ويستمر العشاء الأخير:
وأنا أفكر بأنه لم تعد تفصلنا إلا أيام قليلة نحو المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال، تذكرت أول لقاء نظمه القيادي الأخ محمد سعود بمنزله بطنجة ليعلن دعمه ل "رؤية أمل" للأخ نزار بركة. اللقاء في الظاهر كان دعوة للاحتفال بازدياد مولود للأخ محمد سعود، ولكن في الجوهر، كان لقاء استقلاليا لدعم ترشيح الأخ نزار بركة كأمين عام لحزب الاستقلال، إذ طالب كل الاستقلاليين المتواجدين باللقاء من الأخ نزار بركة أن يعلن ترشيحه للأمانة العامة لإنقاذ حزب الاستقلال من الوضعية الكارثية التي أصبح عليها.
وأنا أتذكر ذلك اليوم، أدرك تماما بأن مجموعة التغيير التي اصطفت منذ البداية مع الأخ نزار بركة، لم تكن الكفة في صالحها. فمعظم التنظيمات كانت بيد الأخ الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، كما أن قانون الحزب نفسه كان يمنع الأخ نزار بركة من الترشح لأنه لم يكن عضوا باللجنة التنفيذية في الولاية الأخيرة، كما أن معظم المناضلين الاستقلاليين الذين اصطفوا مع الأخ عبد الواحد الفاسي وانضموا إلى جمعية لاهوادة للدفاع عن الثوابت كانوا مقصيين من جل التنظيمات الحزبية التي جددت بالكامل في عهد الأمين العام حميد شباط لقطع الطريق عليهم وللتحكم الكامل في الحزب وتنظيماته، وبالتالي حصولهم على عضوية المجلس الوطني بأقاليمهم للمشاركة في انتخاب الأمين العام القادم كان يبدو شبه مستحيل.
أنصار الأخ حميد شباط كانوا يدركون ذلك. وفي السياسة، لا طرف يمكن أن يتخلى عن مكتسباته بسهولة. وقد يكون لهذا السبب، استهزأ قيادي استقلالي من محدودية لقاء طنجة ومن قدرته على مقاومة تيار الأخ حميد شباط الجارف ، فكتب تدوينة في صفحته بالفايسبوك يسخر من اللقاء بنعته ب "العشاء الأخير"، وكان بذلك يشير إلى قصة عيسى وحوارييه حيث تناولوا العشاء معه في المساء وانقلبوا عليه في الصباح، وهو بذلك كان يعتقد بأن كل من حضر حفل العشاء في المساء سينقلب على الأخ نزار بركة في الصباح. ولكن العشاء الأخير استمر، وانتقل إلى مختلف ربوع الوطن. وهكذا تحول العشاء الأخير إلى رمز وتحد وانتصار لمجموعة التغيير، وهكذا كلما نظم إقليم ما لقاء لمساندة ترشيح الأخ نزار بركة، إلا وكتب قياديو التغيير في صفحاتهم "ويستمر العشاء الأخير".
وعن نفسي، أتمنى أن يستمر العشاء الأخير إلى ما بعد نهاية المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال، ليشمل بيوت جميع المواطنين المغاربة بمختلف انتماءاتهم وطبقاتهم وتوجهاتهم. فما قام به الأخ نزار بركة بالنسبة لحزب الاستقلال والمناضلين الاستقلاليين هو بالضبط ما يحتاجه المواطن المغربي والمغرب، وأنا أقصد هنا ارتقاء الوعي الجماعي.
ولفهم ذلك، لا بد أن نشرح ما قام به العالم والباحث النفساني الأمريكي ديفيد هاوكينز لقياس درجات الوعي. حيث أنجز سلما يظهر درجات الوعي المنخفض والمرتفع لدى الإنسان، وبالتالي لدى المجتمعات. وأكد بأن الأشخاص الذين يشعرون بالعار والتأنيب والشفقة والأسى والخائفون والشهوانيون والغاضبون والمتعصبون والمتفاخرون ذوو كبرياء وذوو "أنا" عالية هم منخفضي الوعي. ومن مظاهر قلة الوعي انتشار الخوف والاضطراب، والخروج بمظاهرات وإعلان انقلابات وتفشي موجة الغضب تجاه الحكومة والتعصب والتطرف للآراء وجلد الذات...
ولو تأملنا ما كان يحصل في حزب الاستقلال قبل ورقة "رؤية أمل"، فإنه لا بد أن نعترف بأن معظم الاستقلاليين كانت تجتاحهم وتحركهم مشاعر سلبية وهي من مظاهر انخفاض الوعي حسب مقياس هاوكينز، فتارة يغضبون ويثورون على الأمين العام حميد شباط ويفكرون في الانقلاب عليه، وتارة يغضبون ويثورون على أنفسهم فيشعرون بالذل والمهانة التي لحقت بحزبهم، وتارة يشتكون ويحاولون إثارة الشفقة وهم يعتقدون بأن أيادي خفية تحاول تدمير حزبهم، وتارة يتملكهم الخوف وانعدام الشعور بالأمان فلا يثقون في أحد، و تارة يأخذهم الكبرياء فيرفضون أن يعترفوا لأحد بصفة المناضل معتقدون أنهم وحدهم من يملك صفة النضال بحزب الاستقلال...
أما الوعي المرتفع، فيقاس بالشجاعة، حيث تصبح الحیاة مثیرة ومليئة بالتحدي والتحفيز، وهي صفة يمتلكها الأخ نزار بركة حيث قبل التحدي رغم معرفته بصعوبة الوضع الذي أصبح يعانيه حزب الاستقلال وبصعوبة المهمة الملقاة على عاتقه وهي إعادة حزب الاستقلال إلى السكة الصحيحة.
والوعي المرتفع يقاس بالحياد، حيث يكون الإنسان في هذا المستوى أكثر مرونة ويعيش في حالة عدم إصدار الأحكام ويعمل على تقييم موضوعي للمشاكل. وهي صفة يملكها الأخ نزار بركة، حيث رفض تماما أن يشخصن مشاكل الحزب، أو أن يقوم بجلد أي مناضل من المناضلين، أو التحدث بسوء عنهم، بل قام فقط بتقييم الوضع بحياد كامل محاولا إيجاد حلول للمشاكل بدون أن يقوم بإقصاء أو اتهام أي طرف.
والوعي المرتفع يقاس بالاستعداد، حيث يتم العمل بشكل جيد جدا والنجاح بكل الجوانب بشكل عام. وهي صفة يمتلكها الأخ نزار بركة، حيث منذ دخوله لمعترك الترشيح للأمانة العامة، وهو يتتبع كل كبيرة وصغيرة لإنجاح المؤتمر، فتجاوز عراقيل متعددة كان يبدو من المستحيل تجاوزها والتغلب عليها.
والوعي المرتفع يقاس بدرجة القبول والتقبل، الأشخاص في ھذا يقدمون الأهداف طويلة الأجل على الأهداف القصيرة الأجل، ولديهم انضباط ذاتي وإتقان بارز، كما أنهم يتجاوزون الشعور بالضعف واعتبار أنفسهم ضحايا، ويعتقدون أن كل شيء ينطلق من الذات. وهي صفة يمتاز بها الأخ نزار بركة، حيث رفض رفضا تاما نظرية المؤامرة، كما أن هدفه ليس أن يكون أمينا عاما وهو هدف قصير المدى، بل هدفه هو أن يعيد لحزب الاستقلال مكانته في الساحة السياسية وتخليق العمل السياسي وهو هدف طويل الأمد.
وحسب مقياس هاوكينز للوعي، فإن الأشخاص الذين يملكون درجات الوعي المرتفع هم قلة قليلة، ولكن عندما يوجدون فإن لهم القدرة للارتقاء بالأشخاص ذوو مستويات الوعي المنخفض والتأثير الإيجابي عليهم. وهو بالضبط ما قام به الأخ نزار بركة، حيث تصالح معظم الاستقلاليين مع أنفسهم، وابتعدوا عن جلد أنفسهم أو جلد بعضهم البعض، ليختاروا المصالحة عنوانا لمرحلة جديدة بحزب الاستقلال.
ويستمر العشاء الأخير.