عبد العالي بلقايد: قشبال وزروال.. مدرسة صناعة الإمتاع والفرجة الشعبية

عبد العالي بلقايد: قشبال وزروال.. مدرسة صناعة الإمتاع والفرجة الشعبية عبد العالي بلقايد مع صورة قشبال وزروال في ريعان شبابهما

توفي السنة الماضية الفنان زَرْوَالْ الذي شكل مع قَشْبَالْ ثنائيا استثنائيا انتزع من المغاربة الضحك؛ فقد كانا ذات زمن نجما التلفزة المغربية، وبرحيلهما تفقد الفكاهة المغربية، وخاصة الشعبية، أحدي أقطابها المتميزين.

 

فكل سنة نفقد واحدا من صناع الفرجة التي تعطي  لأعراسنا ولمهرجاناتنا الحبور وتجعلنا معروفين في العالم من خلال كناوة، والراي، وناس الغيوان، والمطبخ المغربي بكسكسه وطجينه، وبنقشنا الخشبي والجبصي. هي الحضارة المغربية التي اختارت اختيارا مجتمعيا بأن تكون ثقافة المغاربة ثقافة  للاحتفال والفرجة؛ فالاحتفال عم جميع مظاهر حياة المجتمع المغربي الذي اختار أن ينتج المعنى من خلال أشياء مبهرة وصاخبة في جميع مناحي الحياة التي ينتج عنها أثر، وكذلك التي تقول القول وتريد إيصاله فورا، لأن المجتمع المغربي كان بحكم موقعه الجغرافي تحت قبضة كماشة الغرب المسيحي، والطموح المشرقي/ التركي، هذه الوضعية جعلته في حركة جهاد  دائم والذي كان هو محور التعاقد الذي جمع  بين المجتمع والدولة من خلال عقد  البيعة.

 

هذه الوضعية المفروضة بقوة التاريخ والجغرافية جعل الزوايا تلعب دورا أساسيا في الدينامية المجتمعية وتجعل النموذج المغربي متفردا ومتميزا يعشق الاحتفال والفرجة والبسط الذي يطبع حياة المجتمع في أبسط تجمعاته المجتمعية، فلا يخلو اجتماع للناس مهما قل من البسط، وبذلك اخترق البسط كشكل من أشكال المسرح التلقائي،  باقي الأشكال الفنية الأخرى من عبيدات الرما أو ثنائيات... إلخ.

 

فحسب المتخيل الشعبي كل الفنانين هم عبيدات  للرماة الذين كان دورهم جهادي للدفاع عن الأرض كمقدس وكلامهم هو  للتخفيف عن هذه الشريحة للقيام بعملهم المقدس، وبذلك كانت تمثلات المغاربة عن هؤلاء على الأقل في البدايات إيجابيا. ومن تم اكتسب الفن الشعبي شرعية القول وشرعية الإمتاع الذي لم يكن منزاحا عن المتعارف عليه .

 

فالفقيدان، إذن، من صناع الفرجة لإمتاع المغاربة، بمنتوج يعتمد كأساس فني على النكتة التي تجعل النماذج الأخلاقية الجاهزة محط تفكه وبسط سواء كانت مدينية أو بدوية. لقد أبدعا شكلا من أشكال الفرجة الشعبية التي تجعل الكثير من المظاهر الحياتية محط فكاهة، ومعالجتها معالجة نقدية من خلال الفن والضحك، وبذلك يكون الفنان الشعبي المرآة التي تعكس بعض الصور المشروخة بالمجتمع لغاية التنبيه إليها بشكل فني مطبوع بطابع الفكاهة. و يكون الثنائي قَشْبَالْ وزَرْوَالْ، وغيرهما من الفنانين الشعبيين الذين اختاروا لون الثنائي من الرواد المؤسسين  لهذا اللون في ميدان الفكاهة.

 

قبل التلفزة قدم الفقيدان فنهما بالحلقة، التي كانت الركح الذي عرض فيه سواء الفنانين الذين قدموا اللون الفردي، كابن حمامة الحوزي، أو الفيلالي العبدي. أو الثنائي قَرْزَازْ وُمَحْرَاشْ، أو غيرهما. واللافت للانتباه أن هؤلاء الفنانين كلهم مزجوا بين الغناء والتمثيل بشكل متقن، كما كانت الفكاهة هي الطبق الفني الأول الذي يستمتع به المتفرج. وهذا ما يجعل هؤلاء هم الآباء المؤسسين لكل الألوان التي جاءت فيما بعد، سواء التي قدمت عروضها بشكل فردي أو ثنائي، كباز وبزيز، أو الخياري، أو غيرهم من الفنانين.

 

لكن ميزة الآباء المؤسسين كقَشْبَالْ وَزَرْوَالْ، وبَنْ حْمَامَةْ، وعبد الكريم اَلْفِيلَالِي وغيرهم من القدماء بأنهم يقدمون فنهم بشكل تلقائي، ودون تكلف لانهم فنانون مطبوعون، رحم الله فنانا زروال، وكل الفنانين الشعبيين الذين تركوا لنا كنزا ثمينا قيمته ثقافية ومؤسسة للمعارف أس التنمية والتقدم.