مباشرة بعد اندلاع ما سمي بالربيع العربي، بعد حادثة البوعزيزي بتونس، وتوالي الانتفاضات الشعبية والاحتجاجات في مختلف مناطق القطر العربي، وبغض النظر على المسارات والمآلات التي وصلت إليه في كل بلد..
فالمغرب هو أيضا عرف تحركا جماهيريا واسعا أربك كل الحسابات السياسية للدولة، ما دفعها طبعا للإسراع بعدة إجراءات لن نستفيض هنا في تفاصيلها، بقدر ما سنناقش الارتجاج في مواقف بعض الفئات والطبقات الاجتماعية ببلدنا.. وسنركز هنا على البرجوازيات التي نزلت ودعمت حراك 2011 وبشكل علني، حيث لم تقف عند الدعم المعنوي ومساندة مواقف الشارع، بل تعدى ذلك إلى دعم مادي للتظاهرات الاحتجاجية.. وبالرغم من أن هذا الدعم لم يكن ممنوحا من طرف فئات أو طبقات بأكملها، بقدر ما كان ذلك من طرف عناصر محددة، لكنها تتربع بشكل أساسي في أعلى هرم البرجوازيات، ومنهم من كان يتخندق في موقع سياسي وله موطئ قدم في المؤسسات الانتخابية.
بالإضافة إلى كل هذا أطلقت هذه الاخيرة عدة تصريحات ومواقف على المستوى الإعلامي من خلال خطابات واستجوابات وحتى الحضور الميداني في بعض الأحيان، وكان كل ذلك يصب بشكل جدري في دعم التغير بالمغرب من خلال التأكيد على مشروعية وعدالة مطالب حركة 20 فبراير. وكما يقال هنا "اعوجّ ما في الضلع اعلاه".. فما هي مطالب حركة 20 فبراير، ألم تكن شعاراتها الأساسية هي حرية كرامة عدالة اجتماعية؟ ألم يطالب الحراك آنذاك بحل البرلمان والحكومة وصياغة دستور ديمقراطي....؟ وهنا نضع نقطة ونفتح ورقة تحرير بماذا يطالب حراك الريف حاليا؟ أليست نفس المطالب التي رفعتها حركة 20 فبراير؟ بل حتى أقل من ذلك، فلم يطالب هذا الأخير لا بحل الحكومة ولا البرلمان ولا تعديلا دستوريا، لكن لماذا لم تتشدق البرجوازيات المعنية هنا بكلمة دعم واحدة أم أنها تخاف من أن يطبق عليها مثل "جنت براقيش على أهلها".. وبالتالي لم تعد لأحدهم حتى شجاعة براقيش لتَنفصل فكّيه عن بعضها وتخرج من بينهما كلمة مساندة لحراك الريف، أو معتقليه في أقل الاحوال.
لماذا اختفت هذه البرجوازيات عن الانظار، و ضربت حزاما من الصمت؟ هل تم تحقيق مطالب حركة 20 فبراير من حرية كرامة وعدالة اجتماعية؟ أم أن مطالب حرك الريف غير عادلة؟ وحتى في هذه الحالة يجب اتخاذ موقف واضح والتصريح به مع إعطاء مبررات لذلك. وبصرف النظر عن كل هذا، ألا تعاني هذه البرجوازيات هي نفسها من هذا الوضع؟ هل هناك فعلا منافسة شريفة في الاستثمار؟ هل تستطيع هذه البرجوازيات أن تستثمر في كل القطاعات؟ هل استفادت بشكل ديمقراطي من سياسة الخوصصة؟ هل تتمتع بنفس الامتيازات التي تتمتع بها بعض زميلاتها في الموقع الطبقي؟ ألا تعاني من استغلال السلطة السياسية؟ وحتى الفساد المالي والإداري ألا يشكل معرقلا في تطورها كطبقات اجتماعية من المفروض أن تشكل ثقلا في المجتمع؟ ألم تفكر، ولو قليلا، في تطوير مستواها الفكري وكذا السياسي في أفق أن يواكب ذلك موقعها الطبقي؟ اقتداء بمثيلتها الأوروبية؟؟ ألم يكن هذا هو سبب هرولتها نحو حركة 20 فبراير في 2011، إضافة الى معاناتها مع بعض المتملقين من داخلها واستغلالهم لسلطة النفود، وبالتالي احتكار قطاعات استثمارية، بل حتى العبث فيها وهي لا حول لها ولا قوة، ألم تكن هذه الهرولة فجائية للحفاظ على مصالحها وكذا كسب امتيازات في هذا الاتجاه؟، فل نذهب بعيدا ونقول إنها كانت تخاف فقط على مصالحها لأنها أحست بمؤشرات تلوح في الأفق بتغير الوضع السياسي، فكان كابوس ما حدث في تونس قد أفزعها وأيقظها من سباتها العميق.. وحتى في هذه الحالة ألا يجدر بها أن تتكلم وتنطق ولو بكلمة واحدة حتى يعي الجميع أن هناك طبقة اجتماعية، أو على أقل الأحوال أن هناك عناصر من طبقات اجتماعية عليا بالمجتمع موجودة ولها كلمة، حتى وإن لم يهتم بها أحد، وذلك حفاظا على ماء الوجه الذي ابتلت به في 2011، أم أنها جففته بالرمل والتراب جاحدة ما قامت به آنذاك؟ وفي هذه الحالة المعتبرة أساسا رجوعا عن الردة -مع افتراض أن نضالات 20 فبراير ردة- فهي ملزمة بأداء صلاة الثوبة.. لكن المشكلة الكبرى التي تطرح نفسها هي: هل تستطيع الحفاظ على الوضوء طيلة أداء هذا الفرض؟ والافظع من ذلك ألا تعي أن انحناءها قد يزيد من ركوب الآخرين عليها حتى ينكسر عمودها الفقري.. فما دورها في المجتمع؟ وهل تعمل البرجوازيات في الدول المعتبرة أساسا قدوة في التقدم العلمي والثقافي وجميع مناحي الحياة العامة للمجتمع؟ هل تعمل هذه البرجوازيات فقط على جمع المال؟
ما هي بصمتها كطبقة اجتماعية من المفترض أن يكون لها تميز في الحياة السياسية للبلاد، أم أن هذه الحفن البشرية لا تعرف فقط غير جمع المال والعمل على تلبية حاجاتها الطبيعية بشكل مبالغ فيه.. وبالتالي فإن كل ممارساتها وإنتاجاتها في جميع المستويات لا فائدة للمجتمع منها.. فكل ذلك سيؤول إلى مزبلة التاريخ...