ماء العينين: ينبغي أن تكون الثقافة بعيدة عن التوظيف الإيديولوجي والسياسي الذي يجعلها في إطار نوع من "الفلكلرة"

ماء العينين: ينبغي أن تكون الثقافة بعيدة عن التوظيف الإيديولوجي والسياسي الذي يجعلها في إطار نوع من "الفلكلرة" العالية ماء العينين
في هذا الحوار مع العالية ماء العينين، الكاتبة والأستاذة بكلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، تتحدث عن تنصيص النموذج التنموي الجديد على الجانب الثقافي ودوره في التنمية، معتبرة أن الأشياء التي أتت في التقرير في الشأن الثقافي هي أمور مهمة جدا، فيها تركيز على الجانب التعليمي وتركيز على الجانب الإعلامي والمشاريع والمبادرات الثقافية، وضرورة تطويرها وتنميتها..
 
 كيف ترين حضور الشأن الثقافي في تقرير النموذج التنموي الجديد؟
 تطرق التقرير إلى الأمور التي تهم الجانب الثقافي والتنوع والاهتمام به كرافعة للانفتاح، فأكد التقرير على ضرورة تشجيع أو دعم الإعلام بكل أنواعه، باعتباره أداة للإخبار والنقاش العام ومواكبة مسار تحوله الرقمي. بمعنى الاهتمام بالإعلام ليس فقط في شكله التقليدي، لكن الاهتمام به يجب أن يكون مع مواكبته التحول الرقمي.
من الأشياء التي أكد عليها التقرير أيضا ضرورة تشجيع وتطوير المبادرات الثقافية المبدعة، من خلال المسالك الثقافية والولوج الأمثل إلى التمويلات العمومية والطلبيات العمومية والتمويلات الخارجية، طبعا التقرير أكد على أهمية التعريف بالإرث التاريخي الثقافي المغربي وخصائصه، وتثمين التراث الثقافي المحلي ودعم الفاعلين الثقافيين المحليين، كما أكد التقرير، وهذه من الأشياء المهمة، على ضرورة هيكلة الحقل الثقافي حول مقترح قوي يجعل منه مرفقا عاما مهما بنفس أهمية الصحة والتعليم.
 
ومع ذلك يعتبر البعض أن الحضور الثقافي لم يكن حاضرا بشكل قوي في تقرير النموذج التنموي الجديد مقارنة مع قطاعات أخرى؟
بالنسبة للمكون الثقافي عموما، والتنوع الثقافي بشكل خاص داخل تقرير المشروع التنموي الجديد الذي قدم للملك، كان حاضرا من الصفحة الأولى من التقرير. نعم قد يكون ذلك الحضور خجولا ربما، ولكن من خلال اللقاءات التي عقدتها اللجنة في نقاشاتها العامة، تضمن ذلك في التقرير النهائي، ومما جاء فيه: «الرأسمال اللامادي الغني والمتنوع للمملكة»، وهذا يعني أن هذا الجانب حاضر في فكر وتصور المواطنين. طبعا هناك مسألة نشير إليها هي أن التقرير وردت فيه بعض العبارات»، كما صرح بها المواطنون، والتي تكشف عن عدم الرضى وضعف الثقة»، وقد جاءت عبر عدة تصريحات لمجموعة من المواطنين جمعها التقرير في رسم بياني، والتي تجسد عدم الرضى وضعف الثقة، وهي تعابير غاب فيها المكون الثقافي بشكل مباشر، فنجد جملا من قبيل  «أصبح الوقت ضدنا» و»المغرب في حالة حرب ضحاياها من الشباب»، «لا مال لا علاجات «، «لا شيء ينتظر من القادة السياسيين» وغيرها من العبارات التي تكشف ما يفكر فيه المواطن، وما يحمله المواطن من هم ومن مشاكل؛ ولعل العبارة الوحيدة التي وجدنا فيها الإشارة إلى ما هو ثقافي هو هذه الجملة «نظامنا التعليمي يقتل الإبداع»، وهو ربط ذكي جدا، انتقاد للنظام التعليمي بصيغة ثقافية.
ففي الجزء الخاص بالجانب الثقافي الذي كان عنوانه «الاختيار الإستراتيجي والنهوض بالتنوع الثقافي كرافعة للانفتاح والحوار والتماسك» تم فيها التفاعل مع العبارة أعلاه، بحيث كان هنالك تأكيد على ضرورة الربط بين التعليم والثقافة، وهكذا دعا التقرير إلى «ضرورة إدماج قوي للثقافة في المنظومة التربوية وذلك بإدراج النقاشات والمناظرات التي تمكن من صقل ملكة النقد والجدل والحوار والانفتاح على الآخر لتعليم بعض المواد كالتاريخ والفلسفة إلى غير ذلك». كما أضاف التقرير ضرورة إدماج تعلمات اختيارية مرتبطة بالفنون بشكل أكبر في المناهج الدراسية من السلك الثانوي، إذن هذا اقتراح أتى في التقرير يتجاوب مع انتظارات المواطنين وتساؤلاتهم أو احتجاجهم، الذي عبروا عنه في علاقة الثقافة والإبداع مع التعليم. 
 
كيف تم هذا الربط بين الشأنين الثقافي والتنموي في التقرير؟
بشكل عام، يمكن القول إن الأشياء التي أتت في التقرير في الشأن الثقافي هي أمور مهمة جدا، فيها تركيز على الجانب التعليمي وتركيز على الجانب الإعلامي والمشاريع والمبادرات الثقافية، وضرورة تطويرها وتنميتها. وهذه الاقتراحات التي تم تقديمها هي في غاية الأهمية، وتعزز مسارا طويلا بدأه المغرب في السنوات الأخيرة، وهي ليست كلها جديدة، بل تأتي كمحطات في مسار رد الاعتبار للبعد الثقافي في المغرب، وربطها بالمشروع التنموي ككل، وكذا بالتنوع الثقافي الذي بدا واضحا في دستور 2011، انطلاقا من ديباجته، ومن عدة فصول رغم أن الكثير منها مازال معلقا ويحتاج إلى استكمال بقوانين تنظيمية وغيرها.
وعليه فنحن اليوم في ظل هذا النموذج التنموي أمام حركية بدأت وتستمر ولابد أن تترجم إلى برامج تنموية يحضر فيها اقتصاد المعرفة من خلال البرامج والمشاريع الثقافية، ندوات، أيام ثقافية، أيام دراسية، مواسم.. على أن تواكب هذه الحركية إعلاميا سواء وطنيا أو جهويا، وترصد لذلك ميزانيات من أجل التطوير والتحفيز.
فالإشكال الذي وقفت عليه اللجنة ورد على لسان قطاع عريض من المشاركين في النقاشات التي نظمتها اللجنة المختصة، ووردت في التقرير، عبارة: «لدينا أفضل القوانين في العالم لكنها غير مطبقة»، هي تعبير عن قناعة شعبية وعامة لدى المواطنين بأن هذه القاطرة تتحرك، ولكن هنالك صعوبة، والمشكل في التطبيق والتنزيل الفعلي للكثير من القرارات المهمة التي يقدمها الفاعل السياسي، لذلك نحتاج إلى نقد وتوجيه ومتابعة ووضع اليد على مكامن الضعف، والتقرير هو مناسبة لأخذ تراكمات الماضي، والانطلاق من جديد، فالتقرير تطلب إنجازه زمنا طويلا، وكلفة مالية، وجهدا فكريا.
 
كيف يمكن تجاوز إشكالية عدم تنزيل عدد من القوانين والقرارات؟
بالنسبة لي، أقسم هذا الأمر إلى قسمين: هنالك الجانب الرسمي، أرى أن حضور الدولة يجب أن يكون قويا فعالا، وأحيانا يجب أن يكون رادعا إذا لزم الأمر ذلك، كيف؟ هنالك أولا التنزيل الفعلي للقوانين والقرارات بشكل آني، لأنه للأسف، نجد قوانين تصدر وميزانيات ترصد، ولكن يمر زمن طويل في التنزيل، وهذا ما يفقدها فاعليتها.
 ثانيا، يجب مواجهة الارتجالية الطاغية على مختلف البرامج التي يتم إطلاقها وتنفيذها، ويعني أن تكون البرامج محددة ومقننة، فيها تخطيط واضح المعالم شامل لكل أركان التنمية في العلاقة مع الحاضر والمستقبل، وفي علاقة مع خصوصية كل منطقة، لذلك فغياب هذا الأمر هو الذي يجعل دوما الكثير من المشاريع المهمة ومنها الثقافية، تبقى بدون استمرارية أو دون استكمال مراحل بنائها.
 
هل يمكن الحديث عن دعم الثقافة في ظل ميزانيات هزيلة؟
في التقرير كان هنالك تركيز على مسألة الدعم في كل تجليات الثقافة، سواء المتعلقة بالمشاريع أو المبادرات الثقافية والابداع الفني، وكذا الإعلام، والفاعلين المحليين، ونحن نصفق لذلك، ولكن، كما قلت يجب أن يكون دور الدولة رادعا إذا لزم الأمر ذلك، ويجب أن تكون هنالك مراقبة ومتابعة كذلك لضمان الجدية والفاعلية واحترام الشروط العلمية والفنية والمالية.
وعليه، فالدعم منصوص عليه وهو يمنح لكل إبداع ثقافي مقابل المشاريع، والعقول موجودة أيضا، ولكن يجب أن تكون المشاريع المنتجة تصب في صالح التنمية. وهناك دراسات وأبحاث مهمة في هذا المجال، للأسف تبقى على الرفوف ولا تتم الاستفادة منها، فيجب إعداد تصورات ناجعة للتنمية في علاقتها مع هذه البحوث العلمية لربط الثقافة بالتنمية. 
أمر أختم به، ينبغي أن تكون الثقافة بعيدة عن التوظيف الأيديولوجي والتوظيف السياسي الذي يجعلها دائما في إطار نوع من «الفلكلرة»، يكون فيها تمييع للخصوصية الثقافية من خلال مهرجانات مكلفة ولكنها لا تتعدى كونها جعجعة بدون طحين، ولا تحقق أي إيراد تنموي أو لا مادي.