مصطفى بنرهو: في الحاجة الى مشروع تربوي يمنح الأطفال الحق في التنشيط والترفيه

مصطفى بنرهو: في الحاجة الى مشروع تربوي يمنح الأطفال الحق في التنشيط والترفيه مصطفى بنرهو

يعود النقاش حول شروط الوصول إلى الأنشطة والخدمات الاجتماعية والتربوية في سياق الوقت الحر الى الواجهة ، بعد التراجع عن تنظيم أنشطة المخيمات واستعاضتها بالبرنامج الوطني التنشيطي للقرب، وكأن حق الطفل في الترفيه والتنشيط يرتبط فقط بموعد عطلة نهاية السنة الدراسية، والحال انه حق يجب ان يواكب الايقاعات الزمنية لحياة الاطفال، خصوصا في ظل غياب سياسة عامة للوقت الحر جديرة بهذا الاسم، تأخذ بعين الاعتبار مئات من ساعات الفراغ في السنة التي يقضيها الاطفال خارج الأسرة والمدرسة، والتي اصبحت تشكل قضية تربوية أساسية تأخذ بعدا محليا ملحا، لأنها في الغالب ما يكون تأطيرها تطوعيًا ويفتقر إلى الموارد الحقيقية، وبالتالي يظل العرض غير كافٍ نظرا لأهمية الاحتياجات، والوسائل التي تؤمنه، مما يترك عددا كبيرا من الاطفال عرضة للفراغ ، والذي يمكن أن يشكل أحد العوامل الحاسمة لجنوح الاطفال، خصوصا امام تراجع مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفقدانها سيطرتها للحفاظ على القيم وقواعد العيش الجماعي.

ان زيادة الطلب على سياسات عامة حقيقية تمنح الاطفال الثقة وتمتعهم بحقوقهم خلال اوقاتهم الحرة، تعكس الى أي حد تحتاج الطفولة المغربية الى سياسة تربوية دائمة ومستقرة، لا تكرس المفاهيم المغلوطة والرؤية السطحية لمفهوم الوقت الحر، بل تتساءل عن موقع الأطفال في برامج الأحزاب السياسية، وماذا اعدت لهم حتى لا تظل الطفولة حلقة ضعيفة ومعزولة عن الأولويات التنموية.

ان الاستكانة للممارسات الجاهزة في اتخاذ القرارات بخصوص ما يتم برمجته لفائدة الاطفال، دون مراعاة السياق والاحتياجات التي غالبا ما تقرن بغياب البصيرة الرشيدة، التي لا تنظر إلى العملية التربوية في بعدها الشمولي والمندمج، ويبدو أن مسألة السياسات العمومية تمثل بعدا توضيحيا أساسا لهذه التباينات، ليس فقط من خلال الأساليب التنظيمية التي من المفترض أن توفرها، لتلبية احتياجات الأطفال وتحقيق أهداف العدالة الاجتماعية، ولكن أيضًا من خلال تأثيرها على جودة البيئة المعيشية للأطفال وأسرهم. وبالتالي فإن تقاطع كل هذه العناصر يجعل من الممكن فهم الممارسات الاجتماعية للأطفال والشباب بشكل أفضل، لربطهم بمجموعة الخدمات والأنشطة المقدمة في مجالات حياتهم، وان تكون موزعة بشكل منهجي في جميع الجهات و الأقاليم ، ومواكبتها من خلال قانون البرمجة الذي يهدف في المقام الأول إلى إنشاء مرافق اجتماعية وتربوية وثقافية، لان تدعيم الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز أنشطة أوقات الفراغ الجماعية ،والأنشطة التربوية والثقافية والوقائية ، يضمن الوصول إلى الأنشطة التعليمية الجيدة لأكبر عدد من الأطفال، وخاصة في المناطق القروية والأحياء ذات الهشاشة، ويوفر حلا محليا لاحتياجات الأطفال وعائلاتهم.

فإذا فرضت ظروف جائحة كورونا على القطاع المعني اختيار برنامج وطني للتنشيط، فلابد ان يكون مؤطرا برؤية و بخلفية تربوية واضحة ومتقاسمة مع كافة الشركاء و المتدخلين ، وان يأتي بقيمة مضافة في التعاطي مع أنشطة العطل ، مدخله الأساس اعادة الثقة في تنشيط القرب ، و توسيع مجالاته و امكاناته، فلا يجب الانكباب فقط على الفضاءات التي تتوفر عليها الوزارة المعنية ، بل يقتضي الامر تضامنا حقيقيا بين كل المكونات المهتمة بالتنشئة الاجتماعية، من قطاعات حكومية وشبه الحكومية وفعاليات مدنية ومؤسسات وجماعات ترابية، و توحيد الجهود وتنسيق التدخلات وحشد كل الإمكانيات والميزانيات لمواجهة احتياجات الأطفال في مجال توسيع مساحات تنشيط القرب ، على قاعدة تصور يأخذ بعين الاعتبار كافة مكونات المجال، من فضاءات ومؤسسات وحدائق ومساحات عمومية و ملاعب القرب و فضاءات خاصة وشواطئ، لأن الأطفال بعد الحجر الصحي في حاجة لتوسيع مجال التنشيط السوسيو تربوي، لتشمل مختلف البرامج الثقافة و الرياضة والترفيهية و التعليمية، أنشطة تجعل من الوقت الحر وقتا للانفتاح و الانتفاع المتساوي، من اجل تحقيق المبادئ التكميلية للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. لان الحق في احترام حماية الأطفال لا ينبغي ان يظل مجردا ومثاليا، ولكن أن يصبح واقعا يوميا ينعكس على وضعهم في التمتع بالحياة الكريمة.

ان الارتقاء بمستوى التعاطي مع أنشطة الوقت الحر باعتماد أسالب جديدة، و باليات مبتكرة يقتضي خريطة تربوية محلية ، تحدد معالم الرؤية الموحدة للسياسة المحلية في مجال الاعتناء بالأطفال أثناء الوقت الحر، وخلق الصلة بين مختلف المؤسسات ذات العلاقة بمساعدة الأطفال والشباب، من اجل تمكينهم في المدن والقرى بالأنشطة الرامية إلى تعزيز التنشئة الاجتماعية أثناء الوقت الحر ، و ان تعويض الفوارق المتباينة في الوصول إلى الانشطة الترفيهية يجب ان تخضع لعدالة مجالية ، في بعدها المكاني و البشري والثقافي والبيئي ، وليس حصرها في المجال الجغرافي، و إزاحة عوائق تنفيذ المشاريع على الجمعيات المؤهلة لتساهم بدورها في جودة الترفيه وتسهيل عملية اندماج الأطفال في المجتمع وفق منظور اشمل .

فلا يعقل ان يظل غياب التمثل الحقيقي للقضايا السياسية والاجتماعية المرتبطة برعاية الأطفال خلال اوقاتهم الحرة، ينتج عنه ضعف التدخلات في هذا المجال، او يتم تجاهله تماما في توزيع الاختصاصات بين القطاعات الحكومية والجماعات الترابية، ولا يشكل اهتماما ولا اولوية، ولا يكثر الحديث عنه الا بمناسبة فترة المخيمات رغم أهميتها ، والتي تحتاج بدورها الى مسار تربوي جديد يجعل منها مؤسسة وطنية للتربية على المواطنة، تنمي مواهب الأطفال وتعلم القيم المتعلقة بالحياة في المجتمع.

ان الحق في الترفيه والراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب، لا يحظى بالاهتمام وفق ما تنص عليه المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل، التي تعتبره أحد أكثر السمات تمييزا لمرحلة الطفولة والتي يحتاج فيها الاطفال المشاركة في اللعب والأنشطة الترفيهية المناسبة لأعمارهم والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية، لكن كيف يمكن لهذا الحق ان يصبح ممكنا في حياة الأطفال وفق معاير تمكنهم من الاستمتاع والتعبير عن أنفسهم وتساهم في تنميتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم؟ ان هذا الحق يتطلب استيفاء بعدة شروط:

أسئلة تطول إذا ما نحن اكتفينا بطرحها دون البحث عن سبل تحسيس الجميع بأهمية اعتبار هذا الوقت كباقي الأوقات الاجتماعية الأخرى، جدير بالاهتمام ويتمتع بقدر كبير من الشرعية والتنظيم والفعالية في السياسات العمومية الموجهة للأطفال.