هل انتهى دور المؤسسات الحزبية والمدنية، أم أن الإخفاق في تمثل متطلبات المرحلة هو السبب في عودة نزعات الفوضوية والعدمية إلى المشهد بعبثية وابتذال...؟
إن ما جرى في شمال المغرب الريفي أكد معطى مهما، ألا وهو هيمنة النزوع القبلي والعائلي المغلق على أشكال التعبير والاحتجاج، في مقابل تصلب العقل الأمني في الدفاع عن المقاربة الأمنية بخلفية مركزية، وفشله في الاستيعاب الكافي والاختراق، إلى درجة تعثر جميع المساعي والوساطات، وبروز أزمة الحوار وإشكالية التمثيلية والمخاطبين، بما يشبه الغموض الهوياتي أو العجز عن التشخيص الاستعلاماتي، وكأننا بصدد مواجهة مفترضة بين المخزن والسيبة، ولكل جهة مبرراتها الموضوعية والذاتية. فالثقة المفقودة تجد مسبباتها في التاريخ، غير أن التحليل الموضوعي يقتضي قياس حجم كبوة الجواد (الانتقال الدمقراطي عبر القطيعة مع ماضي الانتهاكات) على قدر الرهان وقيمته السياسية.. ومن أهم الاستثمارات تأكيد الحق في شغل الفضاء العمومي من زاوية تشاركية وتشاورية وتواصلية متكافئة مع المواطنين، بقرار مستقل وواع وواقعي.
ومادام الأمر كذلك، فينبغي لملمة الجراح الحاصلة والمفترضة وتنسيق الجهود وتوحيد الإمكانيات البشرية والمادية بتعزيز التواصل البيني أولا، ثم الانتقال إلى فرض الحق في الاتصال الإعلامي العمومي. ويبدو أن الجمع بين الانتخابات الجماعية والانتخابات الجهوية، بتعدد المسؤوليات وتماهيها، بخلفية الجمع بين محاسن الدمقراطية التشاركية وبين منافع الدمقراطية التمثيلية، غير منتج للتمثيلية النسبية، مما يستدعي التفكير في صيغة لضمان التعددية النوعية مع الاحتفاظ بجدوى الاقتراع المباشر، وإلا فالبديل يظل هو اعتماد دورتين لتسهيل الفرز والتمكين من دمقرطة الفرص.. وقد يدفع بعض المنطق الصوري إلى محاولة استنساخ تجربة إقليم إفني، بتشجيع نوع من الاكتفاء الذاتي واستثمار الموارد البشرية المحلية من أجل تدبير الشأن المحلي خارج قواعد اللعبة الدمقراطية، فيما يشبه تنخيب الأطر في صيغة تعيين الأعيان وشيوخ القبائل (الشبان).
من هنا لا مناص من تخلي الدولة عن منطق التمركز على الطريقة اليعقوبية، ومن ضرورة استكمال مشروع فدرالية الجهات على أساس دمقراطي، وكل ما يمكن السماح به، لتفادي أي انغلاق وتقوقع منتج للانفصال، هو التشريع لإمكانية تأسيس أحزاب جهوية سوسيودمقراطية، بدل جمعيات مدنية كبرى ذيلية لأحزاب سياسية محافظة معتمدة على الريع والأعيان.. وهذا أمر صعب، ولكن، على الأقل سيؤهل ما هو موجود في الواقع ويخرجه إلى العلن ممأسسا وخاضعا للرقابة الدستورية والقضائية