محمد اشويكة: النموذج التنموي الجديد الاقتصاد هاجسا.. الفن هامشا

محمد اشويكة: النموذج التنموي الجديد الاقتصاد هاجسا.. الفن هامشا محمد اشويكة
جاء التقرير التنموي الذي انتظره المغاربة غير مهتم قطعا أو بطريقة غير كافية (هامشية) ببعض القطاعات التي نراها مدخلا أساسيا لكل تنمية، ويتعلق الأمر بالطفولة والثقافة والإبداع والعلم.. فلا يمكن أن نتحدث عن التنمية إلا إذا كان الطفل في عمق كل تخطيط تنموي، وإلا فكيف يتسنى لنا الرفع من مؤهلاته ومعنوياته؟ أليست تنشئته داخل أسرة مثقفة، ومهتمة بالفن والإبداع، تقود الناشئة نحو ترسيخ القيم الإيجابية التي يتوخاها التقرير؟
يراهن التقرير على مغرب مزدهر، يزخر بالكفاءات، وعلى مغرب الجرأة، المستدام والدامج، والحال أن الشخص غير المُكَوَّن لا يمكنه القيام بذلك، فغالبا ما نلاحظ أن ذوي الكفاءات الاقتصادية والعلمية، غير المستفيدين من تكوينات رصينة في مجالات الثقافة والفن والإبداع، يعانون من انحباس كبير على مستوى الابتكار، وشح الخيال، وضعف الحس النقدي، وصعوبة التواصل والاندماج، والانطواء على الذات أو الأنانية المعيقة لبروز مهارات القيادة وروح التغيير.. وهي معطيات يكسبنا إياها الفن ممارسة واستهلاكا.
لم يول التقرير قيمة كبرى للقضية الثقافية عموما، وللفن خصوصا، وتلك هنة كبيرة تعتور تصوره لمفهوم التنمية الذي انحصر في النظر إلى الإزهار والرفاهية من زاوية اقتصادية محضة، متغافلا أن الشخص الذي ينتج ويستهلك قد يعاني من فراغ وجداني وعاطفي وروحي، سرعان ما سيبحث عن ملئه بمجرد تضاعف إحساسه بالفراغ تجاه النقص غير المادي الذي يعانيه، وهنا يمكن أن تتربص به آليات الشحن الجاهزة، وما أكثرها، فتنفث فيه سمومها، ويتحول إلى شخص حاقد على النموذج الاستهلاكي والإنتاجي – ذي الاتجاه الواحد – الذي تلقاه.
يمكن التنبيه إلى أن الارتقاء الاقتصادي غير المدعوم برؤية إيجابية لتدبير الزمن الشخصي، لا يمكن اعتباره ناجعا ما دام الفرد غير ممتلك لقدرات داعمة لتحرير الطاقات والمبادرات التي من شأنها أن تساعد الشخص على اكتساب ثقافة التعاون التي يراهن عليها التقرير التنموي، والتي يدعمها الفن خلال تلك اللحظات الوجودية التي يستقطعها الفرد من وقته للتخلص من عوائق الاندماج، وهو في قاعة العرض للاستمتاع بالسينما والموسيقى والغناء والرقص والأعمال الفنية التشكيلية وغيرها.
يراهن النموذج التنموي المقترح على التنويع والارتقاء بالنظام الإنتاجي، مقاربا الإنتاج من وجهة نظر مقاولاتية تُعْنَى بالاقتصاد الثقيل والخدمات، الحاملة لعلامة التميز المغربي، ولكنه لم يفكر في مبتكريها ومُلَمِّعِيهَا فالصناعة فن، والتسويق فن، والتجارة فن، والسياسة فن.. وكل ما يخلو من الفن يندثر ويتلاشى بمجرد انتهاء صلاحيته الاستهلاكية.
لا يمكن أن نتغافل بأن للإنسان المغربي نمط عيش مندمج، يقع الفن بمعناه الشاسع في عمقه، وذلك من حيث طرائق الأكل واللباس والاحتفال.. لكن التقوقع في دائرة الفلكور قد تجعل الشخص غير آبه بموجات الاختراق السلبية التي تأتيه مما يأتيه من خارج الثقافات المحلية لأن المغرب مفتوح ومنفتح. وعليه، فالتنمية الثقافية والإبداعية والفنية تزود الناس بآليات التفاعل والتطوير، وذلك ما لم ينتبه إليه صناع النموذج التنموي الذي نظروا إلى الاقتصاد خارج الفن، وإلى العلم خارج دوائر الخيال والابتكار.
ركزت اللجنة على ربط التعليم بالتنمية، فقد ورد في غير ما موضع من التقرير الحديث المتعدد عن تكييفه مع الرهانات الكبرى للتنمية، ولكن الحديث عن التكوين الفني والتربية الفنية والبحث الفني داخل المدارس والمعاهد المتخصصة لم يكن ذا قيمة داخل التقرير، ولم يراع التحول الذي ستعرفه الجامعة المغربية من حيث الهيكلة العلمية، وذلك قصد تأهيل أو إحداث بعضها لتصير شاملة لثلاث حقول معرفية تضم اللغات والآداب والفنون والعلوم الإنسانية في عمقها.
إن المتتبع لتطور ونماء المجتمعات سيقف بسهولة على دمج الثقافة والفن في الحياة، فلا يمكن أن نتحدث عن المهارات الحياتية والكفايات الذاتية وذهنيات الابتكار والإبداع وقيم المواطنة والمؤهلات المهنية دونما ربط الفرد بالفنون لأنها تمنحنا آليات التمثل والنقد وما يرتبط بهما.
محمد اشويكة، ناقد سينمائي