محمد البغوري: الدخول المدرسي والمخطط الاستعجالي بصيغة أخرى

محمد البغوري: الدخول المدرسي والمخطط الاستعجالي بصيغة أخرى

إن الكلام عن الدخول المدرسي لهذه السنة لا يخلو من ارتباك وطرافة. ومرد ذلك في تصورنا، ما يحف المدرسة المغربية من مشاكل وصعوبات. بل أزمات ضاربة بأطنابها يتخبط فيها كل العاملين والفرقاء بالقطاع، مرورا بالإدارة التربوية، وهيأة التدريس، والتلميذ، وأخيرا الأسر التي تكتوي بشتى أنواع المشاكل. فغالبية هذه الأسر ليست بأيديها حيلة، ولا هي عثرت على عناصر من شأنها أن تذلل الصعاب أمام أبنائها وبناتها. وأكبر عرقلة تواجهها تلك الأسر، تلك التي تخص جيوبها التي أفرغتها ومزقتها مناسبتين محايثتين لبعضهما البعض: عطلة الصيف بفتنتها ومفاتنها، بسلطتها القاتلة وسطوتها الماحقة، وبإحراجاتها ومفارقاتها للعقل والخيال والنفس ووو...

فما كاد الناس أن يعودوا لذواتهم، ويسعون لانتشالها من ربقة الصيف المغري والمنفلت من كل المعايير والضوابط، حتى وجدوا أنفسهم في قبضة مناسبة "عيد الأضحى الأبرك" بمطالبه وحوائجه وعاداته.. إلخ...

ما أن يتنفس الكل الصعداء، حتى تلقي المدرسة بكلكلها على ما تبقى من بقية في الأسرة "أباء وأمهات التلاميذ". فانظر كيف تتكالب المشاكل والمصاعب التي تجعل من الدخول المدرسي لا يستقبل بعقل مرتاح، ولا نفس مرضية، ولا شروط تحقق المطلب الأسمى ..

أما الإدارة التربوية،، فحدث ولا حرج، ستجد نفسها أمام ركام من الملفات الشائكة، والمطلوب منها أن تسوي كل الأوضاع، وبسرعة فائقة، وبحلول سحرية، مع العلم أن الإدارة التربوية تجر وراءها تركة ثقيلة، وأثقالا من الأزمات تجعل الأمور معضلات ومشكلات بنيوية جد معقدة، رصدها ومعالجتها وإصلاحها، والتفكير في ظواهرها العصية أمر مستحيل، وتتطلب الكثير الكثير من الوقت والجهد والكفاءات والمقترحات الناجعة والفاعلة.. إلخ.

نصل لهيأة التدريس، قطب الرحى في معادلات المدرسة عامة، والدخول المدرسي للسنة الحالية. إن الأستاذ والأستاذة مطلوب منهما أن يكونا على أهبة واستعداد لا نظير لهما. وعلى وجه سرعة القطار الفائقة، عليهما الحضور بنفسية أخذت ما يكفي من الراحة، وعقل ارتاع ما يكفيه من الاطمئنان، فاستمد القوة وشحن بكل عناصر الاستجمام والاستقواء، وكأني بهيأة التدريس، شهر العطلة كاف لمتابعة كل المستجدات التربوية والتعليمية، التي أتخمتها بها مواقع التواصل الاجتماعي من المذكرات العديدة، والتي ابتدأ عصفها وهديرها أواخر الشهور من الموسم الدراسي الفارط.. إلى جانب مطالب الحياة وإكراهات الأسرة من سكن وصحة وأبناء واجتماع وحقوق وواجبات لا حصر لها، وهلم جرا. فأين هي سيكولوجية الإدارة والمدس والأسرة وأخيرا التلميذ والتلميذة؟ فالتلميذ هو: المعادلة الصعبة في شرطنا التاريخي الراهن.. التلميذ غائب بالكلية عن ما يعتصر الفئات السابقة، ويقض مضاجعها، وتحاصرها المنغصات والويلات من كل حدب وصوب. التلميذ أناء الليل وأطراف النهار منغمس في فلسفة العصر. وملتصق بشكل رهيب في العناوين الفاقعة الألوان من الموضة والرياضة والموسيقية، ومنطق الاستهلاك، والأخبار التي تقدم له جاهزة وبأشكال مغرية، تفنن فيها المهندس والمهندسة المختصين، ورسمت حدودها من طرف مجتمع تحكمه لا عقول لا حساب لها إلا الربح، والمعادلات الاقتصادية وسياسة التجارة المربحة على حساب كل المقومات، ودحر للهويات، ودهس للخصوصيات الثقافية ...

الألاف من تلامذتنا ألقوا بظهر المحن على المدرسة وبكل ما يرتبط بها من قريب أو بعيد "باستثناء قلة قليلة"، وكل التبعات تتحملها الأسر المسكينة والمغلوبة على أمرها، أسر تفتت في كل وقت وحين، اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.. فأي حديث يستقيم عن الجودة في مدارسنا وحالات الإحباط، وضروب الهزائم تغلفنا من فرق شعورنا إلى أخمص أقدامنا؟

أما ما يصطلح عليه بالتأمين المدرسي، فيثير الكثير من الأسئلة واللغط تجعل من الموضوع ملتبسا ومشكلا، تعتوره أكفاف تتطلب ألفاف من ذوي الكفاءات والخبرات، وأصحاب الضمير الحي والمسؤول، وعقلاء اللحظة التاريخية، فهم وحدهم القادرون على إصلاح ما يمكن إصلاحه، وترشيد النفقات، وإعطاء لكل ذي حق حقه.. وحده المسؤول على التأمين المدرسي قادر على صناعة الجمال العقلي والإداري والمدرسي، وهندسة الجيل وتربيته إلى جانب الشركاء وكل الفاعلين على قيم النبل والفضائل العليا. كل ذلك من شأنه أن يعيد الثقة للجميع، في حدود الإمكان .

وسلاف القول: إن بعض هذه المقترحات لا تنقلب إلى مصطلحات إلا بتضافر الجهود، والتربية على العقل التشاركي، وفلسفة الوداد والتصالح بين سائر الفرقاء للارتقاء بمدارسنا العمومية، كما الخصوصية لمصافات التقدم والتحضر والتنوير والحداثة وباقي قيم المجتمع المعاصر، وسياسة التاريخ الراهن.