بودي قبل مطارحة هذا العنوان، تقديم توضيح في شأن دواعي الكتابة سابقا باسم موحند أيت يوسف وعري، ومن ثم العودة مع مقالي: "الدكتور التدموري يتعاقد على تجاوز مأزق حراك الريف"، إلى أصل سند الكتابة .
تقديري فيما فعلت، كان من منطلق الحرص على الالتقاء حول الأفكار وليس الأشخاص، لذلك غيبت الذات، واكتفيت في الكتابة برمزية الانتماء إلى أيت ورياغل، وأنا أستلهم في هذا المسلك ما قاله سيدنا علي، كرم الله وجهه: "لا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله". لكن حقل التلقي لم يكن له نفس التقدير، إذ كانت هناك مطالبات فايسبوكية بمعرفة الكاتب، بل هناك من التبس عليه الأمر، فأسقطه على شخوص معينة، في ظل الهجمة على حزب معين في الريف، فكان مقال الدكتور التدموري: "في شأن الحراك، وما يتنازعه من وساطات وقمع ونزوعات ديمقراطية تارة، وانفصالية أخرى"، وبقدرته على الانفتاح، والتوجه الجماعي نحو المستقبل ،مناسبة سانحة للعودة إلى أصل سند الكتابة. ولمزيد البيان، فالكاتب المرابط/ أمرابض/ السيد/ الشريف، ينتمي إلى الصف الوطني الديمقراطي، وينحدر من "إمرابضن"، أي من حضن الزعامة الروحية لزاوية سيدي يوسف، داخل أيت ورياغل، في وقت تهاوت فيه كل الزعامات في البلاد. وكان ممن ساهم في رفع طابو الحديث عن قائد جبهة النهضة الريفية؛ محمد الحاج سلام أمزيان..
نترك هذا الهامش من البيان، ونعود لما هو أهم، وهو التقاط أرضية الدكتور التدموري لتجاوز مأزق حراك الريف. حيث وقفت في المقال السابق على هذه الأرضية، وطبيعة الجبهة الرافعة لها، وعبرت إلى جانب بسط بعض التساؤلات، عن أمل تفاعل كل الأطراف المعنية بحراك الريف معها.
لكن اليوم سأقف على مدخل هذه الأرضية، لدى الدكتور التدموري، من ملحظ صدورها من بوابة نقد دقيق للمقاربة المخزنية تجاه الحراك، وهذا جميل. لكنه غير كاف، وقد تغاضى عن نقد أخطاء هذا الحراك، وإن كانت للتدموري إشارات في هذا الجانب في تدوينات سابقة. وفي تقديري لا يمكن تلمس طريق الحل بدون مسلك النقد المزدوج لأخطاء المخزن وأخطاء الحراك، على حد سواء. وحتى مطلب ترشيد سلوك الحراك وتأهيله، يتطلب الوعي بأخطائه.
وبالمناسبة، لن أعيد ما كتبته عن أخطاء الحراك. لكن بودي الإشارة إلى سابق مطالبتي للمعتقلين وعائلاتهم وهيأة الدفاع، استثمار ما جاء في خطاب العرش من إنصاف للخلفية الاجتماعية/ الحقوقية للحراك، لتوفير المداخل الضرورية لفعالية أكبر، للمبادرات المدنية.
أذهب هذا المنحى في التحليل انطلاقا من تجربة احتضنت فيها أسبوعية "النشرة" (جريدة الشبيبة الاتحادية على عهد الأخوين محمد الساسي ومحمد حفيظ) كتابات المعتقل الإسلامي حكيمي بلقاسم الذي قضى تسع سنوات في حي الإعدام، ومثلها بالمؤبد، لما تم سنة 1994 تخفيض الحكم من الإعدام إلى المؤبد، قبل معانقته الحرية. وقد كنت أحد محاوريه على صفحات "النشرة"، وقد أبان عن قدرة معرفية في الالتقاء مع القوى الديمقراطية، وفي التعلق بالحياة. وقد أثمر هذا التفاعل، ميلاد لجنة العمل من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين حكيمي بلقاسم وعوقيل مصطفى، تتكون من أسماء: عمر جبيهة ومحمد المرابط ومحمد حفيظ ونور الدين الخمالي وعبد الرحيم أريري وأحمد الدريدي، وآخرون وأخريات من شتى المشارب. وقد كان فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء، كمقر عمل هذه اللجنة. فهذه الدينامية، مع المناخ الواعد لبداية العهد الجديد، ومقاصد التمهيد لمسلسل الإنصاف والمصالحة، كانت فيه مجرد تهنئة حكيمي بلقاسم للملك بمناسبة زفافه، فيما أذكر، كافية لتتويج هذه الدينامية، فتحقق المراد، ولله الحمد والمنة.
أذكر وبهذا الاقتضاب، بهذه التجربة، لأخلص إلى تأكيد مسؤولية الدكتور التدموري، في تهيئة المناخ المناسب لحل متوافق عليه في الريف، باعتبار أن معظم معتقلي عكاشة هم من منتسبي منتدى حقوق الانسان لشمال المغرب. كما أعتبر أن المعتقل محمد المجاوي بثقافته وتجربته المتكاملة، وسابقته النضالية، ومعاناته الإنسانية العميقة، مؤهل لتنسيق رؤى زملائه المعتقلين، انتصارا لصوت التعقل والحكمة.
وإن من شان هذا المسعى أن يدفع نخبة الريف أكثر، ومعها نخبة الوطن بشتى مشاربها، إلى الانخراط في مسمى مطلب الإفراج عن المعتقلين، على أرضية واضحة. وواهم من يظن أنه بمنطق التصعيد، لاستعجال تضخيم أرقام "الشهداء" والمعتقلين، وسب الملك من طرف جمهوريي الحراك بأوروبا، سيتم الضغط على الدولة في شان هذا المطلب.
لذلك أراهن على حكمة التدموري والمجاوي، لتكفي بعد ذلك مجرد رسالة بسيطة من الزفزافي إلى الملك، لتحقيق المبتغى؛ مبتغى أهلنا في الريف، ومبتغى الوطن في تعاقد سياسي جديد.
وبهذا الطموح، أرى من منظور الحرص على المستقبل، استبعاد أية صفقة في هذا الملف، سواء بالوسيط عيوش أو بغيره. فنحن نرجح معالجة هذا الملف ضمن إتمام مسلسل المصالحة في الريف الكبير، بكل مداخلها التنموية، المادية منها والروحية.
من هنا أقترح قائمة من أسماء رموز تاريخية ودينية وسياسية وثقافية، تنتمي لهذا الريف، يمكن أن ترعى جهد التأليف بين القلوب والتصورات والمواقف، لما فيه مصلحة البلاد والعباد، تتكون من السيدات والسادة: عائشة الخطابي، عبد الرحمان اليوسفي، أحمد المرابط، أحمد الخمليشي، محمد سلامة الموسوي، أحمد البلعيشي، عيسى بويازيضن، جمال أمزيان...
ما أود الإشارة إليه من خلال هذا المسرد، هو أننا لا نعدم في الريف، إمكانيات الحل، قبل إتمام المسار القضائي. لكن أخشى على أرضية الدكتور التدموري، تفاصيلها، إن لم يستدرك صاحبها، متطلبات التحليل الملموس للواقع الملموس!