رضا الفلاح: إبادة الأقلية المسلمة في بورما ونظرية استهداف الصين

رضا الفلاح: إبادة الأقلية المسلمة في بورما ونظرية استهداف الصين

راجت في الآونة الأخيرة آراء تحاول تكذيب أو استصغار جسامة ما يجري في بورما من إبادة جماعية ضد الأقلية المسلمة، وربط ذلك بمخطط استراتيجي مزعوم تقوده امريكا ضد الصين على حدودها الجنوبية. المشكل لا يكمن هنا فقط، بل الأدهى في الأمر هو الجرأة الساذجة في تحويل خطاب رأي قائم على مقدمات ذاتية إلى خطاب معرفة علمية!

انطلاقا من قراءات سطحية، يتصور البعض أن ما يقع في المنطقة هو سيناريو معد سلفا من قبل الغرب وأمريكا لزعزعة الصين ومحاصرة نفوذها عن طريق ضربها في نقطة ضعفها المتمثلة في هشاشة وحدتها الوطنية.

الخطأ في هذا التصور هو قبل كل شيء منهجي من خلال محاولة طمس ما هو حقيقي بما هو تنبؤي! ثم كذلك الخلط بين الخطاب السياسي والخطاب العلمي.

نظرية استهداف الصين عن طريق إقليم أراكان وفرضية خلق صدام بين المسلمين والبوذيين لغاية تشكيل بؤر اقتتال وانتشار جماعات مسلحة لا تستقيم من المنظور الجيوسياسي لعدة اعتبارات؛ أولها أن الصين قوة اقتصادية عظمى وقوة عسكرية ضاربة وهي قادرة على دحر الجماعات المسلحة في طورها الجنيني بقواتها البرية نظرا لتوفرها على عمق جغرافي هائل على حدودها الجنوبية.

ثانيا، الخيارات الجيوسياسية لزعزعة الصين متعددة لكن أكثرها هزالة و أقلها  ملاءمة هو خيار بورما لأن حدود الصين مع ولاية راخان لا يتعدى طولها عشرات الكيلومترات. من جهة ثانية، التركيبة الإثنية للصين معقدة وتقوم على أقليات ولف بينها الحكم السياسي الشيوعي وألف بين مصالحها نموذج السوق الحرة. لكن تذبذب النمو الاقتصادي قد يقوض هذا التآلف، كما أن ملفات جد حساسة مثل قضية اضطهاد البوذيين في التيبيت والأقلية الإيغورية المسلمة يوفر أوراق ضغط داخلية قد تلجأ الإدارة الأمريكية لتوظيفها في أي وقت وبأقل عناء.

ثالثا، صراع النفوذ الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية غير متوازن والكفة مرجحة بشكل واضح لصالح أمريكا. بالتدقيق في الوضع الاستراتيجي  للقوتين، يلاحظ أن الصين تقف في حالة دفاع جيو-سياسي عن مجال نفوذها الإقليمي، إذ أن بوارجها الحربية لا تتحرك في بحر الكاريبي أو خليج المكسيك مثلا كما تفعل أمريكا في بحر الصين الجنوبي.

وحتى وإن افترضنا صحة مخطط مزعوم كهذا، فالمرجح أنه سيفضي لنتائج عكسية بالنسبة لواضعيه وهو تمتين الهوية الصينية. وبعبارة أخرى، فسيعمل على تقوية شوكة إثنية "الهان"HAN  المهيمنة سياسيا، والتي تسعى لخلق لحمة وطنية متعالية وإحلال هوية جامعة تستبعد وتواجه تسييس التنوع الإثني وواقع الأقليات الدينية المسلمة والبوذية.

المأساة إنسانية بالدرجة الأولى وتحتم نبذ المقتربات الإيديولوجية أو تحليلها ضمن إدراكاتنا اللاواعية. لقد أشارت تقارير أممية إلى حدوث جرائم ضد الإنسانية في بورما. فلا يجدر بالتالي هدم الوقائع أو التقليل من جسامتها فقط لأن المتهمة شخصية حقوقية وحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ولها داعموها من ”الحقوقاويين”. أما نسج نظريات وهمية عن فبركة واسعة النطاق للصور والفيديوهات موجهة لخدمة أجندة جيوسياسية افتراضية ومزعومة، فهذا ما يعرف في علم النفس السياسي بالآليات التعويضية واستراتيجيات التشكيك التي تستخدم لمواجهة حقائق بديهية ومحاولة دحض صحة الوقائع الموثقة.