خصص برنامج "مدارات" على أمواج الاذاعة الوطنية من الرباط، حلقته الجديدة، لإضاءة محطات بارزة من السيرة العلمية، للمؤرخ المغربي المرحوم الدكتور محمد حجي. وقدم الزميل الإعلامي عبد الإله التهاني خلال هذه الحلقة، ورقة عن تآليف المرحوم الدكتور محمد حجي وإصداراته، وعرف بتحقيقاته وإنجازاته العلمية، الرائدة، وفي طليعتها جهده الكبير في إصدار "معلمة المغرب"، وأطروحته الجامعية حول الحركة الفكرية بالمغرب على عهد السعديين، ورسالته المتميزة حول التاريخ السياسي والعلمي للزاوية الدلائية، وبقية أعماله وإسهاماته في تحقيق وإحياء التراث المغربي.
في مستهل تقديمه للراحل العلامة محمد حجي، قال الزميل عبد الإله التهاني "لم يكن فقط مؤرخا ومحققا ومنقبا في تاريخ المغرب وحضارته وميراثه الفقهي واللغوي. لقد كان وحده قطعة من التاريخ. وقامة من قامات النبوغ العلمي المغربي. تخصص الراحل في التاريخ والغوص في حقبه.. بشرحه الوافي وإضاءاته المبهرة. لقد ندر نفسه كاملة لتحقيق نفائس كتب التاريخ..". وأشار في حديثه عن شخصية العلامة محمد حجي بأن "الدكتور أحمد توفيق يذكره السي محمد حجي بالعلامة المختار السوسي... يذكرني برجل يحبه ويبجله وهو العلامة المختار السوسي في أواخر أيامه". لقد كان التوأم العلمي للمرحوم الدكتور محمد بن شريفة نظرا لإنتاجاته الغزيرة من خلال "إحياء التراث المغربي، ونقل ذخائره من مخاطر التلف والضياع، لحماية الهوية الحضارية..".
إنه المؤرخ الموسوعي والمحرر الجامعي المغربي العلامة المحقق محمد حجي، سليل أسرة حجي العريقة. ولد سنة 1923 بمدينة سلا وتوفي بها سنة 2003. "اشتغل في سلك التعليم. واستمر في دراساته العليا، لأنه كان يؤمن بأن الجامعة هي معمل المغرب الجديد الذي سيصنع النخب. وكان من أوائل من نالوا ديبلوم الدراسات العليا. وجمع بين الثقافة العربية واكتساب ثقافة العصر حيث أسعفته اللغة الفرنسية لترجمة نصوص تاريخية. وظل وفيا للمسؤولية التربوية حيث اكتسب مكانة أكاديمية رفيعة بإشرافه على المعهد المولوي تجسيدا للتقدير والمكانة العلمية ومؤهلاته التربوية.. في مسار البحث والتحقيق والتأليف والترجمة..."، يقول معد ومقدم برنامج حوار في الثقافة والمجتمع.
وأوضح الزميل التهاني في سياق حديثه عن العلامة محمد حجي بأن الرجل "تنوعت تمرات منجزه العلمي بين التأليف والتحقيق، تنوع جعل منه مرجعا أساسيا في كل ما يتعلق بتاريخ المغرب. ومرجع في الأسر التي حكمت المغرب، وتميز بأبحاثه حول العصر السعدي. وترك المرحوم حصيلة غنية من الإصدارات".
وبحكم أن العلامة محمد حجي كان "مؤرخا موزعا بين عدة معارف وينتقل من حقبة إلى أخرى ومن تحقيق لآخر". فقد ذكر الزميل التهاني من مؤلفاته وكتبه وإصداراته كتاب "التاريخ الديني والعلمي والسياسي للزاوية الدلائية" و"الحركة الفكرية بالمغرب على عهد السعديين" و"المعيار" و"جولات تاريخية" و"نظرات في النوازل الفقهية"... وكتب أخرى تعتبر من المصنفات النفيسة مثل "إتحاف المطالع...." وكتاب "المحاضرات" الذي يعتبر من أجمل وأبهى ما خلف الراحل على اعتبار أنه استند فيه على الطبعة الحجرية الفاسية وعلى نسخة من محاضرات اليوسي. فضلا عن موسوعة "أعلام المغرب". بالإضافة إلى موسوعة "أعلام المغرب" التي اعتبرها معد البرنامج من "خالدات أعماله. المشروع الضخم الذي أخذ منه قطعة من حياته".
لقد ارتبط اسم المرحوم محمد حجي "العالم والزاهد الذي لا يطلب الجاه، في عيون كل من عرفه عن قرب"، (ارتبط اسمه كثيرا) بالمشروع العلمي الكبير موسوعة "معلمة المغرب" حيث اشتغل بجانبه ثلة من خيرة الأساتذة (أحمد توفيق، محمد بنشريفة، سالم يفوت، إدريس الفاسي، محمد الرمضاني....). لإبراز مختلف جوانب الحضارة المغربية، حيث تحتوي السلسلة على مادة علمية تتمحور حول موضوع رئيس وهو "المغرب الأقصى".
"سلسلة معلمة المغرب تمثل موسوعة علمية حول تاريخ المغرب وجغرافيته وتضاريسه وقبائله ومكوناته البشرية وعمران المغرب وأعلامه، وتاريخ الدول والأسر التي تعاقبت على حكم المغرب...ودور المؤسسات الدينية، ومظاهر الحياة الاجتماعية ومظاهر الأنشطة الحرفية...". في هذا السياق يوضح الزميل التهاني قائلا: "العلامة سي محمد حجي تعلقت نفسه بتاريخ المغرب وحضارته. وبقي متشبثا بإنجاز موسوعة "معلمة المغرب" مراهنا على مساهمة الكفاءات العلمية وثلة من الباحثين المغاربة في مجال الأدب والتاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية. (محمد بنشريفة سالم يفوت، مصطفى ناعمي...). وأضاف بأن المرحوم حجي "كان هو المحرك والمقنع الذي يمتص الغضب... موجها للدعوات ومحررا للمحاضر".
كانت هذه قبسات من سيرة المرحوم العلامة محمد حجي من خلال عناية الإذاعة الوطنية بأعلام الثقافة المغربية الحديثة، صروح حقيقية للعلم والنبوغ المغرب...