محمد بونقوب : الدخول السياسي و أعطاب تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود

محمد بونقوب : الدخول السياسي و أعطاب تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود

في سياق الدخول السياسي المقبل الذي يتميز بضبابية بحكم عدم معرفة ما سيؤول إليه مؤتمر الإستقلاليين والبيجيديين، وما إذا كان فعلا سيتم تثبيت نزار بركة على رأس حزب علال الفاسي خلفا لحميد شباط؟، ثم هل سيمنح عبد الإلاه بنكيران ولاية ثالثة لقيادة حزب "المصباح" من جديد؟. في هذا الإطار، تفتح "أنفاس بريس" النقاش مع فاعلين سياسيين وجامعيين حول توقعاتهم للمرحلة القادمة من هذا الدخول السياسي. وضمن هؤلاء محمد بونقوب،فاعل سياسي ، الذي أغنى معطيات التفاعل بهذه المساهمة:

بداية لابد من الإشارة بإيجابية إلى كون النظام السياسي المغربي ومنذ حكومة التناوب التوافقي لسنة 1998،عرفت تواتر دوري واحترام لكل المواعيد الدستورية والقانونية في إطار إجراء وتنظيم الانتخابات الجماعية والبرلمانية.
وهو الأمر الذي يعكس استقرار في المشهد السياسي المغربي رغم ما يمكن ان يتخلله في بعض المحطات من تعديل حكومي، وهو أمر لا يشكل أي استثناء أو حدث يعرقل الممارسة الدستورية، أو تأثير على المنافسة السياسية في مجال التدبير الحكومي.
ويشكل دستور 2011 نقلة نوعية في تعزيز دور ومكانة الأحزاب السياسية من خلال إفراد باب خاص بالحريات والحقوق الأساسية (الباب الثاني). حيث يشير الفصـل 47 من الدستور " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها " وأيضاً التصديق على القانون رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.
وهو الأمر الذي عكسته التجربة الحكومية التي قادها حزب العدالة والتنمية في نسختها الأولى. وتأكيد نفس الخيار الديمقراطي خلال التجربة الثانية مع حكومة "سعد الدين العثماني" عبر تأكيد نفس القراءة للمتن الدستوري رغم كل اللغظ والمحاولات الرامية الى اعتماد قراءة وتفسير مغاير لنص وروح النص الدستوري. رغم فترة انتظار دامت 6 أشهر، واختيار الرجل الثاني في هرمية حزب العدالة والتنمية بدل أمينه العام "بدعوى" فشله" أو "إفشاله" في تشكيل الحكومة.
وهو الأمر الذي يحيلنا إلى الدخول السياسي المقبل. والأكيد أن عملية تشكيل الحكومة وطبيعة تركيبة مكوناتها لازالت ترخي بضلالها على العمل والاداء الحكومي. بالنظر إلى انتظارات وتطلعات الشعب المغربي خصوصا في ميادين التعليم ،الصحة والشغل... والتي أصبحت تشكل هاجس كل المواطنات والمواطنين وهي نفس مطالب الحراك الاجتماعي بمنطقة الحسيمة أو غيرها من باقي المناطق. الامر الذي يشكل حالة ضاغطة على العمل الحكومي في تدبير هذه الملفات والتي هي من صميم عملها الحكومي وتنزيل برنامجها الحكومي.
مما يستدعي من العمل الحكومي بلورة سياسات عمومية وطنية وقطاعية تعمل على تعزيز دولة القانون والمؤسسات والتفعيل السليم للمضامين المتقدمة للدستور بما يكرس العدالة الاجتماعية والمجالية ويوطٍد دعائم المغرب الديمقراطي بالعيش الكريم في كنف الحرية والمساواة والتسريع في تنفيذ البرامج ذات الصبغة الاجتماعية..
هذا مع استحضار الانتقادات الحادة الموجهة إلى اداء وعمل بعض" الهيات الحزبية" سواء المشاركة منها في الحكومة أوفي المعارضة.
وفي ظل هذا السياق العام يأتي المؤتمر17 لحزب الاستقلال المزمع انعقاده أواخر شهر شتنبر 2017، في ظل مجموعة من التجاذبات الداخلية والتصريحات المتضاربة بين مجموعة من الاطراف/التيارات. والتي برزت منذ تولي "حميد شباط" دفت الامانة العامة .وذلك بالنظر الى طبيعة شخصيته وروافده التنظيمية النقابية وخرجاته الاعلامية. ومواقفه من المشاركة في التدبير الحكومي سواء مع (عبدالاله بن كيران أو سعد الدين العثماني ) وأيضا مسألة التحالفات ...كلها عوامل تلقي بظلالها على تاريخ حزب الاستقلال ومهامه المرحلية خصوصا بعد غياب أو "تغييبه" عن المشاركة في الحكومتين السابقتين.
وسواء تم تجديد الثقة أو انتخاب أمين عام جديد متوافق عليه داخليا. لابد من الاشارة الى أن حزب الاستقلال يشكل حالة الاستثناء الوحيدة في مسار تاريخ الأحزاب السياسية الوطنية الذي لم تطله ظاهرة الانشقاقات منذ سنة تأسيسيه 1944. كما أن تولي "حميد شباط" يٌبرز حالة مفصلية وانتقالية في حياة أحزاب الحركة الوطنية ، وذلك بإسناد القيادة والتدبير الحزبي من جيل الرواد والزعامة الوطنية "علال الفاسي، عبد الكرم غلاب، عبد الرحيم بوعبيد ، عبد الرحمن اليوسفي، علي يعتة، محمد ايت يدير...) إلى الجيل أو الصف الثاني من القيادات السياسية.
وهو الامر الذي يسائل الممارسة الحزبية في عموميتها ؟ والممارسة الديمقراطية الداخلية؟
وهو نفس السياق الذي يسائل حزب العدالة والتنمية ،الذي وجد نفسه يقود حكومته الثانية وهي منقوصة " المشروعية " السياسية، سواء من حيث :
- الية تدبير المفاوضات وتشكيل الحكومة.
- طبيعة التحالفات وتوزيع الحقائب الحكومية.
- الانتظارات والتطلعات الحزبية الداخلية.
- تشكل فئة من القيادات المستفيدة من تدبير الشأن الحكومي والتدبير الجماعي والقطاعي. مع ما يترتب عن ذلك من مصالح وعلاقات متشابكة ومتقاطعة مع ماهو مالي/ سياسي.
كل هذه العوامل جعلت تيار قوي داخل العدالة والتنمية (الصقور) يطالب بإعادة وارجاع "بن كيران" إلى المشهد السياسي خصوصا وأن الرجل أقدم على تقديم استقالته من مقعده البرلمان بعد تعثر عملية تشكيل الحكومة، وذلك عبر تعديل القانون الأساسي للحزب وإمكانية التجديد لولاية ثالثة.
وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع شخصية "بن كيران" وطبيعة المواقف والتصريحات المتخذة من طرفه. يبقى حزب العدالة والتنمية من الأحزاب القلائل المشهود لها بنضج الممارسة الديمقراطية الداخلية سواء على صعيد هياكلها الداخلية المحلية أو الوطنية، أو من حيث اليات التدبير الداخلي لمسألة تولي وانتقاء المرشحين الانتخابيين.
و سواء تم تعديل القانون الاساسي او تم الاحتفاظ بالنص الاصلي، فان الأمر يبقى شأن داخلي خاص بحزب العدالة والتنمية . لكننا كمتتبعين نعتبر أن الأمر لايخرج عن الممارسة الحزبية والسياسية المغربية. والتي تؤكد على انه رغم رقي النصوص القانونية والدستورية فإن الارادة السياسية للفاعلين السياسيين تحول دون تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود.