يونس التايب: قرار برلماني أوروبي بشأن المغرب منحاز وغير ذي جدوى

يونس التايب: قرار برلماني أوروبي بشأن المغرب منحاز وغير ذي جدوى يونس التايب
فور صدور قرار البرلمان الأوروبي يوم الخميس، انطلق بعض المتتبعين يتساءلون هل هو تنفيذي تتبعه عقوبات، أم هو كلام لا يترتب عليه شيء. وذهب النقاش إلى الجانب المرتبط بمعرفة هل تضمن القرار عبارات تندد بموقف المغرب في خلافه مع إسبانيا، أم أنه ورد بصيغة الأسف والتمني، فقط. ومن المؤكد أن القرار سيتيح للإعلام الموجه في دولتي الجوار الشرقي والشمالي، ومعهم بعض ضعاف النفوس من المسفهين والعدميين، أن يعودوا إلى سمفونية النيل من مواقف ديبلوماسية بلادنا، بأسلوبهم الفج كالمعتاد.
في رأيي، كل ذلك لا يهم في شيء، بل ما يتعين الاهتمام به هو الحمولة المبطنة في نص القرار، الذي لم يصل إلى إدانة موقف المغرب فيما حدث على الحدود مع سبتة المحتلة، إلا أنه عكس اصطفافا كليا مع الموقف الإسباني، وتكريسا لأطروحات استعمارية لا يمكن لنا قبولها، كما لا يستساغ من أي سياسي ديمقراطي حداثي أن يزكيها، وأقصد هنا أطروحة اعتبار مدينتي سبتة ومليليه حدودا أوروبية، والمصادقة بذلك على موقف إسباني متعسف ومخالف لمنطق الجغرافيا والتاريخ.
يقيني أن نواب البرلمان الأوروبي تحركوا بناء على الهاجس الشعبوي المعادي للأجانب، الذي أصبح طاغيا في أوساط الرأي العام في كل دول الاتحاد ارتباطا بموضوع الهجرة، وتأثروا بنجاح الإعلام الإسباني في صرف الانتباه عن أصل المشكل، وهو فضيحة استقبال مجرم الحرب غالي، وتصوير ما جرى على الحدود مع سبتة المحتلة كما لو أن المغرب قد أعلن "حرب المهاجرين" على أوروبا، مما جعل النواب يخشون إدانتهم من طرف الإعلام الأوروبي إن هم لم يبدوا دعمهم لحماية القارة من الخطر القادم من الجنوب. ولا ننسى، أيضا، أن حربا قوية تجري في الخفاء بين لوبيات اقتصادية كبرى لها مطامع في ثروات باطنية في الواجهة الأطلسية للمغرب، وتريد تحييد بلادنا وإنهاكها عبر توتير ملف الصحراء المغربية وتشكيل تحالفات مصالح لا تبالي بسيادتنا على أرضنا ومياهنا الإقليمية.
ولا شك أن هذه اللوبيات لها يد طويلة داخل مبنى البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، وداخل المفوضية الأوروبية ببروكسيل، كما يعرف ذلك الجميع.
أما حديث القرار عن حرص النواب على أن يتم احترام الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، فهو كلام يراد من خلاله التغطية على حقيقة أن النواب الأوروبيين تحركوا برغبة في الانتصار للطرح الإسباني، بشكل فيه غطرسة واستعلاء سياسي وبلطجة ديبلوماسية غير مقبولة تجاه دولة ذات سيادة، يشهد الأوروبيون أنفسهم أنها دولة مسؤولة تستحق الاحترام. وأتساءل كيف نؤمن بصدق ذلك الاحترام، بينما قرار البرلمان الأوروبي يتناقض مع نفسه ولا يحترم حتى الحيثيات التي أوردها في ديباجته في متنه، خاصة حين يشيد ويعترف بتعاون المغرب مع الاتحاد الأوروبي، لسنوات طويلة في مسألة محاربة الهجرة والاتجار بالبشر، وتعتبره تعاونا نموذجيا واستثنائيا.
فهل هل من المنطق أن يتم التعاطي بأسلوب يطبعه التناقض، وكثير من الجبن والنفاق، مع دولة شريك ظلت دائمة الالتزام بتعهداتها بكل ما في الكلمة من معنى، تساهم في إحلال الأمن والسلام وتدعم التعاون وجهود التنمية؟
كيف يمكن للنواب الأوروبيين الادعاء بأنهم حريصون على القانون وعلى حقوق الأطفال، و في نفس الوقت يتجاهلون في نص القرار الإشارة إلى أصل المشكل الذي هو دخول زعيم الانفصال في جبهة العار، إلى التراب الإسباني الأوروبي، بهوية مزورة و على متن رحلة جوية خاصة شبه سرية، نزلت فيها الطائرة في مطار عسكري، بتواطؤ بين رئيس حكومة مدريد و وزيرة خارجيته، دون إخبار وزيرة الدفاع، ورغم معارضة وزير الداخلية الإسباني؟
كيف يعقل أن نص قرار البرلمان الأوروبي سكت عن فضيحة تسلل للأراضي الأوروبية تم خارج القانون، وفي نفس الوقت يتحدث القرار عن رفضه لتجاوز القانون في مسألة الهجرة غير الشرعية؟ أم أن النواب الأوروبيين يعتبرون دخول بن بطوش شرعيا حتى لو تم بوثائق مزورة؟ طيب، ما الفرق بين دخول سري لأي "حراك" من أبناء دول جنوب الصحراء الفقيرة من أثر سنوات النهب الأوروبي، وبين ما فعله مجرم الحرب غالي؟ ألم تكن منظومة حقوق الإنسان الدولية تفرض على البرلمانيين في ستراسبورغ الفرنسية أن يطالبوا باعتقال مجرم الحرب وتقديمه للعدالة، إنصافا لضحاياه ولروح العدالة التي تأسس عليها البرلمان الأوروبي؟ أم أن جرائم القتل والاغتصاب لم تعد منافية للثقافة الحقوقية للبرلمانيين الأوروبيين؟ ثم، أليس "الحراكة" هم، أيضا، حالة إنسانية تستدعي أن تعالج في مستشفيات إسبانيا، كما تمت معالجة بن بطوش ؟
أظن أننا لن نجد إجابات عن أسئلتنا. وربما علينا ألا نبحث عن أجوبة ونحن نعرف فحواها مسبقا. ويستحسن علينا عدم الرد على القرار أو التفاعل معه و مع أصحابه. أكيد أن تجاهلهم سيكون له وقع أكبر عليهم، لذلك لا داعي لتقديم أي شرح أو تفسير أو توضيح، ولنتركهم وما يزعمون.
أما لأبناء المغرب الذين يحملون غيرة وطنية على بلادهم، على أطفال بلادهم وشبابها ونسائها ورجالها وشيوخها، على الأصحاء والمرضى والمعاقين، على الفقراء والأغنياء، على سكان البوادي والمدن، أقول أن قرار البرلمان الأوروبي يأتي في مرحلة تاريخية استثنائية، أبدعنا فيها ملحمة مواجهة الوباء الفيروسي و نموذجا تنمويا جديدا نسعى لتنزيله، وعلينا الحسم في ما نريده بالضبط لأنفسنا و لوطننا:
- هل نريد الدفاع عن سيادتنا و حماية مصالحنا الاستراتيجية، و التوحد وراء مؤسسات دولتنا وتعزيزها، وتحمل تبعات ذلك مهما كان الثمن و الكلفة و حجم التضييق المرحلي الذي قد يصيبنا و يصيب مصالحنا في إطار الحروب الجيوستراتيجية؟
- أم أننا نريد الاستكانة والجبن و طأطأة الرأس لكل قوة دولية متغطرسة تحن لماضيها الاستعماري، ونتجنب المناورة ونتجنب مقاومة رغبات السيطرة على ثروات بلادنا من طرف قوى أجنبية، ونقبل استدامة الضغط علينا بخصوص قضيتنا الوطنية لقرون قادمة ؟؟؟
علينا أن ننتبه إلى كمية السم المدسوس في نص القرار وبين سطوره، ونعترف أننا نواجه سلسلة حروب صامتة متعددة الجبهات، وأن الاحترام يمنح للدول التي تمتلك القوة بمفهومها الاستراتيجي الشامل. لذلك، علينا أن ننهض للعمل الجاد بروح وطنية عالية وراء ملك البلاد وتحت قيادته الحكيمة، من أجل تنمية بلادنا بشكل صحيح، وتحقيق طموحات أبناء شعبنا وتعزيز مكتسبات الوطن، وتقوية الدولة وعصرنة آليات اشتغالها، وتقوية المجتمع المغربي ودعم تحديثه على أساس هويته وأصالته، وتحقيق التأهيل الشامل لتدبير المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والمعرفية والصحية.
بموازاة ذلك، علينا أن نكف عن الاعتقاد بأن في العالم من يمكن أن يعيننا كي نصبح أقوياء، ومن يريد لنا ولبلدنا الخير بدون مقابل. بل اعتبار أن الخير لن يأتينا إلا إذا رغبنا نحن أبناء المغرب في تحقيقه، و سعينا إلى عزة وطننا و كرامة أبنائه، على قاعدة النزاهة والمسؤولية والحكامة الجيدة، ومزيدا من الديمقراطية و من المشاركة السياسية، و الحرية المسؤولة وحماية حقوق الإنسان، وسمو القانون على الجميع، و كسرنا البيروقراطية التي تعيق الاستثمار والتنمية وإطلاق الطاقات، و أوقفنا كل الاختلالات التدبيرية حيثما وجدت، وفرضنا تطبيق القانون بصرامة على الجميع، وانخرطنا في تنزيل نموذجنا التنموي بدون كثرة الكلام السياسوي، وشجعنا الاقتصاد الوطني و المقاولة المغربية، و دعمنا المنتوج المحلي الوطني، ووجهنا إمكانياتنا لتشجيع السياحة الوطنية كي يتوقف كثير ممن ألفوا إنفاق ملايين اليوروهات لتعزيز أرباح فنادق ومطاعم و ملاهي "الكوسطا ديل صول" الإسبانية.
أما الاعتقاد بأن طريقا غير هاته يمكن أن تجعل النواب الأوروبيين يعودون إلى جادة الصواب، هم ومن يقف وراءهم من اللوبيات الاقتصادية والصناعية والطاقية في أوروبا، فهو مجرد مضيعة للوقت. لذلك، تعالوا بنا نركز في تجويد تدبير أمورنا الداخلية، وتصحيح اختلالات نحن نعرفها، حتى يكون الرد ما يرون لا ما يسمعون، وفاء لأرواح المقاومين الذين سقطوا على امتداد ثلاث آلاف سنة، في ميدان الشرف دفاعا عن أرض المغرب وعرض أبناء الأمة المغربية.