أَوْلَادْ سَبْعْ مَيَةْ.. أسرة "اَلْمَشْيَخَةْ" لفن العيطة التي لم ينصفها التاريخ

أَوْلَادْ سَبْعْ مَيَةْ.. أسرة "اَلْمَشْيَخَةْ" لفن العيطة التي لم ينصفها التاريخ الشيخ محمد ولد 700 رفقة الزميل أحمد فردوس يتوسطان الشيخين الزرهوني وولد الصوبة

اعتزلت الفن حاليا، بعد أن بلغت الشيخة فاطمة زوجة الشيخ عمارة (الملقبة بِسَبْعْ مَيًةْ) من العمر عتيا (85 سنة)، حيث عاصرت ثلاثة ملوك (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس): "أَنَا زَايْدَةْ فِي سنة 1936، بدوار "اَلْقُبًةْ" بمنطقة ثلاثاء بوكدرة بإقليم أسفي"؛ تؤكد أم الثلاثي الفني أَوْلَادْ سَبْعْ مَيْةْ (الشيخ مُولَايْ عْلِي، والشيخ اَلسِي مُحَمًدْ والشيخ سَعِيدْ، وابنتها الفنانة مِيلُودَةْ).

 

شاءت الأقدار أن تلج الشيخة فاطمة إلى عالم فن الغناء الشعبي والتراثي وتتدرج في مشوراها الاحترافي مع مجموعة من الرواد من جيلها مثل الشيخ اَلْحَمْرِي والشيخ السي مُحَمًدْ أَوْرَمْ، والشيخ اَلْحُسَيْنْ اَلدَلًالْ، والشيخ مْبَارَكْ اَلْعَبْدِ...، وأخرين منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال يكابد قساوة الحياة... إلى أن تزوجت بالشيخ عْمَارَةْ ابن منطقة خْمِيسْ نَـﯖًـةْ سنة 1962 بدوار "لَمِيسَاتْ" بمنطقة عبدة.

 

توثيق زواجها رفقة الشيخ عمارة الذي كان بارعا في ضبط الإيقاع بـ "اَلطَعْرِيجَةْ"، والعزف على آلة الكمنجة وأداء مختلف "لَعْيُوطْ" والغناء الشعبي مكنها من الترحال والسفر بجانبه لتقديم عروضهما الفنية سواء بمنطقة عبدة الساحرة، أو بحاضرة المحيط مدينة أسفي مرورا بمدينة الدار البيضاء والعودة للإستقرار مجددا مع زوجها بدوار "لَمِيسَاتْ" بجماعة خميس نَـﯕًةْ، لتنجب بعد رحلتها الفنية، من رحمها تحت سقف "مدرسة الغناء الشعبي" ستة أطفال وهم (مُولَايْ عْلِي، اَلسِي مُحَمَدْ، سَعِيدْ، مَسْعُودْ، مِيلُودَةْ وعَايْشَةْ).

 

عن فلذات كبدها الذين احترفوا "فَنْ اَلْعَيْطَةْ" والغناء الشعبي والتفنن في غناء (اَلْبَرْوَالْ اَلشَايْظْمِي) في سن مبكرة، أكدت الشيخة فاطمة قائلة بأن "ابنها البكر الشيخ مُولَايْ عْلِي سَبْعْ مِيَةْ رأى النور بدوار "لَمِيسَاتْ" بمنطقة خميس نَـﯕًةْ سنة 1964، وبعد ذلك أزدان فراش الأسرة بالمولود الثاني الشيخ السي محمد سَبْعْ مِيَةْ وتلاه، الشيخ سعيد سَبْعْ مِيَةْ ....".

 

من ثدي الأم الشيخة الموقرة فاطمة (700) التي كانت تحترف الغناء الشعبي وأداء مختلف أنماط العيطة المغربية، تشرب الأبناء في البدايات حليب الفن النقي والطاهر، واستأنسوا جميعهم بلحظات طربية وفنية تحت سقف البيت وهم يستمتعون بمرددات أمهم فاطمة وهي تعد لهم وجباتهم الغذائية، أو أثناء قيامها بخدمات البيت (نسيج، حياكة، طبخ...)، وشنف والدهم المرحوم الشيخ عمارة مسامعهم بمقاطع فنية شعبية أو بَرَاوِيلَ متنوعة تمتح من عمق موروثنا الغنائي الشفهي الشعبي.

 

وأكد الشيخ محمد ولد الصوبة (الكمنجي) على أن محمد ولد سبع مية "التحق بمجموعتي الشعبية، بعد أن أخذ عن والده الشيخ عمارة أصول الحرفة والصنعة"، واعتبره في سياق حديثه مع جريدة "أنفاس بريس" بأنه "أخذ المشيخة عن كبار رواد شيوخ العيطة والغناء الشعبي بالمنطقة من أمثال الشيخ وَلْدْ اَلْحَلَاوِي، والشيخ اَلصَاحِبْ بَلْمَعْطِ، والشيخ صَالَحْ اْلسْمَاعْلِي.."، ليلتحق بعد ذلك بمدرسة الشيخ ولد الصوبة الذي يعتبر أحد روادها بدون منازع على مستوى عزف آلة الكمان وآلة لوتار...

 

"مَشْيَخَةْ" أسرة أولاد "سَبْعْ مِيَةْ" تعددت روافدها الفنية التي تعامل معها الشيخ عمارة والشيخة فاطمة أطال الله في عمرها: "الشيخ عمارة كان يتقن أداء جميع الأنماط الغنائية الشعبية، وكان عازفا متمكنا من آلة الكمان، وضبط الإيقاع بالطعريجة في نفس الآن، حيث اشتغل مع مجموعة من الرواد من أمثال الشيخ الدلال، وامبارك العبد، و ولد الحلاوي" يوضح الشيخ ولد الصوبة.

 

مصادر الجريدة، من محيط "أولاد سبع مية"، أكدت بأن المرحوم الشيخ عمارة "تتلمذ على يده شيخات وشيوخ كثر، ونفس الشيء ينطبق على الشيخة فاطمة التي حرصت على تلقين العديد من الشيخات اللواتي احترفن الغناء الشعبي منهن الشيخة طامو بنت خربوشة والشيخة الملقبة بـ (القرعة) وأخريات عديدات".

 

وأفادت المصادر نفسها بأن "الشيخة فاطمة سبع مية قد بدأت مشوارها الفني مع شيوخ آخرين قبل زواجها بالشيخ عمارة، مثل الشيخ حسن الحمري، والشيخ محمد ورم، والشيخ الحسين الدلال، والشيخ أمبارك العبد..."، وتزامنت فترتها المشرقة مع رائدات الغناء العيطي من أمثال الشيخة اَلْبِيهِيَةْ، والشيخة خَدُوجَ، وإيقونة العيطة الشيخة فاطنة بنت الحسين.. "في هذه الأجواء و الوسط الفني ترعرعت الشيخة فاطمة سبع مية، إلا أنها لم ينصفها التاريخ ولم يمنحها طريق النجومية والشهرة" يؤكد الشيخ ولد الصوبة.

 

وعن بدايات الأبناء "شكل الشيخ اَلْكَمَنْجِي مُولَايْ عْلِي سَبْعْ مِيَةْ مجموعة ثلاثية مع أخويه الشيخين السي محمد (إيقاع البندير) وسعيد (إيقاع الطعريجة) بعد أن اعتزل والدهم الشيخ عمارة ووالدتهم الشيخة فاطمة العمل الفني، حيث اكتفت هذه الأخيرة بتكوين فرقة نسائية برعت في أداء الغناء الشايظمي والمرددات النسائية التي تحفظ من نصوصها البدوية الشيء الكثير، وكانت مطلوبة بقوة في أوساط الأسر المسفيوية والعبدية، إلا أنها لم تسجل إلا شريطا يتيما للمرددات الشعبية (صوت أميمة) بعزف الكمان صحبة الشيخ السي محمد ولد الصوبة سنة 2000 ".

 

الإرهاصات الأولى انطلقت من "اَلْخَيْمَةْ" بدوار "لَمِيسَاتْ" بِخْمِيسْ نَـَﯕةْ، وشق طريق احتراف الغناء الشعبي وأداء فن العيطة يسره فضاء الأسرة الفنية لمجموعة أولاد سَبْعْ مِيَةْ، وتحت سقف بيت العائلة، حيث احتكوا مع والدهم المرحوم الشيخ عْمَارَةْ وعزفوا رفقته على كل الآلات الوترية والإيقاعية الأصيلة التي كانت في متناولهم بكل أريحية، وورثوا من الوالدين جينات الفن والطرب والغناء الشعبي .

 

يقول الشيخ الكمنجي السي محمد ولد الصوبة بعد أن "اشتد عود الأبناء، وبدأوا يبحثون عن أصول "اَلْمَشْيَخَةْ"، قرروا مرافقة أغلب شيوخ العيطة وجالسوا روادها لحفظ متونها ومقاماتها وإيقاعاتها وميازينها".

 

لقد تأثر السي محمد ولد سبع مية بمدرسة الشيخ محمد ولد الصوبة وأصبح شيخا متمكنا، إلى درجة أن المستمع لعزفه دون أن يراه، يخال أن شيخه ولد الصوبة هو الذي يعزف على الكمان بأنامله الراقية، (تقاسيم وتزواق السي محمد ولد سبع مية شبيهة بأنغام كمنجة ولد الصوبة) يوضح الشيخ جمال الزرهوني ورشيد بلهاشمي اللذين رافقاه في جلسات فنية بـ "اَلدْوِيرِيَةْ/ اَلزَاوْيَةْ" التي مر منها فطاحلة الغناء العيطي ونجوم الأغنية الشعبية (من مختلف مناطق المغرب).

 

كل الشيوخ الذي جالستهم جريدة "أنفاس بريس" أكدوا على أن أولاد سبع مية يعتبرون من "ألمع الشيوخ بالمنطقة بعد أن مروا من عدة تجارب ومدارس تعليم اَلْحَرْفَةْ وَاَلصَنْعَةْ، وإتحاف الجمهور بالهواء الطلق"، وأوضحوا بأنهم "اشتغلوا في مدرسة الحلقة بمجموعة من الأماكن والفضاءات المخصصة لهذا الغرض، وساهموا في صناعة الفرجة بالمواسم وبعض المهرجانات، وتشبعوا بأصول لَحْرَايْفِيَةْ الكبار من صناع الفرجة..وداع صيتهم عبر كل المجالات الجغرافية بباديتنا المغربية بدكالة وعبدة وأحمر".

 

وعن الأعمال الفنية الخالدة التي توثق "لِمَشْيَخَةْ" محمد ولد سبع مية، "تسجيل شريط مع الشيخة خَدِيجَةْ مَرْﯕُومْ، رفقة الشيخ صقر العيطة عمر الزايدي التامني عيطة (بِينْ اَلجَمْعَةْ وُالثْلَاثْ) والمرور رفقة نفس المجموعة في برامج التلفزة المغربية، فضلا عن اشتغاله على منصة مهرجان العيطة أمام جمهور مدينة أسفي"، يقول ولد الصوبة. واشتغل الشيخ محمد ولد سبع مية كذلك رفقة مجموعة الفنان الشيخ جمال الزرهوني في عدة مهرجانات علاوة على مروره رفقة نفس المجموعة بالقنوات التلفزيونية التي تقدم برامج السهرات الفنية، إلا أنه لم يكتب له المرور باسمه الشخصي كشيخ محترف".

 

وعن سؤال الجريدة المرتبط بكيف تم إطلاق لقب الشيخة "سَبْعْ مِيَةْ" في أول مرة، أكد مجموعة من الشيوخ والشيخات بأن اللقب تم اختياره من عظمة وقوة الدراجة الهوائية ذات الهيكل الحديدي رقم 700، بحكم أن الشيخة فاطمة زوجة الشيخ عمارة، كانت امرأة شامخة ومربوعة القد، وذات سحنة بدوية عميقة، وامتاز جسدها بطول القامة مثل النخلة الباسقة التي تحرس الساحة الفنية في تلك الفترة، لذلك اختار محيطها الفني إطلاق لقب (سَبْعْ مِيَةْ) ليصبح لصيق باسمها الشخصي (الشيخة فاطمة 700).

 

وفي لقاء حصري لـ "أنفاس بريس" بالشيخة فاطمة 700، روت واقعة وضعت مجموعة أولاد سبع مية بين اختيارين، حيث قالت "ذات يوم من سنة 1985، أصر الراحل الباحث الأستاذ المتخصص في فن العيطة بوحميد على أن يرافقه في مشوار برامجه الإذاعية والتلفزيونية الشيخين محمد وسعيد أولاد 700، وطرحوا الملف على والدهم الشيخ عمارة، لكنه تحفظ ورفض العرض لعدة أسباب خاصة، واكتفى بقولته الشفاهية...(اَلرِزْقْ فِي يَدْ اَللَهْ، أُرِيدُكُمْ بِجَانِبِي لِتَتَعَلَمُوا أَصُولْ اَلصَنْعَةْ...)". وختمت تصريحها قائلة "اَلَلهْ يْصَاوَبْ اَلْحَالْ".

 

وهنا نطرح السؤال: ماذا كان سيقع لو رافق الشيخان أولاد سبع مية المرحوم بوحميد في هذا المشوار الأكاديمي البحثي؟ وكيف سيكون وضعهم الاعتباري والاجتماعي ومكانتهم الفنية على المستوى الوطني والمحلي بأسفي؟