من المقرر أن يلتئم اليوم الأحد 23/9/2017، بمدينة "لييج" في بلجيكا، جمع لانفصاليي وجمهوريي حراك الريف بالخارج، بغاية خلق تنظيم سياسي لما يسمى بريفيي الدياسبور/ الشتات، بعد أن فشلوا في الخروج بهذا التنظيم من مسيرة بروكسيل في العاشر من شتنبر 2017.
هذا الاستعجال في خلق هذا التنظيم، بالركوب على الحراك، يغري بتمرين فكري عبر إجراء مقارنة مع انتفاضة "الخبز" في دجنبر 1983، ويناير1984 بالشمال، وما تلاها من تداعيات. هذه الانتفاضة التي تمت في عهد اتسم بالاستبداد، ونزل فيها الجيش الى الشارع بالدبابات، واستعمل فيها الرصاص، وكانت فيها الأحكام قاسية جدا في حق الطلبة.. كل هذا الوضع لم يحمل الذين تمكنوا من اللجوء إلى إسبانيا، على التفكير في خلق تنظيم مماثل للذي يسعى إليه اليوم جانب من تركيبة حراك الريف بأوروبا، وبتمثلات مغلوطة. كل ما قام به هؤلاء الشباب، بعد تفكير طويل، هو إنشاء جمعية العمال والمهاجرين المغاربة بإسبانياATIME. وقد حضرت -في إطار رؤية ربط فعل المغاربة بالخارج بمتطلبات النضال الديموقراطي بالداخل، وليس العكس- أحد مؤتمراتها في مدريد، ممثلا للكاتب الأول لحزب القوات الشعبية، الأستاذ المجاهد عبد الرحمان اليوسفي (وأنا يومئذ كاتب إقليمي للحزب بتطوان)، إلى جانب الأستاذ المجاهد بنسعيد أيت يدر، عن منظمة العمل الديموقراطي الشعبي.. (وهي الرؤية التي كان يتوجس منها المخزن). كما أسس هؤلاء الشباب حركة الديموقراطيين المعارضين المغاربة، الذي شابها فقط حادث معزول، وهو المتعلق بحسن إغيري.
ويرجع الفضل في سلامة هذا التوجه النقابي للمغاربة في إسبانيا والسياسي في أوروبا، إلى الاخ الأستاذ عبد الحميد البجوقي (تم الحكم عليه غيابيا سنة 84 بثلاثين سنة) ورفاقه، الذين جعلوا من تواجد المغاربة بإسبانيا، ضمن منظور رفاهيتها، وجعلوا من تواجدهم في أوروبا والجزائر، ضمن سقف النضال الديموقراطي في المغرب، فكانت عودتهم تباعا، في إطار العفو الشامل، عقب الاستجابة لمطلب إلغاء ظهير 1936 -سنة 1994- والذي يعرف بظهير كل ما من شأنه.
اليوم، نحن في عهد ملك يعتبر الاختيار الديموقراطي من ثوابت البلاد. ويعتبر لا ديموقراطية بدون ديموقراطين. وسبق له أن عبر عن قناعاته الديموقراطية وهو ولي للعهد، في محراب الفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد (أقصد مؤسسة سي عبد الرحيم)، مهندس استراتيجية النضال الديموقراطي في البلاد. وتم استبعاد الجيش في التعاطي مع الشارع في حراك الريف، وتم إشراك المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تدبير هذا الملف، وكذا المبادرات المدنية. ومع كل هذا الفرق، مع العهد السابق، خرج جانب من ريفيي المهجر بأوروبا لإنشاء تنظيم انفصالي جمهوري، غارق في النزوعات الشوفينية والاستبدادية، والتسطيح الفكري. فهل من تفسير لهذه المفارقة؟
في تقديري، أن تراكم الوعي الديموقراطي بفعل دينامية التأطير السياسي والثقافي، جعلت النخبة المغربية تواجه استبداد العهد السابق، بمشعل النضال الديموقراطي. لكن في العهد الجديد، وبالرغم من نواياه الديموقراطية، وخوض تجربة العدالة الانتقالية، فإن الإجهاز على ما تبقى من مسلسل إنهاك القوى الديموقراطية، جعلت البلاد تعرف جزرا في التحصين الديموقراطي لمكتسباتها.
لذلك ما دمنا قد قبلنا كمغاربة، في سياق هذا الجزر، بوجه مثل الأستاذ بنكيران، في سطحية تفكيره واستبداده ونرجيسيته، على رأس الحكومة، وقبلنا بذات المواصفات على رأس بعض الأحزاب الوطنية، فلماذا لا نقبلها بالنسبة للزفزافي وعزوز على رأس حراك الريف بالداخل والخارج؟
ما أود التلميح إليه من خلال هذا السؤال، أننا أمام منظومة للنزيف الداخلي، يجب معالجتها ضمن مقاربة شمولية للإصلاح السياسي. فقد لاحظنا في الحالة الريفية، أنه في الوقت الذي كانت هناك، احتجاجات اجتماعية وحقوقية -قبل الحراك- في عهد حكومة الأستاذ بنكيران، لم تتم الاستجابة لمطالبها، على مسار خط الزلزال الاجتماعي المطابق للزلزال الطبيعي، من تامسينت إلى أيت بوعياش إلى إمزورن، إلى بوكيدارن،، وكذلك احتجاجات تركيست. في هذا الوقت كانت فيه الحسيمة خارج زمن الاحتجاجات المنفلتة، لغلبة التأطير السياسي والثقافي فيها. لكن لما تم تراجع منسوب هذا التأطير، وقع سقوط الحراك، في النزوع الفوضوي، على قاعدة "من تحزب خان"، لتكريس الاستبداد وعبادة الأصنام.
ومن الطبيعي في ظل هذا الوضع، أن تكون عقلية الزفزافي -وهو يرفض هيكلة الحراك ليحتكره في شخصه، ويرفض الحوار، ويبخس العمل الحزبي والنقابي والحقوقي- هي ذاتها عقلية المخزن. ذلك أن تغييب القوى الحية في دعم الحراك، وفي المساهمة في حل إشكالاته، جعل كلا من الحراك والمخزن في مأزق حقيقي.
هذا التشخيص المركز، وهو يحضن رغبة انتصار وطن بمواطنيه ومؤسساته، يستدعي عقل الدولة ليستعيد المبادرة، بغية توفير المناخ المناسب، لمتطلبات الثقة المتبادلة، ليمارس الزفزافي ورفاقه فضيلة النقد الذاتي، ولتستعيد وسائط التأطير الديموقراطي وظائفها، وليقطع المخزن مع مظاهر تصلبه.
ضمن هذ الأفق، تفاعلت إيجابيا مع مفاصل أرضية الدكتور التدموري، المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، للخروج من مأزق الحراك، مع بعض التدقيقات في مدخلاتها، واقترحت لتحصينها رموزا تاريخية ودينية وسياسية وثقافية من الشمال. وراهنت على منطق الدولة في هذا التفاعل، من منطلق المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي للعهد الجديد.
لذلك، لم يبق لنا في سياق استخلاص دروس الأمس واليوم، إلا أن ننتظر تفاصيل هذه الأرضية/ المبادرة، لنرى مدى قدرة التدموري على مواصلة شعرية نسقه التوفيقي، من صعيد الفكر، إلى صعيد الواقع ،هذه المرة. وتلك رحلة شاقة، لا مفر له فيها من جذب إمرابضن/ السادات، لتحويل مسار عناد أيت ورياغل، في مسعى تحرره من الارتهان للخارج، إلى طاقة إصرار على البناء الوطني المتكامل. وهنا يكمن سر زعامة المتقين!