محمد المرابط: الدكتور التدموري يتعاقد على تجاوز مأزق حراك الريف!

محمد المرابط: الدكتور التدموري يتعاقد على تجاوز مأزق حراك الريف!

سبق أن التزمت في مقال "ارتباط انفراج أزمة حراك الريف، بوضوح خريطته الإيديولوجية" -وأنا استعرض شذرات من تعبيرات "منتدى شمال المغرب لحقوق الانسان"، ضد انفصاليي وجمهوريي حراك الريف- بالوقوف على أرضية الدكتور عبد الوهاب التدموري، لتجاوز أزمة هذا الحراك .

لكن أستدرك بداية –وقد اعتبرت الدكتور التدموري القائد الفعلي لحراك الريف بالداخل والخارج- فأفترض أن تكون مختلف تشكيلات المعارضة، منخرطة في حراك الريف، لكن أن يكون في هذا المعترك وبحسابات ضيقة، حزب يرأس الحكومة، وفوق هذا، هو صنيعة مخزنية، فهذا أمر يستدعي إصلاحات سياسية جذرية، من منطلق بناء الدولة الوطنية الديموقراطية. فشخصيا غير مرتاح لالتقاء أصولية المخزن المحتضنة عسكريا في البلاد، مع الانفصاليين والجمهوريين في ميادين الحراك، وهم يستلهمون الأصولية اليهودية لتجاوز مرحلة "الشتات" والاصولية الإسلاموية لضرب الملكية وإمارة المؤمنين، في الوقت الذي نجد فيه منتقدي المخزن من اليسار الجذري في طليعة التصدي لهؤلاء. لا شك أن هذه المفارقة، التي لا تبعث على الارتياح، ينبغي التعجيل بالوقوف عليها، ضمن مقاربة شمولية للإصلاح السياسي.

وعلى بدء أقول: إن قدرة التدموري على التوليف، هي التي حفزتني على الوقوف على مقاله: "في شأن الحراك وما يتنازعه من وساطات وقمع ونزوعات ديمقراطية تارة وانفصالية أخرى"، ومن ثم، محاولة التقاط ما هو مضمر في هذا المقال والتفاعل معه بغاية الدفع  بالوضع القائم في الريف، في اتجاه التوافق المطلوب بين مختلف الفرقاء.

ومن باب التذكير فالتدموري وهو يتصدى لجهوريي الحراك، نعرف أنه جمهوري التفكير، لكنه يحلم مع الحالمين بنظام حكم ديموقراطي، حتى وإن كان ملكيا. ولعل هذه القدرة على التوليف، تغري باستعراض ما هو معلن كمهام للمرحلة، ومرجعية الفعل فيها، لنخلص بعد ذلك لمضمرات هذه الخلاصة في تشخيصه  لسلوك ما يسميه بـ "الدولة المخزنية في مقاربتها القمعية"، تجاه الحراك.

1- يمكن ان نعتبر ان مهام المرحلة تتحدد على لسان التدموري كالآتي: "إننا  إذن أمام مرحلة في غاية الدقة، تتطلب وضوحا في التصورات والمواقف والتعبير عنها صراحة، من أجل إعادة تقويم الوعي الجمعي لدى أهلنا وشبابنا بالداخل والخارج، الذي تحذوه رغبة جارفة في التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، والعمل على تسليحه بالمعرفة العلمية والسياسية حتى يستمر ونستمر جميعا في إغناء وتطوير هذا الحراك المبارك، بما يخدم أهدافه الآنية المتمثلة في ضرورة إطلاق سراح معتقلينا ورفع الحصار والعسكرة على الريف وأهله. وكذا تلبية مطالبنا المتمثلة في حقنا في التنمية، إضافة إلى إحقاق أهدافه العليا المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية، كأهداف مشتركة لعموم المغاربة الأحرار، وذلك في أفق مغرب حر ديموقراطي متعدد بجهاته التاريخية، في إطار الدولة الديمقراطية، الضامنة للحقوق والحريات والممارسة السياسية الديموقراطية".

2- كما يمكن أيضا أن نعتبر ان مرجعية الفعل ،تتحدد  في لسان التدموري على هذا النحو: "إننا إذن أمام تحد صريح يقتضي منا العمل على بلورة أرضية حد أدنى للعمل المشترك، ننفتح من خلالها على كل الفعاليات الديموقراطية والتقدمية والحداثية والأمازيغية في إطار جبهة عريضة سواء بالريف الكبير، ولم لا بكل الوطن وببلاد المهجر، وهي الارضية التي يجب أن تتمثل وبشكل مفصل ما سبق ذكره، من قضايا آنية وقضايا عامة.

كما أن هذه الجبهة العريضة يجب أن تقطع بشكل واضح مع أصحاب الطروحات المخزنية، حتى وإن تقمصوا الحداثة والديمقراطية. وكذلك مع أصحاب الطروحات الشوفينية المطالبين بالانفصال والجمهورية، لكونهم وبغض النظر عن مدى صحة مطالبهم، وعن مدى إمكانية توفر شروط حياة كيانهم المزعوم على بعض جماعات الريف اللسني، إلا أنهم وضعوا أنفسهم خارج الجغرافيا السياسية، ولا يهمهم لا شكل الوطن ولا شكل نظام الحكم ولا شكل الدولة، ولا مجال للعمل معهم على قاعدة أي حد أدنى".

هذا الحسم على لسان التدموري في جبهة مهام مرحلة التجاوز في حراك الريف، هو جدير بالالتقاط والتفاعل الإيجابي معه. لكن ألا يعبر في المضمر عن نقد ذاتي للمنتدى وقد استفرد إجمالا بالحراك، من خلال ضرب كل الوسائط السياسية تحت تعريض "الدكاكين السياسية"، وهو وصف إذ ينسجم مع اعتبار الجهوريين لهذه الوسائط بكونها وسائل القصر لاحتلال الريف، فهو ينسجم أيضا مع قطيعة التدموري، مع ما يسميه بالأنماط المركزية الموروثة عن الحركة الوطنية، فكرا وتنظيما؟

في كل الأحوال، لقد تبرأ التدموري من أصحاب "جمهورية الريف"، ورد الاعتبار للقوى الحية في البلاد، وهو يتطلع إلى مساهمتها في تجاوز مأزق الحراك. لكن هل سينضبط الزفزافي لهذا التوجيه؟ أم أنه بعد ان اعتبره الاستاذ البوشتاوي "جابو الله"، سينفلت بالمطلق -وقد استهواه وهم الزعامة- في اتجاه الاسترخاء على ضفاف  جمهورية اللايف؟ وماذا سيكون موقف  منتسبي منتدى شمال المغرب لحقوق الإنسان في سجن عكاشة، مما هو معلن وما هو مضمر في قول المنسق العام لهذا المنتدى؟ وما هو الوعاء السياسي لفوران شبابنا في الريف، من مدخل "التأطير" الحقوقي لمنتدى شمال المغرب؟

وبالجملة، فإن هناك أملا في  تفاعل معتقلي ونشطاء الحراك، والمبادرات المدنية، مع أرضية الدكتور التدموري. وبالقدر نفسه هناك أمل أيضا، في استحضار منطق الدولة في هذا التفاعل، على أرضية المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي للعهد الجديد. وأنا هنا طبعا، لا أراهن على المنطق المخزني، الذي لا يقبل بـ "زعامة المتقين"، بما في ذلك زعامة الملك/ أمير المؤمنين نفسه، وهو المنطق الذي أطاح -عمليا- بكل تعاقدات هذا العهد. وهذا باب عريض للنقاش السياسي والديني، ليست اللحظة، أوان بسطه. وعلى الله قصد السبيل!