عبد الرحمان العمراني: هل يريدون أن نصدق أننا تجاوزنا أهداف الألفية؟

عبد الرحمان العمراني: هل يريدون أن نصدق أننا تجاوزنا أهداف الألفية؟

الخبران معا وردا من مصادر مطلعة ومأذونة، الأول مصدر دولي والثاني مؤسسة وطنية.

والأمر في الحالتين يتعلق بمعطيات إحصائية حول واقع حالنا كبلد في مؤشرات التطور الاقتصادي والاجتماعي.

المصدر الدولي يصنفنا في مستوى جد متأخر وأكاد أقول humiliant على مستوى التنمية البشرية بمقاييسها المعروفة في مجالات التعليم والتكوين والصحة والسكن وكفاءة وفعالية الإدارة وغيرها من المؤشرات.

أما المصدر الثاني. الذي أوردت معطياته جريدة الكترونية مغربية  فيقول إن مستوى عيش المغاربة تضاعف (أي ارتفع بنسبة 100/100) !!!وذلك ( افتح عينيك جيدا ) في ظرف ثلاث عشرة سنة !!!!!!.

الخبر الأول نرى مؤشراته بوضوح عند مداخل مستشفياتنا العمومية ومراكز الإستشفاء الجامعية، وزحمة أقسامنا في أسلاك التعليم وحال الطرق في بوادينا، وأوضاع فقرائنا في أحزمة الفقر المحيطة بمدننا  الكبرى والمتوسطة وحتى الصغيرة.

الخبر الثاني لا نرى له مقاييس ومؤشرات اللهم إذا كانت العينة التي اختارتها المؤسسة الوطنية هي الكورنيشات الصاخبة والمليئة بالسيارات  الرباعية الدفع  وروائح العطور وموائد الطعام في المقاهي الأنيقة  التي يرتادها علية القوم خلال موسم الصيف في البيضاء وطنجة وأكادير. (وهو موسم تقلص فيما يظهر الى حدود ثلاثة أسابيع من شهر غشت).

وأنا أقرأ الخبر الثاني توسعت أحداق عيوني من شدة المفاجأة وهول المفارقة (قياسا الى الواقع ) فإذا صحت معطيات المصدر - وهي قطعا غير صحيحة - فمعنى هذا أننا تجاوزنا مستوى النمو الذي سجلتها الأقطار الصاعدة من قبيل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والتشيلي والبرازيل والمكسيك في أوج انطلاقتها.

وإذا صحت معطيات الخبر كذلك فماذا تنتظر وزارة الاقتصاد والمالية والقطاعات الوزارية المكلفة بالتنمية الاجتماعية، ماذا تنتظر لكي لا ترفع تقارير إلى المنظمات الدولية المعنية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ذاتها تخبرها بأننا لا فقط حققنا مستوى التطور الذي أوصت بتحقيقه أهداف الألفية بالنسبة للبلدان النامية، بل تجاوزناه بضعفين.

طبعا لا يجوز إنكار بعض التطورات  النسبية التي حققتها بلادنا خلال العشريتين المنصرمتين في بعض المجالات مثل البنى التحتية، ولسنا من دعا ة النظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس ولا من دعاة التشاؤم المفرط، ولكننا نعتقد أن المقارنة مع الماضي لا تستقيم إذا لم نقارن كذلك بين أوضاعنا وأوضاع غيرنا من الأقطار التي كنّا نتقاسم معها  أكثر خصائص التخلف إلى عهد قريب.

وأذكر بهذا الخصوص ذلك الحديث الذي جري بيني وبين ذلك المواطن الكوري الجنوبي في مقصورة قطار ذات يوم  منذ أكثر من عشر سنوات: حكى لي هذا المواطن الذي كان ابن أحد الديبلوماسيين الذين قضوا سنوات عديدة في الرباط أنه حينما كان يسافر خلال إجازة الصيف إلى بلده صحبة ذويه لم يكن يرى أو يشعر بأية فروق جوهرية على مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي بين البلدين اما خلال المدة الأخيرة -قال مخاطبي- حينما أصبح يعود، مدفوعا بنوستالجيا الرجوع إلى البلد الذي قضى به جزءا من فترة شبابه فانه يشعر بهوة كبيرة في مستوى التطور.

وأذكر كذلك انه شبه لي وضعية الانتقال من التخلف إلى التطور بوضعية كوكبة دراجات في سباق. وذكر في توضيح ذلك أننا انطلقنا من موقع واحد ونوعية دراجات واحدة ومضى السباق ثم انفلتت كوكبة صغيرة من المتسابقين عند مرحلة معينة من السباق، وشقت طريقها بعيدا عن الباقي.

والحاصل أن كوريا الجنوبية هي اليوم ضمن هذه الكوكبة، ولست واثقا أننا نجد أنفسنا ضمن هذه الكوكبة كما قد توهمنا إحصائيات تلك المؤسسة الوطنية التي ذكرت.

وبعد،

إنني وأنا أطالع من حين لآخر دراسات أو إحصائيات او توقعات بعض النشرات والصحف والمنابر الإعلامية حول الواقع الاقتصادي (وخاصة تلك المكتوبة بلغة فرنسية تستعير بعض مصطلحات عالم المال والإعلام ) - يحصل لي أن أتساءل مع نفسي إن كان الأمر يتعلق بتوصيف أحوالنا أم أحوال بلد آخر لا نراه ولا نعيش بين أهله.

ومشكلة هؤلاء فيما أحسب أنهم يَرَون الشجرة ولا يرون الغابة، والغابة كبيرة كثيفة. إنهم يرون جزءا من الواقع ويسبح بهم الخيال فيعممونه على الجميع، ناسين أن هناك من يشرب اللبن بالقهوة -حتى نستعير ذلك الميتافور الرائع لمعلم الأجيال، المرحوم الطنجاوي أحمد بوكماخ -وهناك من يشربها بالتراب