لماذا سيبقى ملك المغرب عقدة للرئيس الجزائري تبون ..اقرأ تحليل أبو وائل الريفي

لماذا سيبقى ملك المغرب عقدة للرئيس الجزائري تبون ..اقرأ تحليل أبو وائل الريفي الملك محمد السادس يفكر بلغة العصر بينما الرئيس تبون يفكر بلغة البلوكاج
ماسبب كل هذا الحقد والسموم التي ينفثها الرئيس الجزائري تبون ضد المغرب وضد المؤسسة الملكية بالأساس؟ مالذي جعل الرئيس تبون يصاب بإسهال في خرجات إعلامية تصب كلها في خانة كراهية المغرب وكراهية ملك المغرب؟ ماهو سر عقدة الملكية بالمغرب لدى الرئيس تبون والعسكر الجزائري؟
هذا ما عالجه بتفصيل أبووائل الريفي في مقال نشر بموقع "شوف تيفي" يوم 13 يونيو 2012، وهو المقال الذي تنشره " أنفاس بريس"، بتصرف:
 
استوقفتني هذه الأيام حوارات للرئيس الجزائري وخرجاته الإعلامية غير المعهودة، في إطار حملة تواصلية يقودها محيط الرئيس لتجميل صورته من خلال الإعلام الأجنبي، بعد أن عجز الإعلام الداخلي عن القيام بالمهمة رغم كثرة العناوين والمؤسسات الإعلامية وضخامة ما يصرف عليها ولكن افتقادها للمصداقية والمهنية جعلها بدون تأثير.
 
تتزامن هذه الحملة التواصلية (حوار مع مجلة لوبوانLe point  ومع الجزيرة)، مع دخول الجزائر المرحلة الأخيرة لانتخابات تشريعية مبكرة، بسبب إقدام تبون على حل الغرفة الأولى في فبراير، بغية فرملة الحراك الشعبي واستمالة الشباب للالتفاف على الاحتقان الذي تعرفه الجزائر والذي لم ينقص بعد أكثر من سنة على توليه الرئاسة.
 
رهانات هذه الانتخابات كثيرة، وأهمها استعادة ثقة مفقودة للشعب الجزائري الذي صار أكثر وعيا قبل أي وقت مضى بالكارثة التي أوصله إليها العسكر منذ عقود، وكذلك "رد الصرف" للمغرب، الذي صار يشكل عقدة لحكام الجزائر، وخاصة ملك المغرب، الذي لا حديث لتبون إلا عنه، ظانا أن التركيز على انتقاد الملك سيعطيه شعبية ويجعل الجزائريين يصرفون النظر عن إخفاقاته.
 
تصريحات تبون التي لا تليق برئيس دولة، لم تمكن الرئيس المفتقد للشرعية الديمقراطية من تحقيق أهدافه ولو جزئيا. لقد كان يتصور أن الرد سوف يأتيه من مستويات عليا في المغرب، لكن المغرب لم يرد على “خاسر” بدرجة رئيس لم يجد العسكر غيره للقطع مع الماضي. وبالمقابل، تكفل الجزائريون من النخبة وعامة الشعب، بالرد على الرئيس وكذب الرئيس وصفاقة الرئيس، من خلال رفع شعار: “تبون بَلَّعْ فُمَّكْ”، لأن لا أحد يصدق رئيسا يكذب على الشعب. لا أحد يصدق رئيسا يمعن في سقط الكلام.
 
تتزامن هذه الخرجات كذلك مع الورطة التي وضع فيها عسكر الجزائر الإسبان بتوريطهم في ملف استقبال زعيم البوليساريو بهوية مزورة، وهو ما أحرج الإسبان أمام المنتظم الدولي، ويريد من تبون أن يخفف الضغط عليهم بتركيز كلامه على المغرب، ولو بالاستعداء المجاني لجر المغرب للرد عليه والانشغال به عوض تركيز اهتمامه على اسبانيا وخروقاتها في هذا الملف.
 
لذلك، لاحظ المتتبعون حرص الرئيس تبون على تبييض مرحلته ولو على حساب من سبقه، حيث كال التهم الغليظة لبوتفليقة ومحيطه مستعيرا لفظ العصابة من الحراك الشعبي لينعت سلفه ومحيطه به، متجاهلا أنه جزء من ذلك النظام وأن لا قدرة لبوتفليقة على الاستمرار لولايات أربع بدون دعم العسكر وحمايته ومباركته. فلماذا لم يستطع تبون انتقاد العسكر كذلك وتحميله مسؤولية عهد بوتفليقة؟ لا جواب عن هذا السؤال سوى أنه أصبح رهينة للعسكر يأتمر بأوامر شنقريحة رئيس الأركان الذي خلف قايد صالح. هل يعقل أن يتحدث رئيس دولة بهذه الحدة عن سلفه؟ وهل يعقل أن يستعمل لغة العصابة لنعت عهد سابق لم تمض عليه سنتين؟ ولماذا لم يصدقه الشعب إذن لو كان صادقا في فك حراكه الشعبي الذي لم توقفه تعديلات دستورية وحل البرلمان ووصف تبون للحراك بالمبارك وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة؟ ولماذا يتم التضييق على الحراك الشعبي السلمي طالما هو مبارك ويمنع المتظاهرون من التعبير عن رأيهم؟
 
عبثا كان يحاول تبون تبرئة العسكر من مسؤولية التدهور الذي تعيشه الجزائر بسبب الإخفاق السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والاجتماعي والصحي. وصار واضحا للجزائريين أن العسكر هو أكبر مشكلة في الجزائر. ولذلك فالحديث عن الفصل بين السياسة والاقتصاد وحده غير كاف، في ظل تجاهل مطلب الحراك الرئيسي المتمثل في مدنية الدولة وعدم تدخل الجيش في السياسة. لماذا لم يكن رد تبون صريحا على أن الجزائر دولة مدنية ودور العسكر هو حماية البلاد فقط ولا دور له في السياسة والاقتصاد؟ ولماذا لم يحمل هذا العسكر، ولو جزءا يسيرا، من مسؤولية العشرية السوداء ومن مسؤولية استمرار بوتفليقة ومن مسؤولية الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي؟ فتبون ليس إلا مبيضا لمرحلة سوداء يتحمل فيها جنرالات الجزائر المسؤولية.
 
ولأن الجزائريين لن ينطلي عليهم هذا التحليل غير المتماسك وهذه الانتقادات غير الحقيقية لعهد بوتفليقة، فقد كان يلزمه البحث عن عدو خارجي لتقوية جبهته الداخلية. ولن يجد تبون وشنقريحة غير المغرب.
 
لقد كان مستهجنا القاموس الحربي الذي ينهل منه تبون أثناء حديثه عن جار وشريك معه في الاتحاد المغاربي، وهو ما فضح الطبيعة العدوانية لنظام لا يعي التداعيات السلبية لهذه المقاربة في ظل وضع إقليمي قابل لانتعاش خطاب الإرهاب فيه، وما يحدث في مالي مثال فقط. ولكن جنرالات الجزائر يجيزون كل شيء لاجتياز مرحلة حرجة كشفت فشلهم التدبيري ويبحثون لها عن شماعة.
 
هل هناك ما يبرر تمسك تبون بإغلاق الحدود بين بلدين جارين؟ وهل هذا موضوع يستحق أن يلوي تبون بشأنه عنق الحقيقة ليظهر صواب موقفه؟ هل يعي تبون وشنقريحة أن هذا زمن العالم الذي أصبح قرية صغيرة ولا مكان فيه إلا للتكتلات القوية؟
 
من حسن حظ الجزائريين أن وسائط الاتصال تتيح لهم معرفة الحقيقة، وسيقارنون خطاب رئيسهم مع خطابات المغرب وملكه الذي دعا في أكثر من مناسبة إلى فتح الحدود بين الدول المغاربية، وإلغاء العمل بنظام التأشيرات، وتعزيز الوحدة والاندماج بين دول المنطقة. واقترح عمليا الملك محمد السادس إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور في خطاب 2018 بمناسبة الذكرى الـ43 للمسيرة الخضراء، معربا عن انفتاح المغرب على المقترحات والمبادرات التي تتقدم بها الجزائر بهدف تجاوز الجمود في العلاقات بين البلدين. ولأن المغرب أحرص على علاقات جيدة مع الجزائريين في كل المجالات، اقترح الملك أن تتناول هذه الآلية قضايا الاستثمار وتعزيز التشاور الثنائي تجاه التحديات الإقليمية والدولية، وأهمها مكافحة الإرهاب وإشكالية الهجرة، بما يضمن إرساء علاقات ثنائية متينة، وبأن مهمة هذه الآلية “تتمثل في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات”.
 
للرأي العام أن يقارن بين قائدين وخطابين ومقاربتين وشخصيتين. من منهما يفكر بأدوات العالم المعاصر وبمنطق المصلحة المشتركة وبأسلوب رابح رابح وبنفس إيجابي؟ ومن يفكر بمنطق التأزيم والبلوكاج وبلغة حربية؟
 
للأسف، لا يعي تبون وغيره أنه بإصراره على إغلاق الحدود بين البلدين بدون مبررات منطقية وبأسباب تعود إلى ثلاثة عقود فإنه يعذب الشعب الجزائري قبل غيره بحرمانه من نافذة قريبة تشكل متنفسا له، ويضعف بناء اتحاد مغاربي، ويضع نفسه خارج التاريخ والجغرافيا.
 
إنها عقدة تبون وشنقريحة التي تخفي عقدة مشتركة عند جيل من جنرالات الجزائر تنكروا للدور المغربي في دعم حركة التحرير الجزائرية، وهذا واجب على المغرب قام به حينها وسيقوم به في أي لحظة بغض النظر عن الخلاف مع حكام الجزائر لأن المعني به هم الجزائريون، وبحثوا كأولوية، لإخفاء ضعفهم، عن عرقلة المسار التنموي للمغرب وإشغاله بصراعات بينية فارغة. وإنها عقدة تبون تجاه الملكية في المغرب التي يرى إجماع المغاربة عليها ويتابع قدراتها الاستشرافية والتدبيرية التي تخرج المغرب من أحلك المراحل بدون خسائر وبما يقوي الخيار الديمقراطي ويعضد الوحدة الوطنية. إنها عقدة شنقريحة ومن معه وهم يرون “السمطة تدور عليهم” في ملف الصحراء الذي يراكم فيه المغرب الانتصار تلو الانتصار ميدانيا بعد حادث الكركرات الذي كان ضربة قاضية لتفوق جزائري عسكري وهمي، اتضحت حقيقته بعد هروب عصابات البوليساريو تاركة "صنادلها وبقاياها"، ودبلوماسيا من خلال تراجع عدد الدول التي تعترف بجمهورية وهمية مقابل ارتفاع عدد الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء. أما الحديث عن التفوق المغربي اقتصاديا فلا يحتاج دليلا، ويكفي الجزائريين الاستماع إلى شهادات إخوانهم الذين زاروا المغرب ليحدثوهم عن فارق السنوات الضوئية بين البلدين، ويمكنهم كذلك مقارنة تدبير الدولتين لجائحة كورونا ليروا الفرق الشاسع. تبون أصيب بكورونا فلم تعالجه مستشفيات الجزائر! وبن بطوش أصيب بكورونا فكانت الجزائر مضطرة لترحيله على عجل وبهوية مزورة وبدون تفكير في العواقب ليعالج في إسبانيا. هنا يظهر الفرق بين دولة تستثمر إمكانياتها المتواضعة في التنمية وأخرى تستثمر عائدات البترول في تمويل جبهة انفصالية صارت عبئا على الجزائر والجزائريين.
 
سيبقى الملك محمد السادس عقدة لدى تبون لأنه يريد مقارنة نفسه معه فلا يرى إلا فرقا كبيرا يغطيه بما يضره قبل غيره، لأنه لا يتصرف كرجل دولة مسؤول يزن كلماته بميزان الذهب قبل التفوه بها في أماكن عمومية وأمام إعلام يتابعه الجميع. سيسجل التاريخ أن ملك المغرب مد يده للجزائر بدون شروط وتناسى كل أسباب الخلاف تغليبا لمصلحة المنطقة وخدمة لشعوبها. وبالمقابل، سيسجل التاريخ وسيشهد الجزائريون رد فعل بلادهم المغرق في الحسابات الضيقة والمتأثر بأجواء تسعينيات القرن الماضي.