عتيقة الموساوي: صيف ساخن بالصخيرات-تمارة على إيقاع معضلة دور الصفيح..

عتيقة الموساوي: صيف ساخن بالصخيرات-تمارة على إيقاع معضلة دور الصفيح.. عتيقة الموساوي

يبدو أن صيف عمالة الصخيرات-تمارة هذه السنة سيكون ساخنا، بعد أن باشرت سلطات العمالة تنفيذ بنود اتفاقية القضاء على دور الصفيح التي وقعت مؤخرا بين وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة وزارة الاقتصاد والمالية في إطار برنامج مدن بدون صفيح، وهي عملية تعد الأكبر من نوعها بعد الدار البيضاء، وتشمل إعادة إسكان ما يناهز 22 ألف أسرة من قاطني دور الصفيح بعمالة الصخيرات- تمارة بغلاف مالي يقارب 4 مليار درهم. وهي عملية بدأت بإعادة جرد لإحصاء سنة 2004 والمسح الكلي للدواوير لحصر لوائح المستفيدين، في أفق تحقيق هدف مدينة بدون صفيح، عملية مندمجة لإعادة الإسكان سيتكلف فيها القطاع الخاص بإنجاز وحدات سكنية لفائدة المستفيدين على أساس مساهمة مالية حددت في 100 ألف درهم للأسرة المستفيدة.

 

فهل ستنجح هذه العملية في تحقيق هدفها كما هو مبرمج مع متم سنة 2023؟؟، أم أنها ستعرف تعثرات وانزلاقات تؤثر سلبا على مستوى التدبير والحكامة الجيدة للمتدخلين، أم أن حرارة الصيف ستزيد ارتفاعا بتسييس العملية من داخل الأحياء المستهدفة نتيجة احتجاجات السكان الرافضين للشقق والترحيل البعيد ؟!!.. وهو ما بدأ يلوح في الأفق ويستأثر باهتمام المتتبعين لهذه العملية المتزامنة مع مرحلة الانتخابات المقبلة.

 

الأساليب المتبعة في عملية إعادة الإيواء والإسكان

مهما يكن من تعارض في الرؤى، تبقى دور الصفيح، باتفاق الجميع، تشكل بؤرا سوداء لبؤس حقيقي تتنافى والشروط الصحية والبيئية داخل المدارات الحضرية للمدن، حيت تكاثرت في السنوات الماضية بفعل الهجرة القروية، وتحولت بفعل التوسع إلى أحزمة سوداء، تشوه المظهر الحضاري للمدن، تتحدى الطابع المعماري للحواضر، مما يتطلب تدخلا حازما للمعالجة وفق المستجدات والمتغيرات الديموغرافية لقاطني دور الصفيح.

 

في بداية السبعينات والثمانينات، كانت المعالجة لدور الصفيح تشكل نقلة نوعية لتدخل الدولة، حيت كانت تمنح للأسر القاطنة بقعا أرضية للبناء الذاتي للقضاء على التجمعات الصفيحية العشوائية التي يسكنون بها، وكانت تمنح بأثمنة تقضيلية لا تتعدى 1.5 مليون أو 2.5 مليون سنتيم، تمنح لبناء سكن للأسرة بطابق سفلي وعلوي.. سرعان ما تحول البناء إلى طابقين أو أكثر يتنافي مع الرخص الممنوحة، اتخذت مع الوقت مظهرا عشوائيا يتنافى وجمالية المدينة، الأمر الذي دفع بالدولة للتدخل مجددا بمقاربة الإسكان بدل مقاربة إعادة الإيواء، واتخذت الشقق السكنية كبديل يتم منحها للأسر القاطنة بأثمنة تفضيلية.. أوكلت مهمة إنجازها للوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق (مؤسسة العمران حاليا)، قبل أن تتحول العملية إلى إشراك القطاع الخاص في البرنامج الوطني لإعادة الإسكان، لكن شقق العمارات العمودية لم تكن لتفي بمتطلبات الأسر المركبة نظرا لمساحتها التي لا تتعدى في غالب الأحيان 50 مترا مربعا، في حين تطالب الأسر بمساحات أكبر تتعدى 60 إلى 70 متر مربع كحد أدنى.

 

اتفاقية القضاء على دور الصفيح بعمالة الصخيرات-تمارة على المحك

سيرا على خطى التجديد في العروض، كشفت اتفاقية القضاء على دور الصفيح بالصخيرات-تمارة عن معطى جديد في تدبير البرنامج، وهو تكليف شركة التهيئة الرباط لإدارة المشروع بمقاربة إعادة إسكان كل دواوير الصفيح في آجال 36 شهرا. وهو ما بدا جديدا، لكن أثار تساؤل عن سبب تغييب مؤسسة العمران التابعة لوصاية وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة كفاعل أساسي في محاربة السكن غير اللائق وخبير استراتيجي!!؟، لكن بنود الاتفاقية أعطت بالمقابل للقطاع الخاص مهمة الإنجاز كشريك في التدبير لما يتميز به من ديناميكية وسرعة الإنجاز، وهو ما يعني تعدد العرض السكني وتشجيع المقاولين الخواص وإنعاش القطاع بعد أن عرف ركودا في المرحلة السابقة. وسيتم تزويد البرنامج بشقق ذات مواصفات الجودة، وهذا ما كشفت عنه العروض الأولى للشقق التي سيتم ترحيل المستفيدين إليها بمدينة الصخيرات كمرحلة أولية..

 

ومع ذلك يبقى الثمن المحدد في 20 مليون سنتيم كقيمة تكلفة، محل جدال خصوصا وأن العملية ذات الطابع اجتماعي، وجب الأخذ فيها بثمن التكلفة، اعتبره المستفيدون غبنا يتجاوز قدراتهم المادية.. وأثار موجة الاحتجاج والرفض، وهو سلوك قد يؤثر على عملية الانخراط الجماعي في المراحل المقبلة. وحتى وإن سارعت بعض الأسر لإعداد ملفات الاستفادة.. فالاحتجاج القائم قد يلهب أطماع المرحلة الانتخابية.

 

ورغم أن الاتفاقية قدمت ضمانات صندوق التضامن للسكن.. تبقى الأسر ذات العوز الاجتماعي حالات خاصة فيهم العاجزين والمعاقين، واليتامى.. مما يدفع إلى التفكير بميزان يراعي الحلول الاجتماعية للفئات المعوزة، وهذا ما كنا ننادي به في مقالات سابقة، فالأخذ بمبادرة التكافل والتآزر بما يكفل حق السكن على أسس العدالة الاجتماعية، لتحقيق موازنة الناتج النفعي لكل من الدولة والمستفيد، فهل سنرى إحداث صندوق للتكافل يفي بهذا الغرض بما يخدم تقدم البرنامج على غرار ما هو معمول به في الدول التي سبقتنا لمحاربة العشوائيات؟!!

 

إلى ذاك الحين، يبقى برنامج القضاء على دور الصفيح بعمالة الصخيرات- تمارة قائما بجهود تحقيق التغيير لواقع دور الصفيح، ومحسوم القيمة للفاعلين الأساسين لوزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ومحسوب النتائج للمسؤولين الفاعلين بتراب عمالة الصخيرات- تمارة لكسب رهان معركة عمرت طويلا في محور استراتيجي هام هو الرباط - الدار البيضاء.

 

- عتيقة الموساوي، محللة وخبيرة في شؤون السكن الاجتماعي، وإطار بوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان