجه البرلمان لأقوم السبل في خدمة الشعب، في حين يتم تدبير مجاله المحفوظ، بالارتجال والاستبداد والاستغلال، بل والأخطر يتم التمكين فيه لمخططات التآمر على الثوابت الجامعة للأمة. وهذا ما يفسر حرص المدبرين لهذا الشأن، على ممارسة السرية، بأي ثمن. حيث تزعجهم مواكبة البرلمان والرأي العام والإعلام وحواس الدولة لذلك. وهذا الانزعاج، ما عبر عنه مؤخراً، الأستاذ التوفيق جهارا في البرلمان، وبغضب الاستبداد.
3- إن شهادة التأهيل كما هي في مذكرة أمانة المجلس العلمي الأعلى في 26 مارس 2021، ليست هي التي في مذكرة تنزيلها في 17 يونيو 2021. فقد جاء في المذكرة الأولى: "يخضع جميع المترشحين لاختبار على نمط موحد يحدده المجلس العلمي الأعلى، مضمونا وشكلا". و"يبلغ المجلس العلمي المحلي الامانة العلمة نتائج الاختبار في بطائق معلومات موحدة تصدر عن المجلس العلمي الأعلى". لكن هذا الاختبار أصبح من خلال المذكرة الثانية عبارة عن "مقابلة علمية" تشرف عليها لجنة مكونة من "رئيس المجلس العلمي وثلاثة أعضاء، يتم تعيينهم بواسطة رسالة من طرف رئيس المجلس". و"يتم تغيير أعضاء هذه اللجنة بشكل دوري".
هذا التعديل لم تمله اعتبارات اللاتمركز، بل أملاه شيء آخر ،لا بد له من التمهيد التالي: لقد سبق أن قرأنا في موقع "أنفاس بريس" أن الأستاذ مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة، قاطع في 17/12/2020، جلسة إشراف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، على عملية عرض خطة المجلس العلمي الأعلى لتفعيل آليات جديدة لعمل المجالس العلمية المحلية. بحيث إن "الاعتبارات الشخصية لبنحمزة لا تسمح بالاستماع إلى فريق عرض الخطة رغم إشراف الأمين العام على ذلك".
إذن فهذا التعديل، ينسجم مع ما روج له من مدة، حواريو بنحمزة، من كونه لن يقبل بأن يتحول إلى عون تنفيذ لأشخاص ناقصي الأهلية العلمية في نظره، حتى وإن كان يجمعهم المكون الأصولي. فتم الخضوع لتضخم الأنا لديه. بل إن حتى بعض القيمين الدينيين، وبعض خريجي التعليم العتيق من غير مدرسته، المتضررين من تدخلاته، يشتكون من كون وزارة الأوقاف، تساير أهواءه الذاتية والإيديولوجية.
وبهذا كما قلنا في مادة سابقة، فشهادة التأهيل هي عبارة عن مقابلة الإقرار في المسطرة السابقة. علما أن عملية الإقرار في المساجد والتي كان يرأس لجنتها مندوب الشؤون الإسلامية، تنبني على شهادة التزكية التي يمنحها المجلس العلمي. وبهذا فـ "شهادة التأهيل لمهمة الإمامة أو الخطابة أو الأذان"، وهي أيضا، تفتقد في تنزيلها إلى تحديد الوعاء الزمني لهذه المهام في المقابلة العلمية المخولة لها، تكون أقل مصداقية من شهادة التزكية، ولن تضمن بالمرة حصانة المساجد. لذلك فمسؤولية السلطة والأجهزة، ستكون جسيمة لمواجهة تخريب المشيخة الأصولية الممنهج للحقل الديني.
أما بعد، فيظهر أن مسطرة تأهيل القيمين الدينيين لها أكثر من وجه في الإحراج. فهي تحرج الدولة المغربية، وتحرج رمز سيادة الأمة فيها، وتحرج الحصانة المذهبية المفترضة في المساجد. ومع ذلك تطل علينا تعبيرات العزة بالإثم، بدون وجل أو حياء. "وَلَبِيسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"!